رئيس مشروع الرأي العام والأمن القومي في معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب: موضوع مهاجمة سورية يظل شأنا خاصا بالأميركيين وحدهم
*لا أحد يمكنه أن يتكهن بما ستؤول إليه
الأوضاع في سورية*
كتب بلال ضـاهـر:
عبر مسؤولون إسرائيليون عن مفاجأتهم واستيائهم من قرار الرئيس الأميركي، باراك أوباما، تأجيل توجيه ضربة عسكرية ضد سورية، ووصفه بعضهم بـ "الجبان"، واعتبروا أن سينعكس على التعامل مع البرنامج النووي الإيراني.
ونقلت صحيفة "معاريف"، أول من أمس الأحد، عن مسؤولين سياسيين إسرائيليين قولهم، في أعقاب إعلان أوباما، السبت، عن تأجيل الضربة العسكرية ضد سورية، إن "أوباما جبان، وواضح أنه لا يريد شن هجوم ويبحث عن دعم" من جانب الكونغرس.
وكان أوباما قد أعلن أنه مستعد لإصدار قرار بتوجيه ضربة عسكرية ضد سورية لكنه يريد قبل ذلك الحصول على موافقة الكونغرس، الذي لن يبحث الأمر قبل التاسع من أيلول الحالي. وقالت الصحيفة إن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يؤيد توجيه ضربة عسكرية محدودة ضد سورية معتبرا أن من شأنها أن تعيد الردع الأميركي إلى المنطقة.
ورأى المسؤولون الإسرائيليون أنه "يصعب التصديق بأنه بعد أن يرفض الكونغرس طلبه سيشن أوباما عملية عسكرية كهذه، من دون دعم المنظومة الدولية ومن دون دعم الرأي العام والكونغرس"، وأن توجه أوباما للكونغرس هو محاولة لكسب الوقت من أجل البحث عن حلول دبلوماسية تمنع الهجوم ضد سورية.
وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن أوباما تراجع عن ضرب سورية الآن بعد أن فقد دعم بريطانيا وبعد أن قرأ استطلاعات الرأي التي دلت على أن أغلبية الجمهور الأميركي تعارض مهاجمة سورية. ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي قوله إن أوباما لم يطلب مصادقة الكونغرس عندما قرر تصفية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
وقال مسؤولون إسرائيليون للصحيفة إن "الأميركيين فقدوا الزخم، وأي هجوم لاحق لن يكون فعالا، وفيما (الرئيس السوري بشار) الأسد يجلس ويفرك يديه مستمتعا، فإن الإيرانيين يجلسون ويضحكون في الطريق إلى القنبلة (النووية)، فقد منح الأسد الوقت كي يحصن نفسه، وأوباما خسر عامل المفاجأة منذ وقت طويل". وأضاف المسؤولون الإسرائيليون أن قرار أوباما "يعكس تردده وافتقاره إلى القدرة القيادية".
وكتب رئيس حزب "البيت اليهودي" ووزير الاقتصاد الإسرائيلي، نفتالي بينيت، على صفحته في شبكة "فيسبوك"، في نهاية الأسبوع الماضي، أن "التردد الدولي بشأن سورية يثبت مرة أخرى أنه ليس لدى دولة إسرائيل أي أحد يمكنها الاعتماد عليه إلا نفسها. وفي شمالنا تدور حرب أهلية قاسية للغاية، وإسرائيل لا تريد التدخل فيها، كما أننا لا نتوقع أي مس بإسرائيل حاليا". وربط بينيت بين الأحداث في سورية والمفاوضات مع الفلسطينيين، التي يعارضها، وكتب أن "الأشخاص نفسهم الذين يعظون لنا بتسليم يهودا والسامرة (أي الضفة الغربية) والقدس للفلسطينيين هم الذين قالوا لنا بثقة لماذا علينا أن نسلم الجولان للأسد. وتخيلوا وضعنا اليوم لو أننا وافقنا معهم".
وقال الباحث ورئيس مشروع الرأي العام والأمن القومي في "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الدكتور يهودا بن مئير، لـ "المشهد الإسرائيلي"، حول إعلان أوباما تأجيل قراره بشأن شن هجوم ضد سورية واستشارة الكونغرس، إنه "أعتقد أن من يعرف الواقع الأميركي بإمكانه أن يفهم قراره. وأذكّر هنا أنه عندما قرر الرئيس الأميركي جورج بوش الأب شن عملية ’عاصفة الصحراء’ بعد احتلال الكويت، طلب موافقة الكونغرس، وكانت هناك سجالات عاصفة، علما أنه في مجلس النواب كانت هناك أغلبية أكبر مؤيدة للعملية العسكرية. كذلك عندما شن الرئيس جورج بوش الابن الحرب على العراق، في العام 2003، طلب هو الآخر موافقة الكونغرس. وهكذا فإن طلب موافقة الكونغرس هو أمر موجود في الواقع الأميركي، وذلك على الرغم من أن جميع الرؤساء الأميركيين يدعون أنهم يملكون الصلاحية لشن عمليات عسكرية من دون مصادقة الكونغرس عليها. وأعتقد أن أوباما أراد الحصول على دعم، وإلى جانب ذلك فإنه وفقا لفهمي للواقع الأميركي، فإن هذه خطوة خطيرة جدا بالنسبة له، لأنه لن يحصل على تأييد أغلبية في الكونغرس بسهولة، وذلك بالأساس لأسباب سياسية داخلية في الولايات المتحدة".
(*) "المشهد الإسرائيلي": بدا واضحا أن يوجد استياء في إسرائيل من قرار أوباما، والادعاء هو أن تريث أوباما، أو تردده، في ضرب سورية سينعكس على مواجهة البرنامج النووي الإيراني.
بن مئير: "دعني أقول إنني لا أعرف ما إذا كان هناك استياء في إسرائيل، لأن إسرائيل لم تتخذ أي موقف في هذا السياق. وقد أعلن رئيس الحكومة [بنيامين نتنياهو] مرة تلو الأخرى أن إسرائيل ليست ضالعة في الحرب الأهلية في سورية ولا تريد التدخل فيها. كذلك فإن إسرائيل لم تعبر عن موقف حيال العملية العسكرية الأميركية المحتملة ضد سورية. ولا يمكن أن نقول إننا سمعنا كلمة واحدة حول ذلك من مسؤول إسرائيلي رسمي. لكن صحيح أنه توجد مصلحة لإسرائيل، ولدول الخليج، بأن تكون الولايات المتحدة قوية في الشرق الأوسط وأن تتمتع بمصداقية، لأنها زعيمة العالم الحر. والمثال حول إيران صحيح. فعندما أعلن أوباما عن أن الولايات المتحدة ستمنع إيران من حيازة سلاح نووي، فإن العالم المتنور كله فهم ذلك وفهم المخاطر. والسؤال هو كيف ستفهم إيران أداء أوباما، وفي حال استخفت بالولايات المتحدة وبأوباما فإن الأمور ستكون سيئة بالنسبة لنا جميعا".
(*) لكن على الرغم من ادعاء حكومة إسرائيل بأنها ليست ضالعة في الحرب في سورية، فإنها تدفع الولايات المتحدة والدول الغربية إلى مهاجمة سورية، وقدمت معلومات استخباراتية لهذه الدول وحرضتها على الهجوم.
بن مئير: "أنت تقر حقيقة ليست مقبولة عليّ. صحيح أنه صدرت تقارير تقول إن إسرائيل تدفع باتجاه عملية عسكرية ضد سورية. لكني لم أسمع أي تصريح من مسؤول رسمي في إسرائيل، مثل رئيس الحكومة أو وزير الدفاع، يحرض فيه الولايات المتحدة على شن هجوم. ووفقا لمعرفتي فإنني لا أعتقد أن إسرائيل تدفع بهذا الاتجاه، وموضوع مهاجمة سورية هو موضوع خاص بالأميركيين، ولا أعتقد أن إسرائيل دفعت البريطانيين أو أوباما. وأوباما هو الذي قال إن استخدام السلام الكيميائي في سورية هو خط أحمر، ويتعين عليه أن ينفذ قراره، ولا أعتقد أن إسرائيل تدفع في اتجاه أي شيء".
(*) الجمهور في إسرائيل يتخوف من هجمات سورية ضد إسرائيل كرد فعل على هجوم أميركي محتمل، وذلك على الرغم من رسائل التهدئة الإسرائيلية بأنه لا يتوقع أن تشن سورية هجمات صاروخية. ما رأيك؟
بن مئير: "أعتقد أنه مثلما قدرت الجهات المخولة، مثل رئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، فإن شن هجمات ضد إسرائيل يتعارض مع منطق الأسد ومصالح سورية. إذ أنه وفقا لتقارير نُشرت في الصحافة الأجنبية، فإن إسرائيل نفسها نفذت عمليات مسلحة موضعية ومقلصة في سورية، ولم تكن هناك ردود فعل من جانب الأسد. فهل يريد الأسد الآن إثارة غضب إسرائيل ضده؟ هذا أمر غير منطقي. لكني أوافق على أنه يجب الاستعداد لأي تطور وسيناريو محتمل. وربما يصعب توقع رد فعل الأسد. فقد أعلن أنه لن يستخدم السلاح الكيميائي لكنه عاد واستخدمه، وقتل ألف وخمسمئة شخص".
(*) لماذا لا يتدخل العالم لوقف حمام الدم في العراق، حيث قُتل أكثر من مليون شخص منذ الغزو الأميركي، ورغم استخدام سلاح كيميائي أيضا، بينما هو يريد التدخل في سورية الآن، بعد ادعاءات غير مؤكدة خاصة بشأن الجهة التي استخدمت السلاح الكيميائي، وسقوط نحو 1500 قتيل في سورية؟ وخلال العامين ونصف العام سقط أكثر من 100 ألف قتيل في سورية بنيران النظام والمتمردين.
بن مئير: "في العراق دارت حرب شاركت فيها جهات مختلفة، وهي بالأساس منظمات إرهابية. لكن كل دولة لها قصتها الخاصة بها. ويمكن القول إنه في رواندا جرت عملية إبادة شعب. ولأسفي فإننا نعيش في عالم ليس جيدا، وهناك الكثير من أعمال القتل وهناك حكام مستبدون يعملون بشكل يتعارض مع كافة الشرائع والمبادئ الإنسانية. وبالنسبة لسؤالك فإن عدم وقف سفك الدماء في دولة ما لا يعني عدم محاولة وقف سفك الدماء في دولة أخرى. والسؤال الذي يجب أن يُسأل هو لماذا يتم التدخل بعد استخدام سلاح كيميائي، ولم يتم التدخل بسبب مقتل 100 ألف شخص في سورية؟. وأعتقد أنه توجد إجابة واضحة على ذلك. إن عدم التدخل في سورية هو بسبب الوضع المعقد هناك ووجود جهات عديدة تتصارع. وهذه الجهات لا تتميز بأنها جيدة أو سيئة. ومن الجهة الثانية فإن الكثيرين في العالم يريدون أن نعيش في عالم يوجد فيه حد أدنى من القواعد، وإحدى هذه القواعد التي تم وضعها منذ 100 عام هي عدم استخدام السلاح الكيميائي. وحتى في الحرب العالمية الثانية، لم يتم استخدام السلاح الكيميائي ضد حكم النازيين، وذلك ليس لأن الغرب لم يكن لديه سلاح كيميائي وإنما لأن هذا السلاح كان خارج الحسابات الغربية. وعندما يستخدم حاكم السلاح الكيميائي ضد شعبه فإن هذا يستدعي تدخلا خارجيا، وهذا لا يبرر عدم التدخل في حالات مشابهة أخرى. وأنا أعتقد أن الروس يكذبون عندما يقولون إن الأسد لم يستخدم السلاح الكيميائي. وأعتقد أنه يوجد مبرر لموقف أوباما في هذا السياق".
(*) ماذا سيحدث في سورية، وربما في منطقة الشرق الأوسط، في حال سقوط نظام الأسد في الفترة القريبة؟
بن مئير: "أعتقد أن لا أحد يعرف الإجابة على هذا السؤال. هذا سؤال جيد، وهو أحد الأسباب، من بين أسباب عديدة أخرى، التي تجعل العالم يمتنع عن التدخل في الحرب الأهلية في سورية. هناك جهات كثيرة تتصارع في سورية، بينها الجيش السوري والجيش السوري الحر والإرهابيون من منظمات الجهاد العالمي. وينبغي أن نأمل بالطبع أن يقوم في سورية نظام يمثل الشعب السوري بشكل حقيقي، ولا يمثلها من خلال القيام بمغامرات وممارسة الإرهاب، وأن يكون نظاما ديمقراطيا أو ديمقراطيا بشكل جزئي، لكن لا أحد يعرف ما الذي سيحدث".
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, باراك, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, نفتالي بينيت