المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 887

 

بحلول نهاية العام: نتنياهو يتقرّب من اليمين المتطرف أكثر فأكثر

 

ويزيد عزلة إسرائيل الدبلوماسية في العالم

 

 

 

 

عندما شكّل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، حكومته في ربيع العام الحالي، اضطر إلى الرضوخ لإملاءات تحالف تم عقده بين رئيس حزب "يوجد مستقبل" (وسط - يمين) يائير لبيد، ورئيس حزب "البيت اليهودي" اليميني المتطرف نفتالي بينيت. في حينه اشترط الحزبان انضمامهما للحكومة بعدم ضم الحزبين الحريديين، شاس و"يهدوت هتوراه"، إلى الحكومة. لكن في الأسابيع الأخيرة يبدو أن حلف لبيد - بينيت أخذ يتفكك، وليس واضحا بعد ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى أزمة ائتلافية أو إلى تغيير تركيبة الائتلاف الحالي.

 

ويقول محللون سياسيون إسرائيليون إن نتنياهو ينظر بعين الرضى إلى الخصومة بين لبيد وبينيت، خاصة وأن شعبيته داخل حزبه، الليكود، تصاعدت مؤخرا بعد أن تصالح مع خصوم داخليين، أبرزهم وزير المواصلات يسرائيل كاتس.

 

ونشب الخلاف بين لبيد وبينيت بسبب عدة أمور، أبرزها العملية السياسية والمفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين. وسبب آخر لهذا الخلاف، وربما يكون الأكثر أهمية بالنسبة للحزبين ورئيسيهما، يدور حول سن قوانين في مجال العلاقة بين الدين والدولة، وكذلك قوانين تمنح حقوقا للمثليين.

 

وفي ظل هذا الخلاف أعلن لبيد أنه من أجل التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين سيتعين على نتنياهو تغيير تركيبة الائتلاف، في إشارة إلى إخراج "البيت اليهودي" من الحكومة وضم حزب العمل.

 

وبدوره أعلن بينيت أن بإمكان نتنياهو إخراج "يوجد مستقبل" من الحكومة وضم الأحزاب الحريدية إليها.

 

 

لبيد: يجب التقدّم بالمفاوضات مع الفلسطينيين حتى لو تم تغيير تركيبة الحكومة

 

حذر لبيد، خلال خطاب ألقاه في مؤتمر الأعمال الذي عقدته صحيفة "غلوبس" الاقتصادية في تل أبيب، يوم الأحد الماضي، من مغبة عدم التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. وقال إن الوضع الحالي يشكل خطرا على مستقبل إسرائيل ويجب بذل جهود من أجل تقدم المفاوضات حتى لو تم تغيير تركيبة الحكومة الإسرائيلية.

 

وجاءت أقوال لبيد على خلفية التوتر المتصاعد بين الحكومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية حول المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية المتعثرة.

 

ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن لبيد قوله إن "كل أسبوع يمر من دون تقدم في المفاوضات يشكل خطرا على استقرار الحكومة... ثمة أهمية للاقتصاد والدولة بأن تستمر هذه الحكومة في ولايتها حتى لو استوجب التقدم في المفاوضات إجراء تغييرات ائتلافية كهذه أو تلك" في إشارة إلى حزب "البيت اليهودي" خصوصا الذي يعارض قيام دولة فلسطينية بشكل مبدئي.

 

وأضاف لبيد أن العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين هي "الموضوع الذي لديه تأثير حاسم على الاقتصاد الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي". وأردف أنه فيما يتعلق بالمفاوضات "تبقت عدة شهور فقط للوصول إلى تاريخ الهدف المحدد لإنهاء المفاوضات"، معتبرا أنه "رغم أن التأخير والمماطلة يأتيان غالباً من الجانب الفلسطيني، لكن ليس لدينا مسؤولية عن الجانب الفلسطيني، وإنما نحن مسؤولون عن الجانب الإسرائيلي، ودولة إسرائيل لا يمكنها، ويحظر عليها، أن تبتلع إلى داخلها 5ر3 مليون فلسطيني".

 

وتابع لبيد أنه "حان الوقت الآن للتقدم وقد وصلنا إلى المرحلة التي يتعين على حكومة إسرائيل فيها الإجابة لنفسها عن السؤال إذا ما كانت تجري العملية السياسية من خلال محاولة حقيقية للتوصل إلى اتفاق سلام. والقضية الحقيقية التي علينا مواجهتها هي أن هذا أمر ممكن بكل تأكيد، وهو صعب ومؤلم ومتعلق بتنازلات، لكنه ممكن". وأضاف أنه "لا يمكننا مواصلة التهرب من حقيقة أن للسلام ثمنا، وهو ثمن مؤلم قوميا وسياسيا وليس سهلا، وسيضطر إلى دفعه كل جانب من الموقعين على الاتفاق".

 

وقال لبيد إن نتنياهو "أعلن أنه يعرف هذا الثمن ويدرك معنى حقيقة أن الحل الوحيد الموجود على الطاولة هو تطبيق فكرة دولتين لشعبين. وأنا مؤمن وآمل أن لديه الشجاعة التاريخية المطلوبة كي يدفع الثمن، وهذا ما تعهد به عندما شكلنا الحكومة ومن على منبر الكنيست ولا أتخيل للحظة أنه لم يقصد كل كلمة".

 

ورأى لبيد أن "مهمتنا اليوم هي تحويل هذا التصريح إلى خطة عمل منظمة والوقوف وراءها رغم الصعوبات. وهدفي ليس إضعاف الائتلاف أو وضع إنذار وإنما على العكس، أن أوضح أن الوزراء الخمسة والنواب الـ 19 في الكنيست لحزب يوجد مستقبل هم أساس ائتلافي صلب يسمح وسيسمح للمفاوضات بالتقدم".

 

واعتبر لبيد أن "الخطأ التاريخي" لليسار الصهيوني هو أنه "سارع إلى الإعلان مسبقا عما هو مستعد للتنازل عنه وأعفى بذلك الفلسطينيين من دفع ثمن مقابل السلام. ليس هكذا يجرون مفاوضات في الشرق الأوسط، وعلى الفلسطينيين أن يعلموا أن عليهم أن يدفعوا ثمنا أيضا وعليهم أن يوافقوا على تسويات مؤلمة". وقال إن "كل لحظة تمر ولا يوجد فيها اتفاق بيننا وبين الفلسطينيين هي خطر على وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية. وكل يوم يمر من دون اتفاق يقربنا من خطر الدولة ثنائية القومية... ولا يتوجب على دولة إسرائيل أن تسيطر على شعب آخر، فهذا يتعارض مع الأخلاق اليهودية، ويتعارض مع فكرة بناء مجتمع قدوة".

 

وعقب رئيس حزب العمل الإسرائيلي، عضو الكنيست إسحق هرتسوغ، على أقوال لبيد، بأن حزبه سيدعم نتنياهو من داخل الحكومة أو من صفوف المعارضة، في حال تقدم المفاوضات وأن أحزاب المعارضة الأخرى ستفعل الأمر نفسه "وآمل أن ينفذ حزب يوجد مستقبل الجانب الآخر من المعادلة وينضم إلينا [أي في المعارضة] في حال تهرب نتنياهو من المفاوضات".

 

 

بينيت لنتنياهو: يجب ضمّ الأحزاب الحريدية للحكومة وعدم الخشية من انسحاب "يوجد مستقبل"

 

من جهة أخرى، وفي إطار الخصومة الحاصلة بين لبيد وبينيت، خاصة على خلفية سن قوانين في مجال العلاقة بين الدين والدولة، التي يعارضها حزب "البيت اليهودي" والأحزاب الحريدية، أفادت صحيفة "معاريف"، يوم الجمعة الماضي، أن بينيت بعث برسالة إلى نتنياهو، قبل أسبوعين، قال فيها إنه يجب ضمّ الأحزاب الحريدية إلى الحكومة، وعدم الخشية من انسحاب لبيد في هذه الحالة لأن "البيت اليهودي" باق معه.

 

وأضافت الصحيفة أن بينيت أوضح لنتنياهو في هذه الرسالة أن التحالف بينه وبين لبيد لم يعد قائما، وأن حزب "البيت اليهودي" لم يعد يتفق مع لبيد على عدم ضم الحريديم إلى الحكومة. وقالت الصحيفة إن قياديين في "البيت اليهودي" أبلغوا نظراءهم في الأحزاب الحريدية بشأن هذه الرسالة.

 

ووفقا للصحيفة فإن نتنياهو ليس مستعجلا لتغيير تركيبة ائتلافه ويريد بقاء لبيد في الحكومة، على أمل أن شعبيته ستنخفض، خاصة وأنه يتولى منصب وزير المالية الذي اتخذ من خلاله قرارات اعتبرت أنها توجه ضربات اقتصادية ضد الطبقة الوسطى وجعلت شعبيته في الحضيض.

 

ولفتت الصحيفة إلى أن ما دفع بينيت إلى التخلي عن تحالفه مع لبيد هو عدد من مشاريع القوانين في موضوع الدين والدولة. وأوضحت الصحيفة أن لبيد يريد ضم الحريديم إلى الحكومة من أجل أن تعارض أحزابهم هذه القوانين وألا يكون في واجهة المعارضة حزب "البيت اليهودي" كي لا يخسر شعبيته في أوساط يمينية علمانية.

 

وفي سياق المصالح الحزبية، كتب محلل الشؤون الحزبية في صحيفة "هآرتس"، يوسي فيرتر، يوم الجمعة الماضي، أن تبادل "اللكمات" بين لبيد وبينيت جاء على خلفية محافظة كل واحد منهما على جمهور ناخبيه، إذ أن لبيد يواجه انتقادات من جانب جمهور مصوتيه بسبب الضربات الاقتصادية التي أنزلها بالطبقة الوسطى. كذلك فإن لبيد وحزبه مضطران إلى تأييد سلسلة مشاريع قوانين تمنح حقوقا للمثليين لإرضاء مصوتيه الذين يؤيدون منح حقوق كهذه. وفي المقابل فإن بينيت وحزبه يعارضان منح أية حقوق كهذه. كذلك أشار فيرتر إلى أن الجناح اليميني- الديني- المتطرف بين مصوتي "البيت اليهودي" ينتقد بينيت بسبب تحالفه مع لبيد الذي يدعو إلى التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين.

 

 

نتنياهو في وضع مريح داخل الليكود

 

فيما تتصاعد الخصومة بين لبيد وبينيت، واعتبار نتنياهو أن هذه الخصومة تصب في صالحه لأنها تضعف لبيد وحزب "يوجد مستقبل"، فإن التقارير تشير إلى أن وضع نتنياهو داخل حزب الليكود الذي يتزعمه، بات مريحا نسبيا أكثر من ذي قبل.

 

ويعود سبب ذلك، وفقا لـ"معاريف"، إلى أن نتنياهو تصالح مؤخرا مع قياديين في الحزب ويتولون مراكز مهمة فيه، وخاصة رئيس أمانة الحزب يسرائيل كاتس، ورئيس اللجنة المركزية للحزب داني دانون.

 

كما تصالح نتنياهو مع رئيس المكتب السياسي لليكود زئيف إلكين، ورئيس كتل الائتلاف في الكنيست ياريف ليفين. وهؤلاء ينتمون إلى الجناح اليميني العلماني المتطرف في الليكود، ويعارضون بشدة قيام دولة فلسطينية.

 

وحارب هؤلاء الأربعة، وخاصة كاتس، داخل مؤسسات الليكود من أجل منع سحب أية صلاحيات من نتنياهو، خاصة فيما يتعلق بصلاحيته بمنع عقد اجتماع للجنة المركزية للحزب، واتخاذ قرارات لا يريد نتنياهو اتخاذها في هذا التوقيت أو ذاك، وبضمن ذلك قرار بحل الشراكة والتحالف بين الليكود وحزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة أفيغدور ليبرمان.

 

وفاة مانديلا: نتنياهو شخصية غير مرغوب بها في جنوب إفريقيا

 

على صعيد آخر، أقامت سفارة جنوب إفريقيا في تل أبيب، يوم الأربعاء الماضي، مراسم تأبين للرئيس والزعيم الجنوب إفريقي السابق، نيلسون مانديلا، الذي توفي مطلع الأسبوع الماضي. وقالت "هآرتس" أنه لم يحضر أي سياسي إسرائيلي هذه المراسم. وينسجم ذلك مع قرار نتنياهو بعدم السفر إلى جنوب إفريقيا للمشاركة في مراسم تأبين مانديلا وجنازته، مثلما فعل معظم زعماء العالم.

 

ووجهت الصحف ووسائل الإعلام في إسرائيل انتقادات شديدة لنتنياهو بسبب امتناعه عن السفر إلى جنوب إفريقيا، وتذرعه بأن تكلفة ذلك ستكون مرتفعة (سبعة ملايين شيكل)، مشيرين إلى أنه لم يأبه بتكلفة كهذه عندما شارك قبل شهور في جنازة رئيسة الحكومة البريطانية السابقة مارغريت تاتشر.

 

ورأى السفير الإسرائيلي الأسبق في جنوب إفريقيا، ألون ليئيل، أن قرار نتنياهو عدم المشاركة في جنازة مانديلا، هو قرار صائب لأن نتنياهو هو شخص غير مرغوب فيه في جنوب إفريقيا. وقال ليئيل لموقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني إن "نتنياهو ليس ضيفا مرغوبا فيه في جنوب إفريقيا الحالية، وأعتقد أنه من الصواب أنه لم يسافر".

 

ووصف ليئيل تذرع نتنياهو بتكلفة السفر لعدم المشاركة في جنازة مانديلا بأنه "أداء مرعب" وقال إن "نتنياهو لا يدرك مدى تعقيد هذا الأمر من الناحية السياسية ومدى المعارضة التي قد تكون لمشاركته وحضوره في الجنازة من جانب الجمهور الجنوب إفريقي، وقد فعل الصواب عندما ألغى ذلك، ولكن الذرائع المالية مهينة جدا وقد تم ارتكاب خطأ هنا".

 

كذلك أعلن الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريس، أنه قرر هو الآخر عدم السفر إلى جنوب إفريقيا بسبب وعكة صحية. لكن تبين بعد ذلك أن بيريس يمارس عمله كالمعتاد وأنه استقبل الرئيس الغواتيمالي.

 

ويشار إلى أن بيريس هو أحد أبرز رموز العلاقات بين إسرائيل ونظام التمييز العنصري السابق في جنوب إفريقيا والذي كان مانديلا في مقدمة المناضلين ضده. كذلك فإن بيريس هو أحد المسؤولين الإسرائيليين الذين وقعوا على صفقات تزود إسرائيل بموجبها نظام الأبارتهايد السابق في جنوب إفريقيا بالأسلحة، في الوقت الذي قرر العالم فيه عدم مد هذا النظام العنصري بالأسلحة.

 

إلا أن ليئيل اعتبر أن بيريس سيستقبل بالترحاب لو قرر المشاركة في الجنازة. وقال إن "بيريس هو قصة مختلفة، وهو شيء آخر، إذ يوجد له تاريخ كامل وهو يرمز ويمثل سياسة مختلفة [عن نتنياهو] وخسارة أنه لم يسافر".

 

وتقرر أن يشارك في جنازة مانديلا، التي جرت أمس، رئيس الكنيست، يولي إدلشتاين. وقال ليئيل إن "وصول إدلشتاين إلى جنوب إفريقيا سيكون مشكلة، فهو يمثل خطا يمينيا بارزا كما أنه مستوطن". وأضاف أن "ما يسبب ضررا لنا في جنوب إفريقيا وأجزاء مشابهة في العالم هو الاحتلال، وهذا هو أساس المشكلة ومن هنا أيضا نشأ هذا الأداء المعقد والذي بسببه لن يتمكن نتنياهو من السفر".

 

ورأت "هآرتس" في افتتاحية عددها الصادر الأربعاء الماضي أن "غياب القيادة الإسرائيلية العليا عن جنازة مانديلا ليس صدفة، وبالإمكان أن نرى فيه مؤشرا على عزلة دبلوماسية متصاعدة. وإسرائيل أخذت تنعزل عن المجتمع الدولي بسبب إصرارها على استمرار الاحتلال وتحصينه بالمزيد من المستوطنات، وإدارة ظهرها إلى مبادرات سياسية".

 

وعلى ما يبدو فإنه بحلول نهاية العام الحالي بعد أسبوعين، يواصل نتنياهو الغوص في وحل عزلة إسرائيل الدبلوماسية في العالم على الصعيد الدولي، بينما على الصعيد الداخلي، تملي عليه مصالحه التقرب من اليمين المتطرف، سواء داخل حزبه أو في الحلبة السياسية عموما، وبالتالي لا يتوقع أن يستجيب لدعوة لبيد بالتقدم في عملية السلام.

 

 

 

 

 

 

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات