يعجب كل الخبراء والساسة في اسرائيل من حجم التأييد الذي حظي ويحظى به رئيس الحكومة الاسرائيلية، أرييل شارون. ويزداد عجب الجميع عندما يرون ان شارون، الذي يحظى بأكبر دعم يحلم به رئيس حكومة في اسرائيل، هو من الوجهة العملية أكثر رئيس حكومة فاشل في اسرائيل. ففي عهده تبدد حلم السلام وتدهور الأمن وانكمش الاقتصاد وتزايدات الفجوات بين الأغنياء والفقراء. والأهم ان أحدا في اسرائيل لا يظن ان حكمة شارون سوف تنتشلهم من هذا الوضع السيئ.
ولذلك حار الخبراء والمعلقون في تحليل هذه الظاهرة التي أفلحت في إلحاق هزيمة مريرة بالزعيم الليكودي الأكثر شعبية، بنيامين نتنياهو، وتنذر، ربما، بإلحاق هزيمة لا تقل مرارة بزعيم حزب العمل الجديد، عميرام متسناع. ولذلك، حاولت صحيفة "هآرتس" من خلال هذا التحقيق الشامل الوقوف على أسباب هذا الدعم الواسع.
وترى الدكتورة مينا تسيمح، خبيرة الاستطلاعات في معهد "داحف"، ان "حجم الدعم الذي يحظى به شارون مذهل على وجه الخصوص في ضوء حقيقة أن أغلبية الجمهور باتت تتمسك بمواقف معتدلة حاليا. ولذلك، فإن الجمهور يؤمن بأن شارون سيدير بشكل جيد المفاوضات مع العرب. كما ان اليسار على ما يبدو سلم بأن الفائز في الليكود هو من سيرأس الحكومة القادمة، وأن هذا اليسار فضل شارون على بيبي".
واعتبر البروفيسور الاجتماعي إفرايم ياعر أن "شارون هو الشخص المناسب في الوقت المناسب. فمن زاوية اليمين، حيث يوجد آفي إيتام ونتنياهو وليبرمان، فإن الجمهور يعتبره بالغ الاعتدال. ولكن يجب ان نتذكر ان الجمهور بأغلبيته مستعد لاستئناف المفاوضات. وإذا ما فتحت نافذة فرص ولم يستغلها شارون فإن الجمهور سوف يُسقطه".
أما البروفيسور شاؤول كيمحي، وهو عالم نفس سياسي، فيرى انه في "أوضاع صعبة، كما في الحروب، تفضل الناس الزعيم الذي يحظى بصورة عجوز القبيلة؛ الشخص الذي يُستحسن ان تكون تحت تصرفه في الأوضاع الخطرة. وإذا ما ترافق ذلك مع فقدان الأمل لدى الكثيرين، فإن هذا ما أفاد شارون. لقد توصل الناس الى استنتاج أنه لا يتوفر الآن اي حل. وأنه ليس هناك ما نفعله ولا يؤمنون بأن بوسع أحد آخر ان يفعل شيئا افضل. وإذا كانت هذه حرب استنزاف فإن شارون يعرف كيف يخوضها. وهذا، لمزيد الأسف، الانجاز الأكبر للارهاب. فعندما يصل مجتمع في حالة حرب الى هذه الدرجة من الاحساس بالعجز واليأس، فإنه يتيح تحديدا لعدوه ان يختار له قادته. واليوم، فإن عرفات مسؤول اكثر من الآخرين عمن يفوز عندنا".
وتعرض "هآرتس" في موضع آخر لتساؤل عما إذا كان شارون قد غير من طباعه أم أنه يسوّق للجمهور صورة مضللة بإشراف من مستشاريه. ويرى عوزي بنزيمان الذي كتب سيرة حياة شارون في كتاب أسماه "لا يتوقف عند الضوء الأحمر"، انه يشك في تغيير شارون. "فليس بالإمكان تحديد انه تحت شارون المعدَّل لا يزال يختفي شارون الأزعر والكذاب. فهذا الأزعر يخرج بالتأكيد منه هائجا بين حين وآخر".
وأيا يكن الحال، يحاول أمنون برزيلاي وفيرد ليفي عرض تحليل ذكي لأسباب تعلق الاسرائيليين برئيس الحكومة الأسوأ في تاريخهم. وقد تكون هذه المحاولة مجدية في إثارة الاهتمام بجوانب وأساليب ليست شائعة استخدمها شارون لتحقيق ما وصل اليه.