المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • على هامش المشهد
  • 986

هذا ما يقوله المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية وأستاذ العلوم السياسية، البروفسور شلومو أفينيري، في لقاء خاص للمشهد الإسرائيلي * ويضيف: لكن إذا لم تتوفر الإرادة الداخلية وإذا لم تحدث تغييرات داخلية فإن الولايات المتحدة لا تحل الصراعات * من الواضح أن إسرائيل ستتأثر بالأزمة المالية العالمية

 

 

كتب بلال ضاهر:

 

 

خلال الأسابيع القليلة الماضية عصفت الأزمة المالية العالمية بالدول الغربية الغنية، وألقت بظلالها على معظم الدول المرتبطة بالدول الغنية، بما فيها إسرائيل. على الرغم من ذلك أكدت القيادة الاقتصادية في إسرائيل أن تأثرها بالأزمة لن يكون واسعا. وقال محافظ بنك إسرائيل المركزي، ستانلي فيشر، إنه "لن نرى انهيارا لبنوك إسرائيلية"، مثلما حدث في الولايات المتحدة. وتفجرت هذه الأزمة الاقتصادية عشية انتخابات الرئاسة الأميركية. إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق هو ما إذا كانت هوية الرئيس الأميركي القادم، الجمهوري أم الديمقراطي، ستؤثر على تهدئة الأزمة أم ستصعدها؟.

 

حول مدى تأثير الأزمة المالية العالمية على إسرائيل، قال المدير العام الأسبق لوزارة الخارجية الإسرائيلية وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة العبرية في القدس، البروفسور شلومو أفينيري، لـ "المشهد الإسرائيلي"، إن "إسرائيل منكشفة بشكل أقل على الأزمة، مقارنة مع الولايات المتحدة ودول غربية أخرى. والسبب هو أنه توجد رقابة على البنوك في البلاد بصورة ليست منتهجة في الولايات المتحدة. كذلك فإن ازدهار الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات الأخيرة لم يكن مستندا بمعظمه على عوامل مالية وإنما على الصناعات الإلكترونية الرفيعة- هايتك. رغم ذلك، فإنه من الواضح أن إسرائيل ستتأثر بالأزمة، إذ أن الأزمة ستؤدي إلى انخفاض حجم الأموال التي ستصل إلى الدول الاقتصادية الكبرى، وهذا يعني أن الاستثمارات في إسرائيل ستقل، كما أنه سيقل عدد السياح القادمين إلى البلاد. لكن يبدو لي أن إسرائيل لن تواجه أزمة بنيوية في الوقت الذي تواجه فيه الولايات المتحدة والدول الغربية أزمة مالية بنيوية. والسبب هو وجود فارق أساس بين بنية الاقتصاد الإسرائيلي وبنية الاقتصاد الأميركي، ولأن التراث الاشتراكي- الديمقراطي الرسمي في البلاد ينتج أدوات أقوى من ناحية الإشراف على السوق، بما في ذلك السوق المالية".

 

(*) "المشهد الإسرائيلي"- هل تعتقد أن هوية الرئيس الأميركي القادم، المرشح الديمقراطي باراك أوباما أو المرشح الجمهوري جون ماكين، ستؤثر لناحية الإيجاب أو السلب على هذه الأزمة الاقتصادية؟

 

أفينيري: "واضح جدا أن ماكين، كونه جمهوريا ويؤمن باقتصاد السوق الحرة من دون كابح، يعتبر أقرب إلى الأزمة من أوباما. لكن من الواضح أن من سيكون الرئيس القادم، وبالإمكان رؤية ذلك في سلوك الرئيس الحالي جورج بوش، لن يتصرف وفقا لاقتصاد السوق غير المنضبط. وحقيقة هي أن خطابات بوش والخطوات الأخيرة التي تقوم بها الحكومة الفيدرالية، هي خطوات تعيد مكانة الدولة من حيث مراقبة ولجم السوق الحرة، على عكس الأيديولوجية الجمهورية. وإذا فعل بوش هذا فإني أعتقد أن ماكين سيفعل ذلك أيضا في حالة انتخابه. ولهذا فإني لا أعتقد أن الفارق بين ماكين وأوباما سيكون كبيرا جدا".

 

إسرائيل تتوجس من فوز أوباما

 

 

مع اقتراب يوم الحسم في انتخابات الرئاسة الأميركية، بعد أسبوعين تقريبا، يتساءل الإسرائيليون حول هوية المرشح الأفضل بالنسبة لهم- هل هو ماكين أم أوباما؟. ويبدو أن الانطباع لدى كل من يتابع الإعلام الإسرائيلي هو أن إسرائيل تتوجس من أوباما، وتتحسب من السياسة الخارجية التي سينتهجها. وفي هذا السياق، أفادت صحيفة هآرتس، يوم 19/10، أن وزارتي الخارجية والدفاع في إسرائيل تجريان مداولات داخلية استعدادًا لاحتمال فوز أوباما ومواجهة سياسته فيما يتعلق، خصوصا، بالملف النووي الإيراني.

 

وعبرت إسرائيل عن قلقها من أن أوباما، وهو المرشح الأوفر حظا للفوز بالرئاسة الأميركية بحسب استطلاعات الرأي العام، لن يضع شروطا مسبقة للحوار مع إيران. وتتحسب إسرائيل من توجهات أوباما حيال الملف النووي الإيراني وتستند في ذلك إلى قوله خلال المواجهة الأولى مع ماكين، إن "علينا الدخول في مفاوضات صارمة ومباشرة مع إيران، وإن التوجه القائل بأننا لا نتحدث مع أحد ما وأن هذا هو عقاب له، لن ينجح، والجهود لعزلهم تحثهم على تسريع تطوير القدرة النووية عندهم وحسب".

 

وبحثت المداولات، التي تم إجراؤها في الخارجية الإسرائيلية، في احتمال فوز أوباما في انتخابات الرئاسة الأميركية واحتمال أن يقود عملية لفتح حوار مع إيران من أجل الضغط عليها لوقف برنامجها النووي. وتعتزم إسرائيل مطالبة الإيرانيين مع بدء المفاوضات بوقف تخصيب اليورانيوم وليس تجميده مؤقتا فقط. ولفتت هآرتس إلى أن أهمية المداولات نابعة أيضا من أنه يركزها عدد من المستشارين المقربين من وزيرة الخارجية ورئيسة حزب كديما المكلفة بتشكيل حكومة جديدة، تسيبي ليفني. وصاغت وزارة الخارجية الإسرائيلية وثيقة، خلال مداولات عقدت قبل أسبوعين وسبقت الأبحاث حول التقييم السنوي للوضع الدولي، حول موضوع الاستعداد لمفاوضات بين الغرب وإيران. وكانت القناة العاشرة للتلفزيون الإسرائيلي قد أفادت، الأسبوع الماضي، أن هذه الوثيقة لم يتم عرضها بتوسع خشية تسريب فحواها لوسائل الإعلام الأمر الذي قد يمس بمسعى إسرائيل ضد إيران.

 

هذا بالنسبة لإيران، لكن كيف ينظر الإسرائيليون إلى فوز أوباما، وهل يؤيدون ماكين علنا، أم أن تخوف إسرائيل من أوباما هو مجرد انطباع غير صحيح؟.

 

يقول البروفسور شلومو أفينيري بهذا الصدد "أعتقد أن هذا الانطباع موجود. أولا، اليمين في إسرائيل يؤيد الجمهوريين طبعا، خصوصا وأن ماكين يؤيد، من خلال تصريحاته، سياسة إسرائيل وحتى أنه يؤيد خطا صقريا صارما في إسرائيل. قد أكون مخطئا، لكن سيكون هناك اختلاف في اللهجة. فلهجة ماكين مختلفة عن لهجة أوباما، لكن إذا دققت في المواضيع الأساس بالنسبة للعلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة، سترى أنه لا يوجد فارق جوهري جدا بين مواقف (الرئيس الأميركي السابق) بيل كلينتون ومواقف بوش فيما يتعلق بطريقة حل الصراع العربي الإسرائيلي".

 

(*) ربما الفرق هو أن كلينتون بذل جهدا أكبر من بوش من أجل دفع إسرائيل والفلسطينيين إلى التوصل إلى اتفاق.

 

أفينيري: "انتبه إلى أن كلينتون بذل جهدا كبير في الفترة الأخيرة من ولايته. وأعتقد أن هذا نابع من الإدراك أن مفتاح حل الصراع الإسرائيلي العربي أو الإسرائيلي الفلسطيني هو في أيدي الجانبين في مكان الصراع، ورغم أنه ليس الجميع في البلاد وخارجها يشاركونني الرأي لكني أعتقد أنه إدراك صحيح. فالولايات المتحدة لا يمكنها أن تكون المبادرة، ويدل على ذلك أن جميع الاتفاقيات التي تم توقيعها، بما في ذلك اتفاق أوسلو، لم توقع بمبادرة أميركية وإنما بمبادرة طرفي الصراع. ودور الولايات المتحدة مهم جدا في مراحل معينة من المفاوضات ولكن بعد أن يكون الجانبان قد اتفقا على معظم القضايا. مع ذلك هناك قضايا لا يتم التوصل إلى حل بشأنها ويرى طرفا الصراع أنه أسهل عليهما تقديم تنازلات لطرف ثالث. وهذا حدث خلال المفاوضات بين إسرائيل وكل من المصريين والأردنيين وفي أوسلو أيضا. لكن جميع المحاولات الأميركية منذ سنوات السبعين وحتى مبادرة بوش وأنابوليس، جاءت بعد موافقة طرفي الصراع على الاجتماع والتباحث. رغم ذلك فإني أفترض أنه في حالة انتخاب أوباما فإنه سيحاول تسريع العملية السياسية في الشرق الأوسط. وقد يعين أحدا ما، قد يكون كلينتون، ليكون مبعوثا خاصا إلى الشرق الأوسط. وأعتقد أنه سيتضح عاجلا أو آجلا، أنه في حال لم يطرأ تغيير على مواقف الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني فإنه لن يتحرك أي شيء".

 

(*) هل يتوقع أن يمارس أوباما، في حالة انتخابه، ضغوطا على إسرائيل، أكثر من ماكين، فيما يتعلق بقضايا مثل المستوطنات؟

 

أفينيري: "أعتقد أن الضغط لا يفيد. كلينتون حاول الضغط على ياسر عرفات، وهو مقارنة مع إسرائيل أضعف بكثير، لكنه لم ينجح. وعموما هذا الأمر لا يسري علينا هنا في المنطقة فقط. انظر إلى الصراعات في أماكن أخرى من العالم، مثل قبرص وكوسوفو والبوسنة، وستتوصل إلى نتيجة واحدة وهي أنه إذا لم تتوفر الإرادة الداخلية وإذا لم تحدث تغييرات داخلية فإن الولايات المتحدة لا تحل الصراعات، لا في قبرص ولا في كوسوفو ولا في البوسنة ولا في أي مكان في العالم. وخلاصة القول إن الولايات المتحدة ليست قوية للغاية مثلما يعتقد الأعداء والأصدقاء".

 

يصعب مفاوضة العالم العربي بدلا من الفلسطينيين وسورية

 

 

(*) يظهر في الأيام الأخيرة أن إسرائيل بدأت تميل إلى إجراء مفاوضات سلام شاملة مع العالم العربي، بموجب مبادرة السلام العربية، بدلا من مفاوضات منفردة مع الفلسطينيين وسورية. هل بإمكان إسرائيل ترك المفاوضات المنفردة مع السلطة الفلسطينية وسورية والذهاب لمفاوضات مع العالم العربي؟

 

أفينيري: "يوجد هنا فرق بين الرغبة في الشيء وبين القدرة على تحقيق شيء ما. من الناحية المثالية ربما هذا سيكون أفضل. إذا كان بالإمكان التوصل إلى سلام مع العالم العربي مرة واحدة فهذا سيكون أفضل إنجاز. لكن إذا كان من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين ومع سورية فإن التوصل إلى اتفاق مع جميع الدول العربية، وهذا يشمل العراق والسعودية والسودان، هو بمثابة التعبير عن رغبة، وهو أمنية. لكن المشكلة لا تكمن في الرغبة وإنما في القدرة على تحقيق شيء ما".

 

(*) هناك مخاطر في طرح كهذا، فإسرائيل تقول دائما إنه في حالة فشل المفاوضات مع الفلسطينيين فإن ثمة تخوفا من انتفاضة جديدة، وماذا سيحدث في حالة فشل المفاوضات مع العالم العربي؟ قد تندلع حرب جديدة. أليس هذا واردا؟

 

أفينيري: "أنا أقل تشاؤما. إن البدائل ليست بين حرب وسلام وحسب، وإنما هناك أمور وسطى مثل اتفاقيات جزئية واتفاقيات على مراحل. الواقع يكون دائما معقدا أكثر. والإجابة عن السؤال حول ماذا ستكون ردة الفعل على الفشل، مرتبطة بقرار القيادة السياسية. أنا لا أرى أن القيادة السياسية السورية تريد خوض حرب مع إسرائيل، ويبدو لي أن الأمر ذاته يسري على الفلسطينيين. وحتى حماس، وهي منظمة متطرفة جدا، لديها مصلحة في الحفاظ على الهدوء وعلى الوضع القائم الآن".

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, باراك, كديما

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات