تدل تصريحات القيادة والتحليلات والتقارير الصحفية في إسرائيل على أن الاهتمامات الإسرائيلية فيما يتعلق بالسياسة الخارجية تنحصر في قضية واحدة أساسية هي إيران وكبح تطوير برنامجها النووي وحصولها على أسلحة متطورة. وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت، أمس الاثنين، بأن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، سيزور روسيا الأسبوع المقبل بهدف محاولة إقناع القيادة الروسية بالموافقة على تشديد العقوبات ضد إيران من أجل وقف استمرارها في تطوير برنامجها النووي، الذي تقول إسرائيل إنه برنامج عسكري.
وستستمر زيارة نتنياهو يومين وسيلتقي خلالها مع الرئيس الروسي، ديمتري ميدفيديف، ورئيس الحكومة، فلاديمير بوتين، ووزير الخارجية، سيرغي لافروف. وأضافت الصحيفة أن زيارة نتنياهو تأتي على خلفية الاتصالات الدولية قبيل تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي يقضي بتشديد العقوبات على إيران.
كذلك سيطالب نتنياهو القيادة الروسية بالامتناع عن بيع إيران صواريخ متطورة مضادة للطائرات، من طراز "اس 300"، التي تعتبر إسرائيل أنها ستفقد تفوقها الجوي في المنطقة في حال حصول إيران على هذه الصواريخ. كما سيطالب نتنياهو المسؤولين الروس بالامتناع عن بيع أسلحة متطورة إلى سورية. ويذكر أن نتنياهو زار روسيا سرا، قبل نحو ستة شهور، وأثار ضجة سياسية بعدما نفى مكتبه قيامه بهذه الزيارة.
وفي هذه الأثناء توجه وزير الخارجية الإسرائيلي، افيغدور ليبرمان، إلى أذربيجان، أمس، في زيارة رسمية. وتولي إسرائيل اهتماما لهذه الزيارة لكون أذربيجان "دولة إسلامية معتدلة ومجاورة لإيران". ويصل ليبرمان إلى اذربيجان بعد ثلاثة أيام من زيارة وزير الخارجية الإيراني لهذه الدولة. وقالت يديعوت أحرونوت إن زيارة ليبرمان لأذربيجان تهدف إلى كبح التأثير الإيراني المتزايد في هذه الدولة وتعزيز العلاقات معها.
من جهة ثانية عبّر النائب الأول لرئيس الحكومة الإسرائيلي، سيلفان شالوم، عن أمله بأن "العالم يسير في الاتجاه الصحيح" فيما يتعلق بفرض عقوبات اقتصادية على إيران. واعتبر شالوم في مقابلة أجرتها معه إذاعة الجيش الإسرائيلي، أمس الأول الأحد، "أننا موجودون في ما بعد الدقيقة التسعين وحان الوقت لاتخاذ القرار الصحيح".
وتطرق شالوم إلى إمكانية اعتراض دول مثل روسيا والصين على إقرار العقوبات، وقال إن "الطريقة الأفضل لفرض العقوبات هي من خلال مجلس الأمن الدولي، لكن في حال لم ترغب روسيا وخصوصا الصين بالانضمام (أي تأييد القرار) فسوف نحصل على قرار من جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وستنضم استراليا وكندا واليابان ودول أخرى، من أجل اتخاذ قرار يؤثر على الحكومة في إيران لإهمال برنامجها النووي".
وادعى شالوم أن الدول الغربية تتعامل مع إيران مثلما تتعامل مع "الإرهاب". وقال إنه "على مدار سنوات كان الجميع يعتقد أن إيران هي مشكلة إسرائيل وحدها مثل الإرهاب. وعندما ضربهم الإرهاب بدؤوا بالعمل ضده بحزم، وعندما اكتشفوا أن إيران تطور صواريخ طويلة المدى بدؤوا بالعمل بصورة أكثر حزما. والولايات المتحدة توصلت إلى الاستنتاج بأنه لا يوجد في إيران من يمكن التحدث معه. ويشارك في الاستنتاج دول كثيرة بينها ألمانيا وبريطانيا وايطاليا وفرنسا".
لكن على ما يبدو أن الأمور أكثر تعقيدا من أقوال شالوم. كذلك يبدو أن إيران ما زالت تفاوض الغرب، بما في ذلك الدول العظمى، فيما يتعلق ببرنامجها النووي. وأعلن الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، أمس الأول الأحد، أن إيران ستبدأ عمليات تخصيب اليورانيوم بمستوى أعلى وفي أراضيها. لكن المحلل العسكري في صحيفة هآرتس، عاموس هارئيل، أشار، أمس، إلى أن تصريح نجاد يتناقض مع تصريح آخر أطلقه نجاد، الأسبوع الماضي، وعبر من خلاله عن استعداد إيران للعودة إلى اقتراح التسوية، الذي تم طرحه خلال الحوار مع الغرب، العام الماضي، والقاضي بأن تنقل إيران 75% من الأورانيوم المخصب بمستوى منخفض والموجود بحوزتها إلى خارج البلاد لتخصيبه تحت إشراف دولي. لكن المحلل الإسرائيلي رجح أن يكون تصريح نجاد نابع من محاولة منع اتخاذ قرار في مجلس الأمن الدولي لفرض عقوبات على إيران.
رغم ذلك لفت هارئيل إلى تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيمس جونز، الأسبوع الماضي، وحذر فيه من أن فرض عقوبات مشددة على إيران من شأنه أن يدفع إيران إلى الرد على ضغوط كهذه من خلال هجمات ضد إسرائيل يشنها حزب الله وحماس. وأضاف هارئيل أن الحلقة الأهم التي امتنع جونز عن ذكرها هي سورية واحتمالات ضلوع سورية في حرب كهذه، الأمر الذي سيؤدي على حرب إقليمية. إلى جانب ذلك أعلن الرئيس السوري، بشار الأسد، أمس الأول، أن بلاده ستقف على جانب لبنان في حال شن عدوان إسرائيلي ضده. ورأى هارئيل أن هذا الوضع هو السبب الذي دفع وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، على التحذير من أنه في حال لم يتم الشروع في مفاوضات مع سورية فإن احتمالات الحرب ستتزايد معها.
رغم ذلك فإن الرؤية الإسرائيلية لاحتمال حيازة إيران على سلاح نووي صارمة للغاية. فقد احتل الموضوع الإيراني قسما واسعا من جلسات النقاش التي عقدت في إطار مؤتمر هرتسيليا العاشر، الأسبوع الماضي. وقال الوزير الإسرائيلي دان مريدور، وهو المكلف بالإشراف على أجهزة الاستخبارات، في المؤتمر إن التوازن العالمي سيختل في حال حصول إيران على سلاح نووي. ورأى أنه "وصلنا إلى نقطة والوضع القائم حاليا فيها لا يشكل خيارا وهناك وهم بأنه بإمكان هذا الوضع أن يستمر لكن الأمر ليس على هذا النحو، فما العمل؟ يجب التركيز على محاربة التهديد الإيراني لأنه إذا حصلت إيران على سلاح نووي فإنه ستتغير جميع قواعد اللعبة وسيختل التوازن العالمي، ومثال على ذلك هو أن دولا مثل السعودية ومصر ستسعى إلى حيازة قدرات نووية".
وأضاف أن "الأغلبية في العالم الإسلامي هم أناس يريدون عيش حياة هادئة وهناك أقلية راديكالية تنظر إلى إيران على أنها زعيمة، وإذا حصلت إيران على سلاح نووي و’انتصرت’ في هذا الصراع أمام الولايات المتحدة فإن جميع المنظمات الإرهابية ستنهض وتزداد ثقتهم بالنفس واعتزازهم". وشدد على أن "’الحرب’ الأميركية ضد إيران يجب أن تنتهي في جميع الأحوال بحيث لا تحصل إيران على سلاح نووي. وهذا هو الصراع المركزي والجميع ينظر إلى هذه الحلبة بمن فيهم الدول العربية". وأضاف أن "ثمة خطرا كبيرا ليس بمجرد حيازة إيران على سلاح نووي وإنما في حقيقة أن يحصل ذلك على الرغم من معارضة الولايات المتحدة الأمر الذي سيؤثر سلبا على مكانة الولايات المتحدة في العالم".
ودعا الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيرس، في خطاب أمام مؤتمر هرتسيليا إلى تجنيد العالم كله ضد نجاد. وقال بيرس إن "إيران هي المشكلة الأصعب الماثلة أمامنا، والأمر يتعلق باليورانيوم والنظام القمعي، والشبان لا يريدون نظاما كهذا وعلينا تجنيد العالم كله لمحاربة نجاد وأن يكون هذا صراع ينطوي على مزيج من الأخلاق والعقوبات". ومضى بيرس "من هذا نجاد؟ إنه دكتاتور ويجب إعلاء الصوت الأخلاقي، وإيران هي خطر على العالم. وإيران هي مصدر الشر وليس بالنسبة لأمن إسرائيل فقط وإنما لأمن العرب أيضا". وهاجم بيرس جهات في العالم العربي "التي ما زالت تدعي بأن إسرائيل هي الخطر الأكبر" وأردف أن "الجميع يعرف أن إيران هي الخطر وهي عدوة العالم العربي وإسرائيل".
ووصلت ذروة التصريحات الإسرائيلية ضد إيران عندما دعا وزير الشؤون الإستراتيجية الإسرائيلي، موشيه يعلون، خلال مؤتمر هرتسيليا، إلى ضرورة استعداد إسرائيل لمهاجمة إيران. وقال إن "على دولة إسرائيل التصرف انطلاقا من التوقع أن ’الآخرين ينفذون مهمة الصديقين’، لكن عليها الاستعداد وفقا لنصيحة آبائنا القائلة ’إذا لم أعمل لصالحي فمن سيعمل من أجلي؟’". ووفقا ليعلون فإن "البرنامج (النووي) قد يتوقف بالطبع حتى في حال لم يطرأ تغيرا على النظام الإيراني أو في حال عدم وجود خيار وستكون هناك حاجة لاستخدام القوة من أجل منع إيران من القدرة على صنع سلاح نووي".
وتابع أن "ثمة إمكانية للاستمرار في التوضيح للنظام المتطرف في إيران أن جميع الخيارات ما زالت موضوعة على الطاولة وتجاهله مطالب المنظومة الدولية قد ينتهي بأسوأ حال بالنسبة له". ورأى يعلون أن لإيران تأثير بالغ على دول المنطقة وأنه "ليس مستبعدا أن التغيرات في سياسة تركيا تجاه إيران مرتبطة بالشعور بأن إيران على وشك أن تدخل العتبة النووية، وفي ظروف كهذه سيصبح أصعب الافتراض بأن سورية ستوافق على إهمال علاقاتها مع إيران ودفع عملية سياسية مع إسرائيل" علما أن يعلون صرح بأنه يعارض انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان في جميع الأحوال.
كذلك استغل قادة إسرائيل زيارة رئيس الحكومة الايطالية، سيلفيو برلوسكوني، الأسبوع الماضي، لطرح الموضوع الإيراني. وطالب ليبرمان برلوسكوني باستخدام علاقاته مع روسيا والضغط عليها لكي تشارك في تشديد العقوبات على إيران لوقفها عن تطوير برنامجها النووي. وطلب ليبرمان من برلوسكوني أيضا العمل لدى الروس من أجل إلغاء بيع أسلحة لإيران وذلك على ضوء تخوف إسرائيل من شراء إيران صواريخ "اس300" المضادة للطائرات والأكثر تطورا من نوعها في العالم.
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, هآرتس, باراك, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, موشيه يعلون