المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1368

 

كتاب جديد: اليهودية مناقضة للصهيونية ونتنياهو مستفيد من مظاهر العداء للسامية

 

 

 

صدر عن دار النشر الإسرائيلية "برديس"، مطلع شهر آذار الحالي، كتاب مترجم عن الانكليزية بعنوان "المعارضة اليهودية للصهيونية – تاريخ الصراع المستمر"، وهو من تأليف الأكاديمي الكندي – اليهودي، البروفسور يعقوب رابكين. ويؤكد رابكين في كتابه أن "القيم اليهودية مناقضة للصهيونية. العداء للسامية يخدم إسرائيل. قانون العودة ليس مختلفا عن قوانين نيرنبرغ [النازية]".

 

 

وبسبب آرائه المناهضة للصهيونية، أثار رابكين غضب حتى أصدقائه المقربين، وتنكر له زملاؤه الأكاديميون، كما أن المؤسسة اليهودية في إسرائيل ومؤيديها بين اليهود في أميركا الشمالية يناصبونه العداء. وحتى أنه تلقى تهديدات بالقتل. رغم ذلك، فإن هناك عددا من الأكاديميين الإسرائيليين النقديين الذين امتدحوا الكتاب، وبينهم رئيس الكنيست الأسبق البروفسور شيفاح فايس، وأستاذ الفلسفة في جامعة تل أبيب البروفسور يوسف أغاسي، والمحاضر في قسم التاريخ في الجامعة نفسها البروفسور شلومو ساند، وأستاذ الألسنيات والناشط الأميركي – اليهودي البارز البروفسور نوعم تشومسكي.

 

وقال رابكين في مقابلة أجرتها معه صحيفة "يديعوت أحرونوت"، قبل أسبوعين، واصفا الأجواء عندما صدر الكتاب بالانكليزية، إنه "عندما صدر الكتاب أقمنا احتفالا في البيت ودعونا أصدقاء. وقد وضعنا ملصقا عند مدخل البيت يحتوي على صورة لغلاف الكتاب. ونظر أحد أصدقائي، وكنت أعتقد حينها على الأقل أنه صديق لي، إلى الملصق، وسألني ما إذا كنت أنا الذي ألّف الكتاب. وعندما قلت نعم، استدار وذهب. إنه لم يقرأ الكتاب، وحتى أنه لم يتصفحه. غادر البيت غاضبا وحسب".

 

وأضاف رابكين "لقد هددوني في الماضي. وخلال حفل إصدار الكتاب أثاروا فوضى، وتلقيت تهديدات بالقتل عبر الهاتف. وسمعت إحدى بناتي أحداً ما يقول إنهم سيعدمونني. وهذا ليس بالأمر اللطيف، وأنا أعرف أنهم يريدون إسكاتي بالقوة. فالأفراد يهلعون لدى تناول هذا الموضوع المشحون. لكن لماذا أجري أبحاثا؟ إذا كانوا يدفعون لي أجرا فلكي أفكر وأكتب، فإنه عليّ على الأقل أن أغير شيئا ليس جيدا".

 

ورغم العداء في إسرائيل وبين مؤيديها من المنظمات اليهودية في العالم، إلا أن كتاب "المعارضة اليهودية للصهيونية" تُرجم إلى 12 لغة، ووُزع في عشرات الدول، وفي اليابان شملته قائمة أفضل كتب الأبحاث للعام 2010. وقال رابكين إن "الكتاب حقق نجاحا في اليابان بسبب عدم وجود لوبي صهيوني هناك".

 

 

"بناء الدولة على قومية يهودية خطأ"

 

يتناول رابكين في كتابه تاريخ الصهيونية والدوافع والأجهزة التي سمحت بتطورها، وفي موازاة ذلك يدقق في اليهودية كديانة سبقت تأسيس الحركة الصهيونية وتحيا منفصلة عنها. ويشدد رابكين في الكتاب على أنه "منذ بداية ظهورها، لم تكن الصهيونية السياسية مقبولة على أغلبية اليهود في العالم. ومعارضتها عكست وما زالت تعكس بالأساس أفكارا مستمدة من التراث اليهودي، وهي أفكار تبدو أنها متطرفة رغم أنها نابعة من اتجاهات سائدة في اليهودية طوال ألفي عام".

 

وأكد رابكين أن الصهيونية "استغلت" اليهودية. وقال "لقد نشأت في عائلة يهودية منصهرة بالكامل. وكطفل لم أكن أعرف شيئا عن اليهودية، وفقط بعد ذلك بسنوات كثيرة تذكرت أنني رأيت جدتي تخبز خبزا مستويا وفيه ثقوب صغيرة. لقد كانت تخبز المصة، لكني لم أعرف ما هذا. وبعد ذلك تأثرت يهوديتي من أنبياء مثل عاموس وإشعياء وإرمياء. وهي يهودية تتحدث عن الرأفة وتفهم الآخر والتطلع إلى العدالة الاجتماعية".

 

وأضاف أنه في المقابل فإن "الصهيونية هي أيديولوجيا سياسية نشأت بالأساس في المناطق الريفية في أوروبا الشرقية، وبين أناس لم يكن لديهم فكر ليبرالي. وهؤلاء اليهود الذين لم يتمكنوا من الاندماج في المدن الكبرى بسبب العداء للسامية، تبنوا نموذجا قدم لهم بديلا. وفي تلك الفترة انتشرت أنواع مختلفة من القومية والمواقف الكولونيالية. وبالمقارنة مع باقي هذه الحركات، التي غابت معظمها عن العالم، حققت الصهيونية إنجازات مثيرة للإعجاب. وليس فقط أن الصهيونية تحولت إلى برنامج سياسي وحلم تحقق، وإنما هي تمنع إسرائيليين كثراً اليوم من ترجيح رأي ناضج".

 

وعبر رابكين عن "قلق بالغ" من مزاعم الصهيونية بشأن علاقة اليهود بالبلاد. ورأى أن "إسرائيل هي دولة ليبرالية، لكنها تتحصن أكثر فأكثر في موقف الأقلية، الذي يكرهه العالم. وبناء الدولة على قومية يهودية هو خطأ. ويجب الاعتراف بالحقائق على الأرض، وهي أن المجتمع الإسرائيلي متنوع، وليس يهوديا فقط. والإنسان الإسرائيلي اليوم قريب من الفلسطيني أكثر من قربه من اليهودي الذي يعيش في الولايات المتحدة، وعلى الرغم من ذلك فإن النظر يكون دائما باتجاه المجتمع اليهودي في أميركا. ماذا تعني ’الصبغة اليهودية’ للدولة؟ أنا أفهم ماذا تعني الصبغة الإسرائيلية، ولكن ليس الصبغة اليهودية. ويقلقني أنهم يفرضون التعريف، وهو عدم تعريف، للدولة كلها. وهذا يؤدي إلى أن قسما كبيرا من السكان يعيشو بدون تعريف".

 

ويصف رابكين الصهيونية بأنها عنصرية، وقال "كمؤرخ للعلوم فإنني أعرف أن الكولونيالية والقومية كانتا حركتين مقبولتين بالكامل لدى ظهور الصهيونية. وقسم من الآباء المؤسسين للصهيونية، مثل ماكس نوردو، كانوا ملتزمين بهذه الأفكار العنصرية. وقد كانوا مقتنعين بأنه بسبب العداء للسامية، فإنه لا مكان لليهود في مجتمع الأغيار [غير اليهود]، بينما في الواقع هم ادعوا بما كان يقوله المعادون للسامية، وهو أنه يوجد مكان واحد فقط لليهود. لقد كانت هذه فترة مظلمة لليهود في أوروبا الشرقية، وكانوا يفتقرون لمكانة، متدنيين، وكأقلية فإن هذا كان طبيعيا وحسب أن يفكروا بهذا الشكل. وهذا كان السبب أيضا لعدم مبالاة أغلبية اليهود في فرنسا وألمانيا ودول غربية أخرى تجاه الصهيونية، وذلك لأنهم تمتعوا بالمساواة. وليس صدفة أن المؤتمر اليهودي الأول عُقد في بازل وليس في ألمانيا. فيهود ألمانيا لم يتحملوا الصهيونية. والأشخاص الذين أسسوا الصهيونية كانوا يعيشون في الشطعطل [أي القرية اليهودية في أوروبا الشرقية]. وهم لم يكونوا مرتبطين بروح الليبرالية الاجتماعية التي ميزت الحياة في المدن الكبرى".

 

وحول المحرقة إبان الحكم النازي لألمانيا قال رابكين إن "ما حدث لليهود في ألمانيا كان تطهيرا عرقيا دام 12 عاما، مقابل ألف عام من الحياة المشتركة. والليبرالية تعني أن علينا أن نحارب ضد العنصرية في كل مكان وعدم الاستسلام للقوة والعدوانية بواسطة تبنيها".

 

ويتهم رابكين شخصيات صهيونية بأنها تعاونت مع جهات معادية للسامية، لكنه قال "إنني لا أجدد شيئا هنا. معروف أن [واضع فكرة دولة اليهود، ثيودور] هرتسل وأشخاصا صهيونيين آخرين حصلوا على معاملة لطيفة وتعاون من جانب معادين للسامية أرادوا التخلص من اليهود. وقد ساعد [المسؤول النازي الذي أعدم في إسرائيل لاحقا، أدولف] آيخمان وآخرون الصهاينة في حملات هجرتهم [إلى فلسطين]. وأنا لا أرى بذلك أنه أمر سيء بالضرورة، لأنه عندما يتعين عليك إجراء مفاوضات فإنك تجريها مع أعدائك. وثمة من يدعي أن قانون العودة، الذي يشكل تعويضا عما حدث في المحرقة، يستجيب في الواقع لتعريف قوانين نيرنبرغ. فخلال فترة ظهور الصهيونية كانت النظرية العرقية منتشرة في الفكر الغربي، وكانت جزءا من الإجماع العلمي. هكذا اعتقد الأفراد في تلك الفترة. هل علينا التنكر لذلك الآن؟".

 

الأمن هو القيمة الأكثر قدسية في إسرائيل

 

يقول رابكين في كتابه إن أي جيل ينمو في إسرائيل يميل أقل إلى التشكيك في فائدة استخدام القوة مقارنة بالجيل الذي سبقه، وإن فكرة عسكرة المجتمع باتت شعبية أكثر في بداية القرن الواحد والعشرين عما كانت عليه في الماضي. ويؤكد أنه ليست فقط الحاجة إلى الدفاع عن النفس هي التي ولّدت اليهودي الجديد الذي يتعين عليه الاعتماد على القوة، وإنما الأمن تحول إلى القيمة الأكثر قدسية في المجتمع الإسرائيلي، وهذا "تشويش ديني وأخلاقي خطير".

 

وقال رابكين في المقابلة إن "الصهيونية لم ترَ الفلسطينيين أبدا. لكنهم كانوا جزءا من مشهد المنطقة. و[المؤرخ الإسرائيلي اليساري] ميرون بنفنيستي كتب أنه بالنسبة للطلائعيين، كان الفلسطينيون مثل الخراف. وهم لم يروا بهم أناسا يعيشون في البلاد. وقد قال [السياسي البريطاني الذي أصدر "وعد بلفور"، آرثر جيمس] بلفور إنه ’لسنا قلقين من السكان المحليين، وإنما نخاف من الصهيونية’. وهذه هي العقلية الكولونيالية. كل فكرة الانفصال، الأبارتهايد، خاطئة من أساسها". وأضاف أن الوضع في إسرائيل بكل التفاصيل ليس شبيها بنظام التفرقة العنصري الذي كان سائدا في جنوب إفريقيا "وأعتقد أن التعميم هو أمر سيء، لكن يوجد شبه في نقاط معينة. فالكثير من الإسرائيليين يؤيدون ضرورة الانفصال عن الفلسطينيين. وكيف تترجم الفصل إلى اللغة الإفريقية؟ أبارتهايد".

 

وتطرق رابكين إلى سعي حكومة إسرائيل إلى تجنيد الحريديم للجيش، وقال إنه "الآن يريدون إعطاء السلاح للحريديم، الذين تتناقض عقيدتهم بالكامل مع مفهوم القوة هذا. إذ أن اليهودية بعيدة بعد السماء عن الأرض عن مفهوم القوة الصهيوني، وهذا هو السبب لعدم تعاطف الكثيرين من اليهود في أنحاء العالم مع إسرائيل".

 

وأضاف أن الكثير من الإسرائيليين ليسوا مطلعين على تفتت العلاقة بين إسرائيل واليهود في أنحاء العالم، مشددا على أن إسرائيل تشجع العداء للسامية، التي تضمن بقاءها، وفي موازاة ذلك تلحق الأذى باليهود في العالم من خلال حربها ضد الفلسطينيين والتنكر للأجانب بداخلها. وشدد رابكين على أن "إسرائيل تربح من العداء للسامية في العالم، ما من شك في هذا. ولا شك في أن العداء للسامية ساعد الصهيونية وأدى إلى هجرة يهود. وأعتقد أن حكومة نتنياهو تشجع مظاهر العداء للسامية، فهذا يساعده. لكن من الخطأ الاعتقاد أن الجيل الحالي الذي يعاني من العداء للسامية يريد الهجرة إلى إسرائيل. فهذا الجيل لا يهمه ما يحدث في إسرائيل".

 

وحول مشاعره تجاه البلاد، قال رابكين إنه "في إحدى المداولات التي جرت في الكنيست حول انسحاب قوات الجيش الإسرائيلي من الخليل، وقف عضو كنيست حريدي وقال إن بإمكانه أن يحب الخليل من تل أبيب وحتى من نيويورك. والتراث اليهودي يستند إلى البعد. وبنظري فإن تقديس المكان هو بكل بساطة كُفرٌ".

 

 

 

 

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات