المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 1067

 

البروفسور أورن يفتاحئيل : الحكومة تعاقب بدو النقب فقط على عدم تسجيلهم لأراضيهم

 

 

 

* 5ر4% فقط من مجمل أراضي فلسطين/ أرض إسرائيل

 

كانت مسجلة في الدوائر الرسمية *

 

 

 

 

كتبت هبة زعبي:

 

يواجه المواطنون البدو في النقب في هذه الفترة بإصرار وحزم "مخطط برافر"، وهو مخطط أقرته الحكومة بادعاء أنها تقوم بتنظيم سكن البدو في النقب.

 

ويعارض سكان النقب البدو هذا المخطط لأنه يستهدف تهجيرهم واقتلاعهم من أرضهم، وقد تزامن إقراره قبل عدة أشهر أيضا مع حملة لهدم عدة قرى غير معترف بها في النقب، بما في ذلك هدم قرية العراقيب للمرة الـ 58.

 

ويمنح هذا المخطط الحكومي 40% فقط من مقدمي طلب تسجيل الملكية والذين سجلوا للتسوية حق الدخول في التسوية، وسيعطي حق التسوية فقط للذين استغلوا الأرض منذ العام 1979. وإجمالي التعويض الذي تقدمه الحكومة أقل من 10% من الأرض التي قدمت عليها ادعاءات ملكية مسجلة في التسوية، والمخطط الحكومي لا يتضمن أي اعتراف جديد بأي قرى إضافية وإنما يقوم بتجميع السكان في منطقة معينة.

 

وبموجب المخطط من المتوقع أن يكون هناك تصعيد كبير في عمليات الهدم والترحيل، حيث سيرحل قرابة الـ50 ألف شخص من قراهم.

 

وبينما تشمل لجنة التعويضات الحكومية ممثلا واحدا عن البدو فإن طواقم التخطيط التي أقامتها الحكومة تخلو من أي ممثل لهم.

 

في المقابل قام مجلس القرى غير المعترف بها بالتعاون مع الخبير في شؤون التخطيط والجغرافيا السياسية البروفسور أورن يفتاحئيل وباحثين آخرين بإعداد مخطط بديل لبرافر يقدم حلولا للوضع تتلاءم مع احتياجات السكان من المواطنين البدو ويحافظ على حقوقهم.

 

ولإلقاء الضوء على ذلك قابلنا البروفسور يفتاحئيل ليحدثنا عن هذا المخطط البديل وأهميته.

 

(*) سؤال: كيف بدأتم العمل على المخطط البديل؟

 

يفتاحئيل: بدأنا العمل على المشروع العام 2009 بعد الحصول على ميزانية خاصة من الاتحاد الأوروبي لإعداد مخطط شامل للقرى غير المعترف بها، وأعد المخطط طاقم كبير من المختصين، واستغرق العمل ثلاث سنوات ونصف السنة من العام 2009 حتى العام 2012، ونجحنا في إعداد مخطط شامل ومهني وأساسي، وتستصعب الحكومة التعامل معه، وذلك بعد أن ادعت دائما أن البدو لا يعرفون ما يريدون، لكنهم مع المخطط البديل أثبتوا أنهم يعرفون ما يريدونه. ويوضح المخطط ويبرهن على أنه يمكن الاعتراف بكل القرى غير المعترف بها.

 

(*) سؤال: ما هو موقف الحكومة من مخططكم؟

 

يفتاحئيل: قدم المخطط إلى الوزير (السابق) بيني بيغن خلال لقائه مع الرئيس السابق لمجلس القرى غير المعترف بها إبراهيم الوقيلي، في صيف العام الماضي. وقد أعرب المسؤولون عن تأييدهم للمخطط، وكانت هناك تصريحات لبيغن هنا وهناك في الإعلام عنه، لكن لا يوجد جديد. أبلغونا أكثر من مرة أنهم قرأوه وأنه أعجبهم وأنهم يصححون خطتهم بموجبه. من الصعب تصديق هذا، لكن من المؤكد أنهم قرأوه، ولا يمكن التأكد ومعرفة إن استخدمته الحكومة لتغيير خطتها، فالخطة الحكومية غير واضحة وغير شفافة، ويبقى أن مخططنا هو المخطط البديل الذي يتلاءم مع احتياجات السكان ويحافظ على حقوقهم. لكن بموجب مخطط برافر الأصلي سيقومون بهدم 14 قرية وفعلا بدأوا هذا مع قريتي العراقيب وعتير.

 

(*) سؤال: ما رأيك في "مخطط برافر"؟

 

يفتاحئيل: أولا هو مخطط غير واضح وظالم، فالحكومة تتعامل مع قضايا المواطنين البدو بشكل سري وغير شفاف، وبصورة إشكالية كونها لا توضح ماذا تريد، لكن من التفاصيل والمستندات المتوفرة لدينا يمكننا فهم ماذا يريد المخطط، فهو يستهدف تركيز السكان في مناطق معينة وضيقة، وإفراغ القدر الأقصى من الأراضي واستخدامها لأغراض عسكرية وحكومية أو لأغراض استيطانية. هذا الوضع إشكالي وسيء جدا، ففي العام 2013 لا يمكن طرد سكان أصليين من موطنهم، وخاصة من أراضيهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم.

 

امتلك البدو في النقب أراضيهم بطريقتين: أولا كانوا يعيشون في نفس المكان الذي تواجدت فيه القبيلة في تلك الفترة، وثانيا قامت الحكومة بنقلهم إلى الأماكن التي يتواجدون فيها حاليا. وهاتان الطريقتان شرعيتان، فهم لم يقوموا باقتحام الأراضي أو سرقتها، والطريقة التي يروجها الإعلام الإسرائيلي عنهم خاطئة وغير صحيحة. ويجب إبقاؤهم في موطنهم وأن تقدم لهم الخدمات هناك. إن "مخطط برافر" سيسرق منهم ثلاثة أرباع الأراضي، وقسم من الأراضي البديلة التي يقترحونها للسكان موجود في أماكن بعيدة عنهم لا يمكنهم السكن فيها. ومخططنا يطالب بالاعتراف بالقرى في الأماكن التي تتواجد فيها، وهو الأمر الأسهل والأكثر عدلا وإنسانية والأصح، وسيوفر الكثير من المال على الحكومة.

 

(*) سؤال: ما هي المبادئ الأساسية التي تعتمدون عليها في مخططكم؟

 

يفتاحئيل: هدفنا هو أن يعيش السكان الأصليون في موطنهم. ونستند في مخططنا على مبدأ الاعتراف بالأرض والمساواة. بعدها تأتي قضية أهمية بناء البلدات وتنظيمها حتى يكون من الممكن تقديم كافة الخدمات لهم، وأهمية المحافظة على الأراضي الزراعية، وإقامة مناطق صناعية بالقرب من القرى حتى نشجع عمل النساء. وراعينا في مخططنا خصوصية البلدة البدوية ومتطلباتها، ونمط وطريقة الحياة التي ينتهجونها والتي تمتلك ميزاتها الخاصة.

 

(*) سؤال: ما هو حجم الأراضي التي سيتلقاها البدو من خلال "مخطط برافر"؟

 

يفتاحئيل: يمتلك السكان البدو الآن 600 ألف دونم، وهذا لا يكفي، ويجب إعطاؤهم أراضي أكثر حتى يصلوا إلى المساواة مع سكان الكيبوتسات. ووفق برافر فإن ثلاثة أرباع الأراضي ستستولي عليها الدولة. المسؤولون يقولون إن النسبة هي 50% لكن هذا الأمر غير صحيح فهناك شروط مختلفة تجعل حصة البدو تصل إلى ربع الأراضي التي يمتلكونها.

 

دعاوى الملكية أداة تتبعها الحكومة لنهب أراضي السكان البدو

 

(*) سؤال: هل ما زالت دعاوى الملكية مرفوعة ضد البدو في المحاكم؟

 

يفتاحئيل: كانت هناك المئات من الدعاوى ووصلت إلى 500 حتى 600 دعوى، وفشل البدو فيها كلها، فالطريقة القضائية المتبعة في إدارتها خاطئة بصورة موجهة ومقصودة، وصيغة القانون القائم (وهو قانون بريطاني من فترة الانتداب) تمنع البدو من إثبات ملكيتهم على الأرض، حيث يلزم إثبات ملكية الأرض لمن سجل ملكيتها العام 1921 أو العام 1958 فقط، وإن لم يسجلها فإن ملكيتها تصبح للدولة. وتستخدم الدولة قانونا بريطانيا قديما حتى تسلب أراضي البدو، والدولة تستمر حاليا في الدعاوى التي قدمتها لكنها توقفت عن تقديم دعاوى جديدة، ومع ذلك فإن مئات الدعاوى ما زالت مرفوعة في المحكمة.

 

لكن من الناحية الفعلية فإن أغلب الناس في كل المناطق لم يسجلوا الأراضي، وقد أعددت بحثا عن الموضوع وتبين لي أنه في العام 1921 في كل أرض إسرائيل/ فلسطين تم تسجيل 5ر4% من الأراضي فقط، أي أن أكثر من 90% من الأرض لم تكن مسجلة لكنهم اليوم يتهمون البدو فقط بعدم تسجيلهم للأرض، ولا يتهمون سكان الشمال والمثلث من العرب واليهود بعدم تسجيلهم للأرض. ومن الممكن أن نأخذ تل أبيب مثلا أيضا فهي لم تسجل العام 1921. إنهم يستضعفون البدو الذين يسكنون في المناطق المهمشة ويستخدمون هذا القانون ضدهم.

 

(*) سؤال: ما هي مساحة الأرض التي سجلتها الدولة على اسمها من خلال هذه الدعاوى؟

 

يفتاحئيل: نجحت الدولة في أن تسجل على اسمها كافة الأراضي التي وصلت دعاويها إلى المحكمة حيث تقدر مساحة هذه الأرض بنحو 300 ألف حتى 400 ألف دونم، وبقي 600 ألف دونم. وقسم كبير من هذه الأراضي صادرته الدولة، وبقي لديهم المساحة التي يسكنون فيها والتي تقدر بـ 350 ألف دونم، وباقي الأراضي التي يطالبون بها ولا يقيمون عليها أو يفلحونها فإنها ضاعت من أيديهم. وحتى يحافظ البدو على أرضهم فقد استمروا بالعيش فيها في ظروف صعبة وقاسية جدا لأنه بمجرد أن يتركوها فإنها ستضيع منهم.

 

(*) سؤال: كيف ترى إلى هذا الوضع؟

 

يفتاحئيل: إسرائيل دولة تدعي أنها ديمقراطية لكنها لا تحترم النظام الإداري الذي سبقها، فقبل العام 1948 احترم البريطانيون ملكية البدو على أراضيهم وحتى أن اليهود أنفسهم اشتروا العديد من الأراضي منهم والتي وصلت مساحتها حتى 100 ألف دونم، فهل اشتروها من لصوص؟ هم اشتروها من أصحاب الأرض وحتى أنهم كتبوا عن هذا، كما أن الإمبراطورية العثمانية نفسها اشترت من قبيلة العزازمة 2000 دونم لإقامة مدينة بئر السبع الحديثة، واشترتها منها لأنها صاحبة الأرض. فقط إسرائيل تلغي كل هذا وتقول للبدو إنه بسبب مشكلة تقنية فإنكم لستم أصحاب هذه الأرض. إن هذا الوضع سيء للجميع وحتى ليهود النقب، فالأفضل بالنسبة لهم أن يكون وضع يعيش فيه الجميع بسلام ومساواة وأن يكون احترام متبادل للحقوق. حاليا إسرائيل تلغي كافة الحقوق وتبقي لهم فقط ربع أراضيهم.

 

(*) سؤال: إن نفذ "مخطط برافر"، كيف تتصور أن يصبح وضع البدو في النقب؟

 

يفتاحئيل: الدولة تريد أن تحشرهم في مكان يشبه مدينة رهط، وفي هذه الحال ستنهار الحضارة البدوية، لن تكون هناك زراعة أو عمل، وسنشهد غيتوات سكانية لمستويات معيشية متدنية، وسنشهد حالات فقر وإجرام. هذا حل غير لائق لهم ولكافة سكان النقب.

 

(*) سؤال: هل تقدمون حلولا لاشكالية ملكية الأرض التي يعاني منها السكان البدو؟

 

يفتاحئيل: نحن نمكّن القرى بأن تتطور، نقوم بتخطيطها وبعدها نبدأ بالمباشرة في إيجاد حلول لمشكلة ملكية الأرض، ونقوم بالتخطيط بموجب الملكية الأصلية لأصحاب الأرض. هذا مخطط تخطيطي. وبشكل شخصي، فأنا أرافق العديد من القضايا المتعلقة بملكية الأراضي والتي يكافح أصحابها للتمسك بملكية الأرض. 5% من أراضي النقب هي بملكية البدو وتسعى الدولة للاستيلاء عليها من أجل تهويد النقب. يعيش في القرى والأحياء غير المعترف بها 100 ألف مواطن، ومخطط برافر يهتم بالأراضي فقط ولا يهتم بتنظيم سكن البدو كما يدعي.

 

(*) سؤال: ما هي الإيجابيات الموجودة في مخططكم؟

 

يفتاحئيل: أولا، إن مخططنا هو لصالح السكان ويوفر أفقا مستقبليا لحياتهم، وقد أعددناه بعد إقامة العديد من ورشات العمل، إحداها مثلا كانت مع نساء بدويات، وحاولنا قدر الإمكان الخروج منهن بتصور لأفضل ما يمكن عمله لأجلهن، وهناك العديد من المواضيع التي اهتممنا بها. وشارك في المخطط باحثون فلسطينيون قدموا مساهمات وتصورات مختلفة. وثانيا، مخططنا يتماشى مع العدل ومصلحة السكان البدو، مقابل أن مخطط برافر مجحف بحقوقهم ويركزهم في منطقة واحدة ولا يقدم لهم أي قدر من المساواة، فضلا عن أنه سيسلب منهم حضارتهم التي يتمسكون بها وملكيتهم لأراضيهم، ويدخلهم في مواجهات بين الأقلية والأكثرية. من جهة أخرى فهو إشكالي أيضا بسبب لغته، وهي لغة محامين قاسية ولا تراعي وضعيتهم وتاريخهم.

 

ومن سينال أراضي بديلة كما يقدمها المخطط، فإنها ستكون في أماكن بعيدة في النقب ولا يهطل فيها مطر، أي أنهم ما زالوا يحاولون تركيزهم في شرقي النقب. إن محاولة نقل مجموعات سكانية من موطنها الأصلي يكون دائما إشكاليا، والبدو بيدهم أراض بمعدل خمس أو سدس ما بيد اليهود.

 

(*) سؤال: هل حملة النضال ضد "مخطط برافر" كافية؟ ما هو اقتراحك لتكون مؤثرة أكثر؟

 

يفتاحئيل: الحملة الإعلامية الخاصة بنا بقيت داخل الغيتو، أي داخل المجمعات، ولم نستطع أن نتواصل بشكل جيد مع جهات يهودية وجهات أخرى. بدأ الآن في الفترة الأخيرة القليل من التضامن العالمي، لكن ينقصنا تحالف إعلامي وسياسي يهودي- عربي، وإلا سيبقى النضال والحقيقة معروفين فقط داخل المجتمع العربي فقط، ولا يعلم عنه أحد وهذا الأمر يمنعنا من التقدم. وصلنا إلى وضع أن أغلب من يكتب في الإعلام الإسرائيلي هو من يسعى لأن يهجر البدو، ونحن نسعى إلى أن تصل الحقيقة والواقع الذي نرغب في عرضهما إلى هذا الإعلام بالشكل الذي نريد. كتبت أكثر من مرة عن الموضوع، لكن التوجه السائد ما زال بأغلبه يتماشى مع الموقف الحكومي.

 

 

 

 

 

المصطلحات المستخدمة:

تهويد

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات