المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 959

 

تجاذبات أطراف الحكومة لا تهدّد حتى الآن بحلها

 

 

كتب برهوم جرايسي:

 

تكاثر في الأسابيع القليلة الماضية الحديث عن تجاذبات بين أطراف الحكومة حول عدة قضايا، ولكن أكثرها سخونة كان في ما يتعلق بعلاقة الدين والدولة، وقوانين لها علاقة قوية بالشريعة اليهودية، إلى جانب خلافات محدودة حول العملية التفاوضية وآفاق الحل. وكان هذا قد بدأ مع بدء الدورة البرلمانية الشتوية الحالية، في منتصف تشرين الأول الماضي، ولكنه زاد حدة في الأيام الأخيرة، ورغم ذلك فإنه حتى الآن لا تلوح في الأفق المنظور بوادر أزمة قد تؤدي إلى حل الحكومة، أو خروج طرف مركزي منها لاستبداله بكتلة برلمانية أخرى.

 

 

وكانت الدورة الشتوية قد بدأت بخلافات بين حزبي "يوجد مستقبل" برئاسة وزير المالية يائير لبيد، و"البيت اليهودي" برئاسة وزير الاقتصاد نفتالي بينيت، بالأساس حول التعامل مع القانون الذي يفرض التجنيد العسكري الالزامي على شبان المتدينين المتزمتين "الحريديم"، إذ أبدى "البيت اليهودي" تراجعا ما لصالح الحريديم، وأراد القانون أكثر ليونة، كما يريده وزير الدفاع موشيه يعلون، ما يعني في نهاية المطاف إفراغه من مضمونه الأول.

 

كذلك ظهرت خلافات حول مشروع قانون لأحد نواب المعارضة من كتلة "يهدوت هتوراة" للحريديم الأشكناز، الذي يدعو إلى منع التفاوض حول القدس، إلا بموافقة عددية من 80 نائبا، ومشروع قانون آخر يمنع اطلاق سراح أسرى فلسطينيين، إلا في اطار الحل الدائم، وبشكل متفق عليه، ولكن كل هذه القوانين دخلت إلى وضعية التجميد بإيعاز غير معلن من رئيس الحكومة نتنياهو.

 

وفي الأسابيع الثلاثة الأخيرة ظهرت مشاريع القوانين الأكثر حساسية من حيث الشارع الإسرائيلي وتركيبة الائتلاف الحاكم، وهي قوانين ذات علاقة بالشريعة اليهودية، وعلاقة الدين بالدولة، مثل منح حقوق لأزواج مثليي الجنس، كحقوق قروض الإسكان، والتعامل مع هذه العائلة كوحدة واحدة لاحتساب ضريبة الدخل، إضافة إلى إعادة طرح قضية قانون الزواج المدني وغيرها من المبادرات المشابهة.

 

وهذه قوانين تُبرز أوجه الخلاف في تركيبة الائتلاف الحاكم، فحزب "يوجد مستقبل" الذي له 19 نائبا، هو بالأساس حزب جديد محسوب على الجمهور العلماني، رغم أنه يضم نائبين أو ثلاثة من المتدينين، أحدهم حاخام، كذلك الأمر بالنسبة لحزب "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني، الذي له 6 مقاعد، وأحدهم نائب متدين، وآخر من المحافظين.

 

وينضم إلى هذين الحزبين من حيث الجمهور العلماني، حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، الذي له 11 مقعدا، بينهم نائبان متدينان، ولكن الجمهور العلماني لهذا الحزب هو بالأساس جمهور المهاجرين الجدد وخاصة من دول الاتحاد السوفياتي السابق، الذي واجه مع بدء وصول دفعاته عوائق كبيرة في التعامل مع القوانين ذات العلاقة بالدين، وبشكل خاص مسألة الزواج المدني، كون أعداد كبيرة منه لا تعترف المؤسسة الدينية بيهوديته، وأيضا قوانين السبت والحلال، وكل الأحزاب التي ظهرت في العقدين الأخيرين سعت إلى تعديل هذه القوانين من أجل تسهيل الحياة على المهاجرين الجديد.

 

ويشار هنا إلى أن "إسرائيل بيتنا" وزعيمه ليبرمان ليسا معنيين بمسار صدام مع جمهور المتدينين من التيار "الديني الصهيوني"، باستثناء مسألة الزواج المدني، التي يحاول في كل دورة برلمانية طرحها على جدول الأعمال البرلماني، ولكنه يحدد شكل تعامله معها، وفق مكانته وعلاقته بالحكومة القائمة، ما يعني أنه يُغلب المصلحة الحزبية على برنامجه في هذه النقطة بالذات.

وبين هذه الأطراف يقف حزب "الليكود" برئاسة بنيامين نتنياهو في الوسط، ليتخذ مواقف "رمادية"، بهدف الحفاظ على الوضع القائم وثبات الائتلاف، وهذا أصلا موقف كل الأحزاب الكبيرة التي قادت كل الحكومات السابقة، ولكن التغيرات التي شهدها حزب الليكود في العقدين الأخيرين جعلته أقرب إلى التيار الديني من التيار المحافظ، وهذا تحت شعار "عدم ضرب النسيج الاجتماعي".

 

 

تسديد فواتير انتخابية

 

من الواضح أن كل ائتلاف جديد يظهر في حالة تماسك قوية أكثر من أي فترة أخرى في عمر كل حكومة، خاصة إذا كانت مركبات الائتلاف أحزابا جديدة أو أحزابا حصلت على نتائج أكبر مما تتوقع وتسعى إلى الحفاظ عليها، وعدم الاسراع في "وضعها على كف عفريت"، ولكن التجربة علّمت أنه في مرحلة ما سيكون على هذه الأطر كلها "تسديد فواتير انتخابية"، بمعنى طرح بعض مما جاء في برامجها الانتخابية، وهذه الحالة برزت بشكل خاص لدى حزب "يوجد مستقبل" برئاسة لبيد.

 

فهذا الحزب ظهر في الحملة الانتخابية قبل عام كحزب "عصري"، وبالأساس يقدم أجوبة للجمهور العلماني، خلافا لحزب "ميرتس" الذي يظهر في الشارع الإسرائيلي كحزب "متطرف سياسيا" في قضية الصراع من رؤية إسرائيلية داخلية، بينما "يوجد مستقبل" ظهر أكثر كحزب "وسط" إضافة إلى ادعائه بأنه يمثل احتياجات الشرائح الوسطى، ولذا رأيناه يمتص زخم الحراك الشعبي الذي ظهر في حملة الاحتجاجات الشعبية في صيف العام 2011.

 

لكن "يوجد مستقبل" انقلب فور ظهور النتائج على كل ما عرضه خلال الحملة الانتخابية، وبشكل خاص في مسألة تقاربه الكبير مع حزب المستوطنين "البيت اليهودي"، ومن ثم نهج يائير لبيد في وزارة المالية، إذ عرض في غضون شهرين من توليه الحقيبة ميزانية عامة للعامين الحالي والمقبل صقرية وتوجه ضربات كبيرة للشرائح الوسطى والفقيرة.

 

كذلك فإن لبيد أظهر مواقف يمينية تساير المستوطنين في ما يتعلق بقضية الصراع، فهو لم يعترض على سيل المشاريع الاستيطانية الذي لا يتوقف، ولم يقلص أي من ميزانيات الاستيطان والمستوطنين، لا بل زادها في جوانب عدّة.

 

كل هذا النهج قاد إلى حالة من "خيبة الأمل" لدى جمهور مصوتين "يوجد مستقبل"، وفق ما أظهرته ثلاثة استطلاعات، كان آخرها قد ظهر قبل نحو شهر، إذ تبين أن نحو 40% من مصوتي الحزب في الانتخابات البرلمانية التي جرت في مطلع 2013، قالوا إنهم لن يصوتوا للحزب مرّة ثانية فيما لو جرت الانتخابات الآن. كذلك، فإن لبيد لمس الأمر في وسائل الإعلام المركزية وكبرى الصحف الإسرائيلية، التي وجهت له الكثير من الانتقادات في سلسلة من السياسات التي اتبعها.

 

 

وشعر لبيد بحرج أمام الجمهور في نقطتين مركزيتين: أولهما أن التقارير المالية التي ظهرت بعد أسبوعين فقطـ من اقرار الميزانية التقشفية في الصيف الماضي، وحتى الأيام الأخيرة، كانت مناقضة للتقارير السوداوية التي عرضتها وزارته قبيل اقرار الميزانية العامة، ولاحقا تبين أن العجز في الميزانية أقل بنسبة الثلث مما عرضت الحكومة، 3% بدلا من 65ر4%، كما أن سلطة الضرائب لديها فائض ليس قليلا.

 

 

والنقطة الثانية، هو ما ظهر في الشارع والمنظور الإسرائيلي وكأن الولايات المتحدة بدأت تزيد بشكل محدود من حدة خطابها تجاه إسرائيل، في محاولات دفعها للعملية التفاوضية، رغم ما نراه على الأرض، وما زاد الطين بلّة في هذا النقطة هو فوز إسحق هرتسوغ برئاسة حزب "العمل"، الذي تعامل معه الإعلام بود كبير، يضاف إلى هذا أن هرتسوغ تحدث في كل خطاباته منذ انتخابه عن العملية التفاوضية وضرورة حل الصراع، ما زاد من "حرج" لبيد أمام جمهوره.

 

 

أمام أوضاع كهذه، رأينا لبيد يسارع إلى محاولة ارضاء جمهور الشرائح الوسطى، بأن قرر الغاء رفع ضريبة الدخل، الذي كان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في مطلع العام المقبل 2014، وما يؤكد وجهة لبيد أنه لم يلتفت إلى مطالبات باستغلال الفائض الضريبي لإعادة بعض مما تم تقليصه في مخصصات الأولاد، رغم تحذيرات مؤسسة الضمان الاجتماعي وحتى بنك إسرائيل المركزي من أن هذا التقليص الحاد أوقع آلاف العائلات في دائرة الفقر.

 

كذلك، فإن لبيد خرج بتصريح غير مألوف له منذ تشكيل الحكومة، بأن قال في الأسبوع الماضي "إن عدم التقدم بالعملية التفاوضية قد يهدد الائتلاف الحاكم"، وأحدث هذا التصريح ضجة لكن لم تمر سوى ساعات، وفي صباح اليوم التالي سارع حزب "يوجد مستقبل" لإصدار "بيان توضيحي" بأن ما قاله لبيد ليس تهديدا للائتلاف، وأنه ليس معنيا بحل الائتلاف الحكومي القائم.

 

 

مؤشرات مستقبلية

 

حتى الآن لم يمر سوى أقل من عام واحد على هذه الحكومة، ما يعني أنها لا تزال في بداياتها نسبيا، وكل إطار سياسي لم يستنفد بعد مهمة تثبيت نفسه وحضوره القوي في المؤسسة التنفيذية الحاكمة، ويعتقد أن بقاءه في الحكومة رغم ما يظهر من اختلافات سيمكّنه من جني ثمار لمكانته في الخارطة الحزبية، أكثر من خروجه من الحكومة في هذه المرحلة.

 

فحزب "يوجد مستقبل"، برئيسه لبيد، سيسعى في الفترة المقبلة إلى تحسين وضعيته في استطلاعات الرأي، في عدة مسارات اقتصادية بالأساس، لكن أيضا سياسية بشكل محدود. أما حزب المستوطنين "البيت اليهودي"، فالحكومة الحالية هي الأفضل له وأي تهديد لها سيهدد مصالح جمهوره.

 

كذلك فإن حزب "إسرائيل بيتنا" الذي تراجع مرحليا عن التلويح بفك الشراكة البرلمانية مع حزب الليكود ليعود كتلة مستقلة وداخل الائتلاف، يرى زعيمه الأوحد ليبرمان، أنه سيحتاج لفترة من الاستقرار، كي يعزز ثبات حزبه بعد علامات السؤال الذي طرحت حول مستقبله، بسبب محاكمة الفساد التي واجهها على مدار نحو عام وانتهت لصالح ليبرمان.

 

وهذه الحال تسري أيضا على حزب "الحركة" برئاسة تسيبي ليفني، التي تقود الفريق الإسرائيلي المفاوض، فرغم ما نسمعه من تقارير إعلامية وكأن لها وجهة نظر مخالفة عن رئيس حكومتها بشأن دفع العملية التفاوضية، إلا أنها لن تغادر الحكومة طالما استمرت المفاوضات التي حتى ولو توقفت فإن ليفني ستدافع عن بقائها في الحكومة تحت عنوان "محاولة استئناف المفاوضات"، لأن "الحركة" في وضعها الحالي مهدّدة بعدم العودة إلى الكنيست في أي انتخابات مقبلة، إلا إذا بحثت عن تحالف جديد مثل إعادة الوحدة مع حزب "كاديما" أو انضمام كليهما إلى إطار سياسي أوسع قد يظهر لاحقا، كفرضية، ويكون حزب العمل في مركزه.

 

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات