كتب بلال ضـاهـر:
أبرمت الحكومة الإسرائيلية، في شهر تشرين الأول الماضي، اتفاقا مع جمعية "إلعاد" الاستيطانية يقضي بمنح هذه الأخيرة صلاحيات واسعة لإدارة البؤرة الاستيطانية "مدينة داوود" في حي سلوان في القدس الشرقية بادعاء أنه موقع اثري.
وتم توقيع الاتفاق بين "سلطة حماية الطبيعة والحدائق الوطنية"، وهي هيئة حكومية، وبين جمعية "إلعاد" الاستيطانية التي تعمل على تهويد القدس الشرقية وخصوصا الأحياء الفلسطينية المحيطة بالبلدة القديمة.
ويمنح الاتفاق جمعية "إلعاد" صلاحية إقامة مركز إرشاد في سلوان وتدريب مرشدين فيه. كما يمنح الجمعية الاستيطانية صلاحية إغلاق أجزاء واسعة مما يسمى "الحديقة الوطنية" في أيام السبت، الأمر الذي احتجت عليه جمعية "عير عاميم" الإسرائيلية المناهضة للاحتلال والاستيطان في القدس الشرقية، كونه إجراء غير متبع في الحدائق الوطنية في إسرائيل. وقدمت "عير عاميم" التماسا ضد جمعية "إلعاد" و"سلطة حماية الطبيعة والحدائق الوطنية"، نظرت فيه المحكمة العليا الإسرائيلية في 26 تشرين الأول الماضي.
وقدمت "عير عاميم" الالتماس في موازاة جهود بذلتها أحزاب يمينية في الكنيست لسن قانون يهدف إلى تجاوز المحكمة العليا وخصخصة الحدائق الوطنية. وتزعم الرواية الإسرائيلية أن حديقة "مدينة داوود" كانت المكان الذي يتجول فيه الملك داوود، المذكور في الكتب المقدسة للديانات السماوية الثلاث، ويعتبر أحد المواقع الذي يجذب زوارا إسرائيليين كثيرين في كل عام، ويصل عددهم إلى 450 ألفا. ومنذ نهاية سنوات التسعين تم تسليم الموقع لجمعية "إلعاد" لإدارته رغم أن هذه جمعية يمينية متطرفة تعمل على شراء بيوت الفلسطينيين وإسكانها بالمستوطنين اليهود.
وشدد المحامي ميخائيل سفاراد، من جمعية "عير عاميم"، في الالتماس، على أن الاتفاق بين "إلعاد" و"سلطة حماية الطبيعة والحدائق الوطنية" ليس قانونيا وأنه عمليا يخصخص "أحد أهم المواقع الأثرية والسياحية الهامة في إسرائيل". من جانبها قالت النيابة العامة الإسرائيلية في ردها على الالتماس بواسطة وزارة حماية البيئة إنه توجد عيوب في الاتفاق، وإنه ستجري تغييرات عليه بحلول نهاية الشهر الحالي، وطالبت النيابة برد الالتماس.
وحذر الالتماس من أن تسليم صلاحيات إدارية في الموقع لجمعية "إلعاد" غير قانوني ومن شأنه أن يؤدي إلى تناقض مصالح خصوصا مع نشاط آخر تمارسه الجمعية ومع أيديولوجيتها السياسية، في إشارة إلى نشاطها الاستيطاني وتهويد البلدة القديمة والأحياء المحيطة بها. ويشار إلى أنه يمثل جمعية "إلعاد" الاستيطانية في هذا الالتماس المحامي البروفسور دافيد ليبائي، وهو وزير عدل سابق وينتمي لحزب العمل الإسرائيلي.
وكرد فعل على الالتماس، وبعد أن أقرت المحكمة العليا أن جمعية "إلعاد" يجب ألا تُمنح صلاحيات إدارية في "مدينة داوود"، وإنما صلاحيات بتشغيل المكان فقط، بادرت أحزاب اليمين إلى طرح مشروع قانون في الكنيست يهدف إلى خصخصة "الحدائق الوطنية"، وبضمنها "مدينة داوود" في سلوان، من أجل الالتفاف على قرار المحكمة. وصادق الكنيست بالقراءة التمهيدية على مشروع القانون في شهر تشرين الثاني الماضي. ويتوقع أن يتم التصويت على مشروع القانون وسنه في الفترة القريبة المقبلة.
وحذر الباحث الإسرائيلي أمنون بورتوغالي، وهو باحث في معهد فان لير في القدس وشارك في كتابة "ورقة موقف" حول خصخصة "الحدائق الوطنية"، من الخصخصة السياسية في "مدينة داوود". وكتب في مقال نشره في موقع "يديعوت أحرونوت" الالكتروني، أمس الأول الأحد، أنه "يحظر على الدولة منح تصريح لإدارة حديقة وطنية بواسطة هيئة خاصة لديها صبغة سياسية وتعمل لصالح جمهور معين... وذلك خلافا لما كُتب في وثيقة الاستقلال بأن ’دولة إسرائيل ستعمل على تطوير البلاد لصالح جميع سكانها’".
ولفت بورتوغالي إلى أن ما يميز "مدينة داوود" هو موقعها في قلب حي فلسطيني، إضافة إلى الحساسية الدينية - السياسية للموقع "الذي لا يمكن مقارنته مع أية حديقة وطنية أخرى في إسرائيل". وحذر من أن "نشاط جمعية إلعاد في مدينة داوود وسلوان وصعود الإخوان المسلمين في مصر ودول عربية أخرى قد يسبب تفجر الوضع في وجهنا في أي وقت".
وفي رد على سؤال لـ "المشهد الإسرائيلي" حول هدف حكومة إسرائيل من وراء خصخصة البؤرة الاستيطانية "مدينة داوود" ومنح صلاحيات إدارتها لجمعية "إلعاد" الاستيطانية، قال الناشط في جمعية "عير عاميم" ومسؤول الإعلام الالكتروني فيها، شاليف بوغسلافسكي: "إنني لست مخولا بالإجابة عن السؤال: لماذا تقوم حكومة إسرائيل بهذه الخصخصة؟ لأن هذا قرار حكومي، لكن بإمكاني أن أتكهن بأسباب إقدام الحكومة على خطوة كهذه. الحكومة تخصخص أمورا كثيرة، وهذا نهج تتبعه الحكومة، ونحن نعرف لماذا تقوم الحكومة بالخصخصة، فعندما تخصخص يصبح بإمكانك أن تهتم بحدوث أمور لا تريدها أن تحدث [كحكومة] ومن دون أن تتحمل مسؤوليتها. وأعتقد أن نهج حكومة إسرائيل بالعمل مع جمعيات مستوطنين هو أمر مشابه لذلك. أي أن دولة إسرائيل لا تريد دائما القيام بأعمال تتحمل مسؤوليتها ولذلك تجد أنه مريح بالنسبة لها أن ينفذ أحد آخر ذلك. وهكذا بإمكان حكومة إسرائيل دفع سياستها من دون أن تضطر إلى الإعلان عنها والتورط مع العالم كله".
(*) "المشهد الإسرائيلي": ما هي الصلاحيات التي حصلت عليها جمعية "إلعاد"؟
بوغسلافسكي: "يوجد لإلعاد مركز إرشاد في مدينة داوود. ويتم اعتبار هذا النشاط على أنه نشاط رسمي. ويحضر لزيارة الموقع تلاميذ من المدارس وجنود، وهؤلاء لا يزورون الموقع من أجل الالتقاء مع نشطاء إلعاد، وإنما يحضرون من أجل الاستماع إلى إرشاد رسمي، رغم أنه برأينا فإن الإرشاد هناك هو سياسي وليس متوازنا".
(*) ماذا يقولون في هذه الجولات الإرشادية؟
بوغسلافسكي: "هم يتحدثون عن المكان وتاريخه وأهميته. وهم يتحدثون عن ذلك من وجهة نظرهم. وبالنسبة لهم فإن جولات الإرشاد، على الأقل كما شاهدتها، تتحدث عن المكان في فترة الملك داوود وملوك منطقة يهودا على اختلافهم، أي حتى القرن الخامس قبل الميلاد. بعد ذلك يتحدثون باختصار حول القرن الأول الميلادي تقريبا. وباقي الفترات التاريخية تختفي في هذه الجولات الإرشادية. أي أنهم أخذوا تاريخ القدس وصنعوا منه أمرا سطحيا للغاية. فالقدس هي مدينة يهودية وبيزنطية ورومانية وإسلامية ومملوكية وبريطانية وأمور كثيرة أخرى. وهم يركزون على أهمية القدس من الناحية اليهودية فقط. وبرأيي أنهم يقومون بذلك بصورة متبجحة للغاية وسطحية جدا".
(*) لا يتحدثون عن الوجود الفلسطيني في المكان؟
بوغسلافسكي: "لا أذكر أنهم تحدثوا في هذه الجولات الإرشادية عن الفلسطينيين. وأعتقد أنه بصورة عامة يتم تجاهل الفلسطينيين في القدس في هذه الإرشادات".
(*) من يمول جمعية "إلعاد"؟
بوغسلافسكي: "أحد تقارير عير عاميم يشير إلى أنه في التقرير المالي للعام 2006 الذي قدمته إلعاد إلى مسجل الجمعيات ورد أن مجمل أملاك هذه الجمعية يزيد عن 159 مليون شيكل، وأن دخلها في العام 2006 بلغ 91 مليون شيكل، وحوالي 84 مليون شيكل من هذا الدخل، أي 92%، كان من التبرعات. ولا تزال هوية المتبرعين الرئيسيين لإلعاد سرية حتى الآن. وفي الماضي كان جزء من تمويل إلعاد يأتي من أرباح كازينو يملكه [رجلا الأعمال الإسرائيليان] نيسان تيكشوري وموشيه بوبليل في اليونان. كذلك فإنه بحسب تقرير عير عاميم فإن [رجلي الأعمال الإسرائيليين] ليف لفاييف ورومان أبراموفيتش حضرا احتفالات أقامتها إلعاد. وقبل مدة تم النشر عن أن يفغيني شفيدلر، وهو الرجل الثاني في إمبراطورية الأعمال التابعة لأبراموفيتش، تبرع بسبعة ملايين دولار لمشروع ’مدينة داوود’".
(*) هل تمول حكومة إسرائيل هذه الجمعية، فميزانية الحراسة، مثلا، تصل إلى 77 مليون شيكل سنويا؟
بوغسلافسكي: "الحراسة نعم، رغم أن هذا التمويل لا يذهب إلى جمعية إلعاد. وفي الواقع فإن الحكومة تمول هذه الجمعية ولو كان ذلك، فقط، من خلال إرسال تلاميذ المدارس. فزيارة مدينة داوود مقرونة بدفع تذكرة دخول. كذلك فإنه تجري حملات جباية تبرعات في خارج البلاد لصالح إلعاد، فهناك جمعيات مسيحية تؤيد الاستيطان والمستوطنين".
(*) نُشر مؤخرا أن السلطات الإسرائيلية أعلنت عن موقع في ضاحيتي العيساوية وأبو طور على أنه "حديقة وطنية". هل هذه طريقة مشابهة للاستيطان مثلما حدث في سلوان؟
بوغسلافسكي: "هذا مشروع ما زال في بدايته. ولعل هذه ليست الطريقة نفسها لكن الخطوة مشابهة، من خلال استخدام ’حديقة وطنية’. فهناك تواصل [استيطاني] يبدأ من وادي جهنم وجبل المشارف ويمر بسلوان. والسلطات تستخدم ’الحدائق الوطنية’ والمناطق الخضراء لتنفيذ هذه السياسة. ولا أعرف إذا كان ما يحدث في العيساوية هو نفس الطريقة التي اتبعت في سلوان لأنه لا توجد في العيساوية آثار مثل مدينة داوود في سلوان".
(*) هل ستتم خصخصة الموقع في العيساوية مثلما فعلوا في سلوان؟
بوغسلافسكي: "لا أعرف ما إذا كانوا سيفعلون ذلك، لأنه في سلوان يوجد موقع أثري والكثير من المعالم التاريخية وقاموا بتطويره لكن في العيساوية لا يوجد شيء كهذا".
(*) هل تقوم حكومة إسرائيل بخصخصة مواقع في البلدية القديمة في القدس مثلما فعلت في سلوان؟
بوغسلافسكي: "يوجد أمر كهذا لكن الوضع هناك يختلف بعض الشيء. والأمر يتعلق بمميزات إلعاد. فهذه الجمعية نجحت في أن تبني لنفسها صورة وكأنها هيئة رسمية. لكن في البلدة القديمة لا يأخذون تلاميذ المدارس والجنود إلى جولات في كل البلدة. فهذه الجولات، مثلا، لا تدخل إلى الحي الإسلامي في البلدة القديمة. ووزارة التربية والتعليم تفضل ألا تدخل جولات التلاميذ إلى البلدة القديمة باستثناء الحي اليهودي. ومن يقود الاستيطان هناك هي منظمة تدعى ’عطيرت كوهانيم’ وهي منظمة معروفة أكثر من إلعاد كمنظمة استيطانية. رغم ذلك فإني أعتقد أن هناك عملا رسميا بالتعاون بين عطيرت كوهانيم والحكومة. لكن هذا التعاون هو بحجم أصغر من التعاون بين الحكومة وإلعاد".
(*) هل ترون في "عير عاميم" أن خطوات كهذه، مثل خصخصة موقع "مدينة داوود"، غايتها تكريس الاحتلال في القدس الشرقية؟
بوفسلافسكي: "أنا أصف هذا الأمر بأنه خطوة من أجل منع التوصل إلى اتفاق على حل دولتين. وواضح أن هذه السياسة وهذه الخطوات تأتي من أجل تعزيز التواجد اليهودي في القدس الشرقية وهدم الوجود الفلسطيني في المدينة. وبالإمكان القول إن هذا مشابه لما يجري في الضفة الغربية. ففي الضفة تقطع إسرائيل أوصالها وتقيم بانتوستانات معزولة عن بعضها، وفي القدس هناك محاولة لتقطيع أوصال الشطر الشرقي فيها وعزل الأحياء الفلسطينية عن بعضها، وإقامة أحياء استيطانية قوية. وعموما فإن ما يحدث في فلسطين/ أرض إسرائيل كلها يحدث في القدس، لكن بشكل مكثف أكثر".
المصطلحات المستخدمة:
معهد فان لير, يديعوت أحرونوت, تهويد, وثيقة الاستقلال, الكنيست