المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 952

كتب بلال ضـاهر:

 

 

وصف رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، والتي تم تنفيذ المرحلة الأولى منها يوم الثلاثاء الماضي، بأنها "أفضل اتفاق يمكن التوصل إليه" في الوقت الحالي، خصوصا في ضوء "العواصف التي تضرب الشرق الأوسط".

 

 

وقال إنه لو لم يتم الاتفاق على تبادل الأسرى الآن، فإنه ربما ما كان بالإمكان التوصل إليه أبدا، مؤكدًا أن "نافذة الفرص كان يمكن أن تُغلق".


ووفقا للتقارير الإسرائيلية فإن التوصل إلى اتفاق حول صفقة التبادل بين إسرائيل وحماس، بوساطة مصر وألمانيا، بات ممكنًا على ضوء انتهاء ولاية اثنين من كبار المسؤولين الأمنيين أحبطا إمكانية التوصل إلى صفقة كهذه في السنوات الماضية، وهما رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) السابق، يوفال ديسكين، ورئيس الموساد السابق، مئير داغان، في حين أن خليفتيهما، رئيس الشاباك يورام كوهين، ورئيس الموساد تامير باردو، يؤيدان الصفقة.

 

وكان واضحا لنتنياهو عندما أقر صفقة التبادل ووقع عليها أنه يحظى بتأييد واسع بين الجمهور الإسرائيلي.

 

فقبل يوم واحد من تنفيذ الصفقة، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" استطلاعا للرأي العام أظهر أن 79% من الإسرائيليين يؤيدون الصفقة. وقال 65% من المستطلعين إنه كان بالإمكان التوصل إلى صفقة تبادل أسرى في الماضي بشروط مشابهة لشروط الصفقة الحالية. ورأى 49% أن نتنياهو استسلم للرأي العام في إسرائيل عندما قرر المصادقة على الصفقة، بينما قال 43% إنه تصرف كزعيم. وقال 53% إن حكومة إسرائيل تنازلت عن مبادئها بموافقتها على الصفقة أكثر مما تنازلت حماس، بينما رأى 20% أن حماس تنازلت أكثر. وعبر 50% عن تخوفهم من الناحية الأمنية في إثر إطلاق الأسرى الفلسطينيين في إطار الصفقة فيما قال 48% إنهم ليسوا متخوفين، وإنهم يعتمدون على أجهزة الأمن الإسرائيلية.

وبعد تنفيذ الصفقة تطرق رئيس الشاباك، يورام كوهين، إلى "التخوفات الأمنية" بعد الصفقة وقال إن "مستوى المخاطرة الذي أخذناه على عاتقنا هو تحد أمني بإمكاننا التعامل معه. ففي غزة يوجد 20 ألف مقاتل من كتائب عز الدين القسام، ومع 200 مخرب آخر لن ينقلب العالم رأسًا على عقب". وأضاف أنه "لا يمكن ضمان ألا تخرج هجمات من جانب الأسرى الذين سيتم إطلاق سراحهم". وعقب نتنياهو شخصيا على ذلك بأن أي أسير محرر سيعود إلى ممارسة نشاط مسلح فإنه سيتعرض للقتل.

من جهة ثانية هاجم رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" ووزير الخارجية، أفيغدور ليبرمان، ونائب رئيس الحكومة ووزير الشؤون الإستراتيجية، موشيه يعلون، بشدة، صفقة تبادل الأسرى.

واعتبر ليبرمان أنه "لا يجوز التحادث مع الإرهاب. ويجب التحادث مع هؤلاء الأشخاص فقط عن طريق فوهة (بندقية) إم- 16 أو (طائرات) إف- 16". وأضاف "لأسفي فإن أغلبية الوزراء أيدت الصفقة لأن هذه هي الطبيعة البشرية وكانت هناك ضغوط إعلامية وشعبية والجميع يريد أن يظهر على أنه جيد وجميل ولطيف". وزعم ليبرمان أن "هذه الصفقة تفكك كل ما بنيناه، وإسرائيل هي التي علمت العالم عدم إجراء مفاوضات مع الإرهاب والآن نحن نتراجع".

من جانبه قال يعلون إن شعوره مشابه لشعوره في أعقاب خطة الانفصال عن قطاع غزة في خريف العام 2005. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن يعلون قوله إن "الجمهور (في إسرائيل) ما زال مخدرا وبخار الأفيون لا يزال في الجو لكن عندما تتبدد النشوة سيفهم الناس حجم الثمن". وأضاف "إننا نفرج عن قتلة كبار وأشخاص تراكمت لديهم خبرات وتجارب في إنتاج الإرهاب وممارسته وأساليب التهريب وتركيب العبوات الناسفة والتمويل وتحويل الأموال، ولا يوجد شك أبدا في أن هؤلاء الأشخاص سيعودون إلى ممارسة الإرهاب". وتابع يعلون أن الأسرى الفلسطينيين الذين تم الإفراج عنهم في صفقة تبادل الأسرى في العام 1985 بين إسرائيل والجبهة الشعبية - القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل "جلبت الانتفاضة الأولى وبدون (هؤلاء الأسرى) لما اندلعت الانتفاضة وهذه حقيقة تاريخية والآن نحن نكرر الخطأ نفسه".

ورغم معارضة ليبرمان ويعلون، إلا أن المحاضر في قسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، البروفسور إيال زيسر، أكد في مقابلة أجراها "المشهد الإسرائيلي" معه: "أعتقد أنه كانت هناك رغبة لدى الجمهور الإسرائيلي في التوصل إلى صفقة تبادل أسرى. وكانت هناك ضغوط على الحكومة الإسرائيلية للتوصل إلى هذه الصفقة. وفي اللحظة التي توصل فيها نتنياهو إلى الاستنتاج بأن الثمن معقول بالنسبة له وأن بإمكانه إقناع الجمهور بدفعه قدمًا، قرر إبرام الصفقة. أي أن دافع التوصل إلى صفقة كان مزيجًا من الضغط الشعبي، ومن توفر ظروف أتاحت أمام نتنياهو إمكان التوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى".

(*) "المشهد الإسرائيلي": بطبيعة الحال هذه أسباب داخلية، هل توجد أسباب خارجية أدت إلى التوصل إلى الصفقة؟

زيسر: "لا أعتقد. ونتنياهو يقول إنه تخوف من سد نافذة فرص، وربما حماس أبدت ليونة في موقفها، وكانت هناك تقديرات في إسرائيل حيال الأوضاع في المنطقة وأنه إذا لم يتم التوصل إلى صفقة الآن فإنه ربما لن يتم التوصل إليها أبدا. ونتنياهو أوضح أن هذه هي الأسباب التي دفعته للتوصل إلى الصفقة".

(*) يوجد نقاش حادّ في إسرائيل بسبب هذه الصفقة، رغم أن الأغلبية تؤيدها، حول ما إذا كانت إسرائيل قد خرجت رابحة أو خاسرة منها. فما هو رأيك؟

زيسر: "أعتقد أن كلا الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، ربحا من الصفقة. والسؤال دائما هو ما هو الأمر المهم بالنسبة لك؟. الإسرائيليون لم يهتموا بحماس وإنما كان مهما بالنسبة لهم عودة الجندي غلعاد شاليت، والفلسطينيون لم يهتموا بإسرائيل وإنما أرادوا إعادة أسرى، وقد حصلوا على ذلك".

(*) هناك دول غربية، وخصوصا الولايات المتحدة، وجهت انتقادات لإسرائيل لأنها وافقت على إجراء مفاوضات، رغم أنها غير مباشرة، مع حماس، لأن إسرائيل تهاجم كل من يتحدث مع حماس. كيف ينظرون في إسرائيل إلى هذه الانتقادات؟

زيسر: "توجد لدى الولايات المتحدة سياسة مختلفة في هذا الشأن عن السياسة الإسرائيلية. فالأميركيون ليسوا مستعدين للتفاوض والمساومة حول رهائن. وبالنسبة لهم لا يهمهم أمر الرهائن. لكن هذه دولة مختلفة وهذا الأمر ملائم لها. أمّا بالنسبة لدولة إسرائيل فإن ما يلائمها هو أمر آخر، وهو التفاوض من أجل تحرير أسرى إسرائيليين. ورغم أن الانتقادات ضد إسرائيل موجودة لدى الغرب، إلا إن إسرائيل هي دولة ذات طبيعة مختلفة عنهم".

(*) هل تعتقد أن نتنياهو سيكون مستعدا بعد تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، للقيام بشيء ما من أجل التوصل إلى تسوية سلمية مع الفلسطينيين، كما يعتقد البعض؟

زيسر: "لست واثقا من ذلك. هناك من يتحدث عن استغلال الصفقة من أجل التقدم نحو تسوية، لكني لست واثقا من أن نتنياهو يفكر في هذا الاتجاه".

(*) نتنياهو يتحدث كثيرا عن الأحداث في العالم العربي وعن أن المنطقة تتغير. وتم الحديث في إسرائيل في أعقاب هجمات إيلات عن أن مصر منعت عملية عسكرية واسعة في قطاع غزة. ألا تؤثر تغيرات كهذه في المنطقة على إسرائيل لتغير وجهتها نحو عملية سلام؟

زيسر: "لا. كل طرف لا يزال يصر على موقفه. ويوجد في إسرائيل من يدعو إلى التقدم نحو تسوية سلمية، وهناك من يرى أنه في هذه الفترة لا ينبغي القيام بأي تحرك سياسي، ومن الأفضل عدم القيام بأي شيء. وأعتقد أن نتنياهو يؤيد عدم القيام بأية خطوات سياسية".

(*) كيف ترى سقوط النظام الليبي ونهاية العقيد معمر القذافي؟

زيسر: "هذا ليس لطيفا، أقصد نهاية القذافي بقتله، وفق الصورة التي شاهدناها، بعد أن قبضوا عليه حيا. لكن هذا ما أرادته المعارضة. وعلينا أن نتذكر أنه من دون [مساعدة] الغرب لما سقط القذافي. من جهة ثانية، ماذا يعني ’الربيع العربي’؟ هذا يعني أن الشعوب تريد تغييرا".

(*) وما هو موقف إسرائيل من هذا الوضع؟

زيسر: "في إسرائيل يحبون الوضع القائم، أي أن ما كان هو ما سيكون. لكني أعتقد أن لا أحد أحب القذافي. ولا أعتقد أنه يوجد لدى إسرائيل موقف خاص من سقوط القذافي أو من الوضع في ليبيا".

(*) باعتبارك متخصصًا في سورية ولبنان، كيف ترى تطور الأحداث في سورية؟

زيسر: "كل يوم يمر ليس جيدا لبشار [الرئيس السوري بشار الأسد]. وكل يوم يمر يقربه من النهاية. لكنه لم يسقط بعد، والوضع في سورية لم يتفكك بعد، وهو ينزف الآن. من الجائز أن تتم الإطاحة به في النهاية، فلا أحد بإمكانه وقف الإرادة بإحداث التغيير".

(*) يوجد ادعاء يصرح به ضباط في شعبة الاستخبارات العسكرية في إسرائيل يقول إن أغلبية السوريين لا تشارك في المظاهرات ضد النظام لأنها تتخوف من أنه لن يكون هناك بديل مستقر لنظام الأسد. ما رأيك في هذا التقويم؟

زيسر: "يوجد أجزاء من الجمهور في سورية تتخذ جانب الحياد. هذا صحيح. لكن التغييرات لا يقوم بها الجميع وإنما هناك، دائما، من يقودها. وإذا سألت من الذي يبادر في سورية؟ فإن المبادرة هي في يد الثوار. وهناك بداية لظاهرة انشقاق ضباط وجنود من الجيش السوري، وينبغي أن ننتظر كي نرى ما إذا كانت هذه الظاهرة ستتسع أم لا".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات