قال وزير الدفاع الإسرائيلي، ايهود باراك، إنه وحده الذي يتحمل مسؤولية العمليات التي نفذها الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة ونتائجها المتمثلة بالاتهامات لإسرائيل التي تضمنها تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة حول هذه الحرب، برئاسة القاضي ريتشارد غولدستون، وأكد أن التقرير لن يردعه من شن حرب مقبلة شبيه. وقال باراك في مقابلة أجرتها معه صحيفة يديعوت أحرونوت ونشرتها، اليوم الجمعة – 18.9.2009، "أنا الذي أرسل الجيش الإسرائيلي إلى غزة وأنا أتحمل المسؤولية وليس ضباط الجيش. وقد تحدثت حول ذلك مع رئيس هيئة الأركان العامة (غابي أشكنازي). وهذه المشكلة (أي تقرير غولدستون) لن تختفي لوحدها وإنما علينا العمل من أجل وقف هذا الجرف".
ويذكر أن تقرير غولدستون اتهم إسرائيل بارتكاب جرائم حرب خلال الحرب على غزة، الأمر الذي يثير تخوفات في إسرائيل من ملاحقة قادتها السياسيين والعسكريين وكل من يشارك في إقرار استمرار الحصار على قطاع غزة وتقديم دعاوى ضده إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أو محاكم أخرى في دول أوروبية.
واعتبر باراك أن تقرير غولدستون "هو قمة النفاق وهو يقلب الأمور، إذ أنه يخلط بين الإرهابيين وضحايا الإرهاب، وليس فقط أنه يمنح جائزة للإرهاب وإنما يشجع على الإرهاب في المستقبل، وهو لا يمس بالإسرائيليين فقط وإنما يحاول سحب الأساس لشرعية محاربة الإرهاب في العالم كله".
وفي رده على سؤال حول ما إذا كان تقرير غولدستون سيؤثر على قرارات حكومة إسرائيل تتعلق بشن عمليات عسكرية مشابهة للحرب على غزة، قال باراك "أنا مؤمن وآمل أن الجواب هو لا، إذ لا يمكننا الموافقة على هذا الأمر، ومثلما عملنا ضد الإرهاب في الماضي، هكذا سنفعل في المستقبل، ويحظر على القيادة أن تعمل في هذا الموضوع وفقا لأجواء مؤقتة". وهاجم باراك مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي شكل لجنة غولدستون، واعتبر أنه "لا ينشغل بحقوق الإنسان وإنما بالسياسة، فخلال ثلاث سنوات ونصف السنة على قيامه أجرى تسعة تحقيقات بينها خمسة ضد إسرائيل وأربعة ضد بقية العالم".
واعتبر باراك أنه "لا يمكن حسم الحرب ضد الإرهاب في الغرف المجهزة بأجهزة التبريد، وربما هذا (الكلام) لن يعجب أشخاصا مثل غولدستون، لكننا سنستمر في القتال"، كما برر رفض إسرائيل التعاون مع اللجنة الأممية بأن تفويضها كان التحقيق في "جرائم الحرب التي ارتكبتها إسرائيل، ما يعني أن قرار الحكم اتخذ سلفا".
وتطرق باراك إلى احتمالات استئناف المفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين معتبرا أنه "يوجد الآن فرصة نادرة... ففي أميركا يوجد رئيس جديد (باراك أوباما) سيبقى في ولايته ثلاث سنوات ونصف سنة أخرى وربما أكثر والعرب يعتبرون موقفه متزن، ورغم أن هذا يخلق صعوبة بالنسبة لنا لكني لست واثقا من أن هذا ليس بالأمر الجيد لعملية السلام". من الجهة الأخرى قال باراك إنه "يوجد في إسرائيل اليوم حكومة مستعدة لاتخاذ قرارات وقالت بوضوح إنها تتبنى خطة خارطة الطريق وكافة تعهدات الحكومات السابقة، بأن لا تبني مستوطنات جديدة وأن تخلي بؤرا استيطانية عشوائية وألا تسمح بأعمال بناء أخرى لفترة زمنية متفق عليها".
وتابع أن "القرار هو استكمال بناء 750 شقة (في مستوطنات الضفة الغربية) وهي عبارة عن 80-90 بناية إضافة إلى 450 وحدة سكنية ومباني عامة معدودة، وأعتقد أن هذا قرار معقول وصحيح ويتيح لرئيس الولايات المتحدة تحريك العملية السلمية".
وقال باراك إنه يوافق على تجميد البناء في مستوطنات الضفة لمدة نصف عام لكن ليس في القدس، لأن "القدس ليست مرتبطة بهذه الأمور، فهي عاصمة إسرائيل، وما نقوله هو أن سياستنا في القدس تعتمد على العدالة والمساواة، ويجب السماح للعرب بالبناء (في القدس الشرقية) فكميات التصاريح التي يقدمونها في كل عام تصل إلى 300 – 400 شقة ويجب المصادقة عليها" علما أن التقارير الإسرائيلية تفيد بأن ثمة حاجة لبناء آلاف البيوت للفلسطينيين في القدس الشرقية.
واعتبر أن إسرائيل نفذت خطوات من شأنها دفع عملية السلام مثل إزالة حواجز عسكرية في الضفة وتطوير الاقتصاد في الجانب الفلسطيني "وعلى الرئيس أوباما أن يأخذ (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو جانبا والقول له بهدوء، شكرا بيبي، لكن لأسفي فإن أوباما لم يحقق نجاحا كبيرا في الجانب العربي".
وفيما يتعلق بالسلام بين إسرائيل وسورية قال باراك إن "مجموعة من رؤساء الحكومات، من يتسحاق رابين وشمعون بيرس ونتنياهو وأنا وايهود أولمرت، كانوا مستعدين للتوصل إلى اتفاق مع سورية، والوحيد الذي رفض هو ارييل شارون، والجميع كان يعرف عمّ يجري الحديث" في إشارة إلى انسحاب إسرائيل من هضبة الجولان مقابل اتفاق سلام.
وأضاف باراك "أنا وجهاز الأمن نعتقد اليوم أيضا أن يجب القيام بمحاولة جدية للتوصل إلى اتفاق مع سورية، لكن ليس بكل ثمن، ورغم ذلك فإنه ينبغي الذهاب بعيدا من أجل التوصل لاتفاق، وإخراج سورية من دائرة العداء النشط هو أمر بالغ الأهمية من الناحية الإستراتيجية".
من جهة أخرى رأى باراك "أني لست شريكا في التقدير الأميركي بأن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني هو مصدر كافة المصائب في الشرق الأوسط، ولنفترض أننا سنتوصل إلى اتفاق هل ستتوقف إيران عن سعيها للحصول على سلاح نووي؟".
ويبدو أن باراك تراجع عن أقواله فيما يتعلق بإخلاء بؤر استيطانية وقال إنه "لن يتم إخلاء البؤر الاستيطانية بين ليلة وضحاها، وعندما تحدثت عن (إخلاء) خلال أسابيع أو شهور قصدت الوقت الذي سيستغرقه بعد استئناف عملية السلام... ولا جدوى من إخلاء بؤر استيطانية قبل تحريك عملية السلام... لن يتم إخلاء أي شيء قبل استئناف المفاوضات".
واعتبر باراك أنه يجب الاستمرار في فرض الحصار على قطاع غزة وأن لذلك "علاقة غير مباشرة، وليس علاقة مباشرة، مع المفاوضات حول تحرير (الجندي الإسرائيلي الاسير في القطاع) غلعاد شاليط، وعلينا أن نذكر أنه لا يوجد نقص كبير في السلع في غزة فنحن لا نُجوّع السكان في غزة وهناك مبالغات في هذا الموضوع".
وكرر باراك تصريحات سابقة حول أن "تحرير شاليط لن يكون بكل ثمن" وأن موقفه هذا منسق مع المسؤول عن ملف المفاوضات غير المباشرة مع حماس حول صفقة تبادل الأسرى حجاي هداس. وأضاف "أنني آمل ومقتنع بأنه بالإمكان تحرير شاليط وبالإمكان القيام بذلك من حلال صفقة مع حماس".
وفيما يتعلق بإيران أطلق باراك تصريحا مناقضا للموقف الإسرائيلي وموقفه الشخصي كما عبر عنه في الماضي، بقوله إن إيران لا تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل، كما اعترف بصورة ضمنية بأن إسرائيل تملك سلاحا نوويا. وقال باراك إن "إيران لا تشكل خطرا وجوديا على دولة إسرائيل وأنا لا أنتمي إلى أولئك الذين يعتقدون أن إيران تجلب إسرائيل إلى حالة (تشكل خطرا) وجودي". وأضاف باراك الذي صرح في الماضي بأن البرنامج النووي الذي تطوره غيران تشكل خطرا وجوديا على إسرائيل ولوح مرارا بالخيار العسكري ضدها أن "إسرائيل قوية وأنا لا أرى أحدا بإمكانه أن يضع أمامها تهديدا على وجودها". رغم ذلك رأى وزير الدفاع الإسرائيلي أن "إيران تشكل تحديا لإسرائيل والعالم كله".
وفي رده على سؤال حول هجوم عسكري محتمل ضد إيران قال باراك إن "هذا هو الوقت للدبلوماسية وتشديد العقوبات، والمطلوب تنفيذ كلا الأمرين بصورة متوازية". وقالت يديعوت أحرونوت إن التغيير في موقف باراك ربما يكون نابع من الشعور بأن الإدارة الأميركية لا تعتزم استخدام الخيار العسكري ضد إيران.
يشار إلى أن مسؤولين إيرانيين رفيعي المستوى أعلنوا في عدة مناسبات في الماضي أن إيران تملك الحق بحيازة قدرات نووية لأن إسرائيل تملك سلاحا نوويا، ورد باراك على ذلك بالقول "إننا لم نقل أبدا أن لدينا سلاحا نوويا". واعتبر أنه "لا يوجد أي تشابه بيننا وبين إيران أو اية دولة أخرى في المنطقة، فإسرائيل لم تهدد أبدا وجود أية دولة في المنطقة، بينما أعداء إسرائيل حاولوا القضاء عليها مرة تلو الأخرى منذ قيامها، وإيران تلوح مهددة بالقضاء على إسرائيل اليوم أيضا".
لكن باراك اعترف ضمنيا بأن إسرائيل تملك سلاحا نوويا وقال في رد على سؤال حول ما إذا كان سيوافق على اتفاق لنزع السلاح النووي من جميع دول الشرق الأوسط بمن فيها إسرائيل، إنه "عندما يتصرف المدى الإسلامي من مراكش إلى بنغلادش مثل أوروبا الغربية، عندها سيكون بالإمكان البحث في تفكيك السلاح النووي".
ورأى باراك أن على العالم أن يعالج أولا مسألة وجود سلاح نووي بأيدي كوريا الشمالية وقال إن "كوريا الشمالية تخرق بصورة علنية معاهدة حظر نشر السلاح النووي، وتطور صواريخ قد يصل مداها إلى أوروبا وأميركا وتصدر مركبات لصواريخ إلى دول أخرى". وأضاف أنه "ما دامت كوريا الشمالية تخرج من ذلك بدون عقاب فإن هذا امتحان بالنسبة لدول أخرى وقد قلت لمسؤول رفيع للغاية في الإدارة الأميركية إن الإيرانيين ينظرون إليكم بعين واحدة وإلى كوريا الشمالية بالعين الأخرى وإذا لم تعالجوا أمر كوريا الشمالية فإنه سيتخلصون العبر".