صدر مؤخرًا عن مدى الكرمل- المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقية، بحث يحمل عنوان "تعزيز التبعيّة وتضيّيق الحيّز: ميزانيات ومناطق نفوذ سلطات محليّة عربيّة ويهوديّة في إسرائيل" حول أوضاع السلطات المحليّة العربيّة مقارنةً بتلك اليهودية، من إعداد إمطانس شحادة وأريج صبّاغ- خوري.
يأتي هذا البحث للإسهام في وصف وتفسير الوضع الحالي القائم للسلطات المحلـيّة العربيّة في دولة إسرائيل، وذلك من خلال مقارنته بأوضاع السلطات المحلـيّة اليهوديّة. تقوم هذه المقارنة على جوانب أساسيّة عدة لها دلالاتها وإسقاطاتها على مجمل الحياة اليوميّة للسكّان. يتمحور البحث في توزيع الموارد الماليّة (الميزانيّات) ومسطّحات النفوذ واستهلاك المياه، ويوفر من خلال ذلك صورة حال شاملة للوضعيّة الخاصّة والخانقة للسلطات المحلـيّة العربيّة في دولة إسرائيل، وذلك بناءً على معطيات لعينة مقارنة من عام 2001 مؤلفة من 25 سلطة محليّة عربيّة و- 25 سلطة محليّة يهوديّة وهي المعطيات المتوفرة لدى دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية.
يقع البحث في 140 صفحة ويتألف من أربعة فصول.
يتناول الفصل الأوّل- خلفيّة عامّة- السياق التاريخي لإقامة السلطات المحليّة العربيّة ويتطرق إلى التباين في تخصيص الموارد الحكومية لكل من السلطات المحليّة العربيّة واليهوديّة. ويأتي الفصل الثاني لتبيان أوجه الشبه والاختلاف في مبنى وحجم ميزانيات السلطات المحليّة، ويحلّل بإسهاب تركيبة ميزانيات السلطات المحليّة، الاعتياديّة وغير الاعتياديّة، ومشاركة الحكومة وبنود الدخل الذاتي في الميزانيّة. ووفقًا للمعطيات الواردة في البحث، فان هناك فروقًا واضحة في حجم ومبنى الميزانيات بين السلطات المحليّة العربيّة واليهوديّة في شقيّ المدخولات والمصاريف. وتجدر الإشارة، وفقًا لهذه المعطيات، إلى حصول تحسّن متوهَّم في بند مشاركة الحكومة في ميزانيّات السلطات المحليّة العربيّة. بيد أنّ هذا التحوّل جاء متأخّرًا، ولا يعوّض عمّا كان في الماضي. وينعكس هذا التحسّن الطفيف في الجزء العاديّ من الميزانيّة، التي تشمل بنود الميزانيّات التحويليّة للسلطات، وتشمل كذلك البنود المسئولة عن تغطية تكاليف الخدمات الأساسيّة، وجزءًا كبيرًا من المهمّات الحكوميّة التي يجري توفيرها عبر السلطات المحليّة.
في المقابل، لا يظهر هذا التحسّن في ميزانيّات التطوير أو في الأموال الخاصّة والمحدّدة، التي في مقدورها المساهمة في تحسين وضع السلطات المحليّة، وتطوير البنى التحتيّة، وخلق التغيّرات الجذريّة في البلدات المختلفة، وإعادة الإعمار. بكلمات أخرى، فإنّ المساواة المتوهَّمة في الميزانيّات ليست كافية، وثمّة حاجة إلى التفضيل المصحِّح.
يتمحور الفصل الثالث حول مسطحات النفوذ، ويتطرق إلى الخلفية التاريخية لمسألة ترسيم مسطحات نفوذ السلطات المحليّة والخرائط الهيكلية والسياسة الإسرائيلية في تحديد مسطحات نفوذ، ويقارن بين مناطق نفوذ السلطات المحليّة العربيّة واليهوديّة بين الأعوام 1985 و1995- وهي بمثابة آخر المعطيات المنشورة حول هذا الموضوع- وبين استعمالات الأرض المختلفة (المساحة المعدّة للبناء، المساحة المفتوحة والمساحة المعدّة للمناطق الصناعية) ويتوقف عند التغيّرات الحاصلة في هذه الفترة.
يمكن الاستنتاج من المعطيات الواردة في العيّنة، بأنّ دولة إسرائيل ترفض أيّ تغيير في واقع السيطرة على الأرض، رغم التغير الإيجابيّ الطفيف في بعض السلطات المحليّة العربيّة، إذ كان ذلك تغييرًا موضعيًّا يمكن أن يُعزى إلى حلول واتّفاقيّات محليّة، ولا يشير إلى حصول تغيّر جذريّ في سياسات الدولة تجاه المواطنين العرب وتعويضهم عمّا سُلب منهم. ويستنتج البحث، ايضًا، أنّ المقارنة السطحية للمعطيات المتوفرة قد يؤدي إلى إغفال حقائق مهمّة في سياق العلاقة بين الأرض والمسكن، حقائق من شأنها إعطاء منحى آخر للمعطيات الرقميّة على صعيد تفسيرها ووضعها في السياق المناسب. وبغية توضيح هذه النقاط يقترح البحث وجوب التطرق إلى معطيات تتعلّق بالهجرة الداخليّة للسكان العرب واليهود في الدولة؛ وبالتغيير الحاصل على صعيد تخصيص الأراضي واستعمالاتها المختلفة داخل مناطق النفوذ؛ وبسيطرة المجالس الإقليميّة على أغلبية اراضي الدولة.
يتوقف الفصل الرابع عند التباين القائم على صعيد استهلاك المياه بين السلطات المحليّة العربيّة واليهوديّة، ويتطرق إلى كمية استهلاك المياه في السلطات وأهداف استعمالها (مدنية، زراعية، صناعية وأخرى) لما فيها من دلالات حول مستوى المعيشة والرفاه.
يُختتم التقرير بفصل استنتاجات تمّ التوصل إليها من خلال المقارنة المذكورة ومن تحليل وضعية السلطات المحليّة العربيّة مقارنة بتلك اليهوديّة. ويحاول التقرير وضع بعض التوصيات التي تتمحور حول كيفية تحسين وضع السلطات.
يُستخلص من العيّنة العشوائية لهذا البحث التباينُ الواضح في تعامل المؤسّسة الحاكمة مع السلطات المحلـيّة العربيّة مقابل السلطات المحلـيّة اليهوديّة. كما يستخلص التقرير التغيير الحاصل على صعيد تعامل دولة إسرائيل مع السلطات المحلـيّة العربيّة في مجال الميزانيّات (الذي طرأ عليه تحسّن ما- مشروط ومؤقت- في معاملة الدولة للسلطات المحلـيّة العربيّة منذ منتصف التسعينيّات حتى بداية الألفية الثالثة)، وبين موضوع الأراضي ومسطّحات النفوذ الذي لم يطرأ عليه أي تغيير في سياسة الحكومة، رغم أهمّيّته في كل ما يتعلق بتطوّر الحيّز، ومناطق السكن، وتنامي تأثيرها في السنوات الأخيرة على بنود الدخل الذاتيّ في ميزانيّة السلطة المحلـيّة، إذ تكتسب عمليّة توسيع مسطّحات النفوذ بعدًا اقتصاديًّا وتنمويًّا هامًّا، نظرًا لأهمـيّة المردود الماديّ لضرائب المناطق الصناعيّة في بنود الدخل الذاتيّ من ميزانيّات السلطات المحلـيّة بشكل خاصّ، والاقتصاد المحليّ بشكل عامّ.
كذلك يستدلّ من المعطيات وجود تباين وهوّة في تعامل الدولة مع المجموعة العربيّة ذاتها، والمقصود أنّه لدى السلطات الإسرائيليّة عدة معايير للتعامل مع السلطات المحلـيّة العربيّة، وعلى وجه الخصوص في شقّ الميزانيّات، إذ تشير المعطيات إلى أنّ تعامل الدولة مع كل سلطة محليّة عربيّة على حدة يتم وفق معايير مختلفةً (لكن جميعها تتماشى مع السياسات العامة). والطابع الغالب لهذه السياسات، على مدار السنين، هو تفضيل السلطات المحلـيّة اليهوديّة على السلطات المحلـيّة العربيّة في شتى المجالات، كمسطّحات النفوذ، والميزانيّات، والدعم الحكوميّ.