هذا ما أكده محلل الشؤون الإستراتيجية والإستخباراتية في صحيفة هآرتس يوسي ميلمان في مقابلة خاصة للمشهد الإسرائيلي منوهًا أن بإمكان العمل أن يجعل مواقف حكومة نتنياهو أكثر اعتدالا قليلا * وأضاف: لا أتوقع مشاكل كبيرة من جانب ليبرمان وهو سوف يتحول إلى شخص معتدل، لأنه يريد أن يبني نفسه ليكون الزعيم القادم لإسرائيل، أي أن يكون رئيس الحكومة المقبلة
كتب بلال ضـاهر:
برزت خلال الأسبوع الأخير مساعي رئيس حزب الليكود المكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية المقبلة، بنيامين نتنياهو، من أجل ضم حزب العمل، برئاسة وزير الدفاع الحالي ايهود باراك، إلى حكومته. وفي موازاة ذلك برز أيضا سعي باراك إلى انضمام العمل إلى حكومة نتنياهو. وتثير رغبة كلا الرجلين تساؤلات، وخصوصا حول ما إذا كانت هناك دوافع عامة لديهما، بالإضافة إلى المصالح والاعتبارات الشخصية. ويبدو أنه على الرغم من إطلاق نتنياهو وباراك تصريحات ذات مضمون مختلف فيما يتعلق بالناحية السياسية والأمنية إلا أن أفكارهما وتوجهاتهما متقاربة، في واقع الحال.
وفي هذه الأثناء نشرت صحيفة هآرتس، الأسبوع الماضي ومطلع الأسبوع الحالي، سلسلة تقارير كشفت النقاب من مصادر أولية حول ممارسات الجيش الإسرائيلي خلال الحرب على غزة. وكشفت الصحيفة عن اعترافات، أو شهادات، أدلى بها جنود إسرائيليون وصفوا فيها أعمال قتل اقترفها جنود إسرائيليون بحق مدنيين فلسطينيين. كذلك كشفت الصحيفة عن وثيقة تبين إصدار أوامر للجنود الإسرائيليين تقضي بقتل أفراد طواقم طبية وإسعاف أولي لدى محاولتهم إنقاذ جرحى فلسطينيين خلال الحرب.
من جهة أخرى أعلنت حكومة إسرائيل، الأسبوع الماضي، عن فشل المفاوضات بينها وبين حماس بوساطة مصر حول تبادل الأسرى، بعدما رفضت إسرائيل الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين الذين تطالب حماس بهم.
وأجرى "المشهد الإسرائيلي" الحوار التالي حول هذه المواضيع جميعا مع محلل الشؤون الإستراتيجية والإستخباراتية في صحيفة هآرتس، يوسي ميلمان.
(*) "المشهد الإسرائيلي": هل رغبة نتنياهو في ضم حزب العمل إلى حكومته، ورغبة باراك في الانضمام إلى حكومة نتنياهو، نابعة من مصالح واعتبارات شخصية ضيقة فقط؟
ميلمان: "أعتقد أن هناك دوافع أمنية وعسكرية تقف وراء ذلك، إضافة إلى المصالح والاعتبارات الشخصية. فباراك يرغب في البقاء في الحكومة، وعلى ما يبدو أنه لم يعد مقتنعا بأن هناك مستقبلا لحزب العمل، وربما هو يعتقد أنه بواسطة الجلوس في الحكومة سينجح في ترميم وضع حزب العمل، رغم أن وجوده في الحكومة المنصرفة لم يساعده. وبالنسبة لنتنياهو فإن لديه اعتبارات سياسية وشخصية طبعا من وراء ضم العمل إلى حكومته، فهو لا يريد حكومة يمينية ضيقة وهو يشعر أنه يتم جرّه إلى حكومة كهذه. وفيما يتعلق بالاعتبارات الأمنية، فإن نتنياهو يثق بباراك أكثر مما يثق بموشيه يعلون (رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق وعضو الكنيست عن الليكود) أو بشاؤول موفاز (الرجل الثاني في حزب كديما) كوزيري دفاع محتملين. الأمر الثاني هو أن نتنياهو يقدر باراك كثيرا جدا ويريد إلى جانبه شخص بالغ ومسؤول على خلفية التحديات التي يعتقد أنها ستكون ماثلة أمام إسرائيل، بحيث أن التحدي الأكبر في تقديره سيكون التحدي الإيراني. وبالمناسبة أنا لا أرى الأمور على هذا النحو. لكنهم يعتقدون أن العام 2009 أو العام 2010 سيكون عام الحسم دوليا بالأساس، ولكن إسرائيليا أيضا، في كل ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني".
(*) هل سيساهم انضمام العمل إلى حكومة نتنياهو بشيء ما للعملية السياسية مع الفلسطينيين؟
ميلمان: "ربما سيساهم ذلك بصورة هامشية وحسب. بإمكان العمل أن يجعل مواقف حكومة نتنياهو أكثر اعتدالا قليلا، إذ أنه في حال انضمام حزب العمل فإنه لن ينضم حزب الاتحاد الوطني (اليميني المتطرف). وينبغي القول بوضوح إن باراك ليس مؤمنا كبيرا بعملية السلام. وهو لا يؤمن بوجود احتمالات لدفع السلام مع الفلسطينيين لأسباب كثيرة، بينها أن الفلسطينيين منقسمون وأن حماس لا تعتزم أن تصبح أكثر اعتدالا وتوافق على تسويات، وربما أن هناك أسبابا أخرى مثل أن باراك ليس معنيا بالتخلص من الضفة الغربية".
(*) كيف تتوقع أن يكون أداء رئيس حزب "إسرائيل بيتنا"، أفيغدور ليبرمان، في منصب وزير الخارجية في الحكومة المقبلة، فسلوك هذا الرجل بعيد جدا عن السلوك الدبلوماسي، وحتى أنه عدواني؟
ميلمان: "أنا لا أتوقع مشاكل كبيرة من جانب ليبرمان. وهو سوف يتحول إلى شخص معتدل. فهو يريد أن يبني نفسه ليكون الزعيم القادم لإسرائيل، أن يكون رئيس الحكومة المقبلة. ومن أجل بناء شرعية كهذه لنفسه فإنه سيكون مضطرا للتوجه بمواقفه نحو وسط الخارطة السياسية في إسرائيل، لأنه بحاجة إلى شرعية دولية. وحتى أن ليبرمان يدرك أن الصديق الأكبر لإسرائيل ليس روسيا وإنما الولايات المتحدة. وفي جميع الحكومات التي جلس ليبرمان فيها لم يبد مواقف متطرفة. وهو يستخدم خطابا متطرفا بالأساس عندما يكون في المعارضة لكن ليس عندما يتولى منصبا وزاريا".
"حماس أيضًا ترتكب
جرائم حرب ضد إسرائيل"!
(*) فيما يتعلق بشهادات الجنود الإسرائيليين حول ممارساتهم خلال الحرب على غزة، التي تم نشرها في صحيفتك، هآرتس، هل ترى أن هذه الممارسات هي جرائم حرب؟
ميلمان: "لا أعرف. ينبغي إجراء تحقيق من أجل إقرار ما إذا كانت هذه جرائم حرب أم لا. لكن إذا تم إصدار أوامر للجنود بقتل مدنيين، وأنه كان واضحا أن الحديث يدور على مدنيين ونساء وأولاد، فهذا يعني أنه تم ارتكاب جريمة حرب، ومن أجل التيقن من ذلك هناك المدعي العام العسكري الذي ينبغي عليه التحقيق في الشهادات والممارسات. إن المثير للتساؤل هو عدم قول الجنود لشهاداتهم في أطر أخرى، ربما لم تسنح لهم الفرصة للقيام بذلك، وربما لم يتم سؤالهم في أطر عسكرية أخرى. لا اعرف ماذا حدث. لكن كل موضوع جرائم الحرب هو موضوع معقد، وهو موضوع لا يعجبني خصوصا بسبب انعدام التناسب بين إسرائيل كدولة وبين منظمة مثل حماس. فحماس تنفذ جرائم حرب كل يوم بحق دولة إسرائيل. وحماس تطلق وأطلقت صواريخ بصورة متعمدة باتجاه سكان مدنيين في جنوب إسرائيل. هل هناك من يطالب بمحاكمة حماس على ارتكاب جرائم حرب؟ هل طالب أحد بمحاكمة (قياديي حماس) أحمد الجعبري أو محمود الزهار أو إسماعيل هنية أو خالد مشعل بسبب ارتكابهم جرائم حرب؟ وأنا أعتقد أن الأنظمة الديمقراطية تجد نفسها دائما في مواجهة مع جهات تهزأ بالديمقراطية وبعد ذلك تطالب هذه الجهات ذاتها باسم الديمقراطية بمحاكمة الجانب الآخر على ارتكابه جرائم حرب.
"وفي هذا السياق فإني لست مرتاحا من قيادة الجمهور العربي في إسرائيل. إنهم يقفزون دائما للتحدث عن جرائم حرب يرتكبها جنود الجيش الإسرائيلي. جائز أنه تم ارتكاب جرائم حرب، لكني أريد أن أسمع مرة واحدة قيادة الجمهور العربي تقول ذلك عن حماس أيضا. وحتى لو نددوا بإطلاق الصواريخ فإنهم نددوا بالعملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة. لكن الحديث هنا يدور على جرائم حرب وهذا أمر خطير، وهم يدعون لمحاكمة ضباط في الجيش الإسرائيلي. وأعتقد أنه تجري هنا حملة منهجية للغاية للكشف عن أي ضابط يسافر إلى خارج البلاد والتسبب باعتقاله. ومن يقف وراء ذلك؟ وأقصد وراء منظمات حقوق إنسان، تحصل على تمويل عربي وفلسطيني وربما إيراني حتى. وهذا لا يساهم بأن تسود أجواء جيدة وأن يكون هناك تعايش بين إسرائيل والفلسطينيين واليهود والعرب. ورغم أن هذا ليس موضوع الحديث بيننا لكنني أعتقد أن التعايش بين اليهود والعرب أصبح شعارا خاليا من أي مضمون".
(*) لكن هناك منظمات حقوق إنسان إسرائيلية تتهم الجيش الإسرائيلي بارتكاب جرائم حرب.
ميلمان: "هذا حسن ولا توجد لدي مشكلة بأن توجه منظمات حقوق الإنسان تهما كهذه، فهذه مهمتها، لكني أتوقع من القيادة السياسية أن تجري حوارا جديا وحقيقيا. وعندما أسمع أعضاء كنيست عرب يتحدثون عن جرائم حرب ارتكبها الجيش الإسرائيلي فإني لا أثق بأقوالهم لأني أعتقد أنها نابعة من اعتبارات سياسية صرفة لأن أخلاقياتهم مزدوجة وليست أخلاقيات واحدة تجاه الجيش الإسرائيلي ومنظمة مثل حماس، وأنا لا أقارن بين حماس والجيش الإسرائيلي وليس هناك مكان للمقارنة. وخلاصة القول إني أؤيد التحقيق في كل شكوى فيما يتعلق بجرائم حرب".
(*) ما رأيك في قرار حكومة إسرائيل في قضية تبادل الأسرى. هل هو قرار خاطئ أم صائب؟
ميلمان: "أعتقد أنه كان ينبغي إنهاء هذه القضية، حتى لو كلف ذلك أن ندفع الثمن الغالي، لأنه ليس حكيما الآن أن نبدأ بممارسة سياسية معينة بعد فوات الأوان. فأنا أؤيد أن تحدد إسرائيل مبادئ واضحة وصلبة فيما يتعلق بتبادل أسرى. وأعتقد أنه لا ينبغي على إسرائيل إعادة أسرى أحياء مقابل جثث إسرائيليين. فجثة جندي أو مواطن إسرائيلي لا تساوي خمسين عربيا أحياء. رغم ذلك فإني أعتقد أنه كان يجب إنهاء صفقة التبادل الحالية وبعد ذلك وضع مبادئ لاحتمال حدوث حالة مشابهة في المستقبل، مثل جثث مقابل جثث وأحياء مقابل أحياء.
"كذلك فإني أعتقد أنه لم يكن يتوجب على إسرائيل أن تحاكم شخصا مثل مروان البرغوثي ويجب إطلاق سراحه، وهذا ينطبق على أمين عام الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أحمد سعدات. وأنا لست واثقا أنه كان على علم بنية الخلية التي قتلت (وزير السياحة الإسرائيلي المتطرف) رحبعام زئيفي. وأنا أرى اختلافا واضحا تماما بين التعرض لزئيفي وبين محاولات التعرض لمواطنين إسرائيليين. فزئيفي، للأسف، يمكن أن يشكل هدفا معقولا بالنسبة للنضال الفلسطيني، لكني لا أريد أن يتم قتل مواطنين... لو كنت مسؤولا في النضال الفلسطيني ما كنت سأوافق على مهاجمة مدنيين بأي حال. وكنت في هذه الحالة سأتبنى قرار المؤتمر الوطني الأفريقي، الذي كان زعيمه نيلسون مانديلا، بعدم التعرض للمدنيين البيض. ونظام الأبرتهايد في جنوب أفريقيا كان أقسى من نظام الاحتلال الإسرائيلي".
المصطلحات المستخدمة:
هآرتس, باراك, كديما, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو, أفيغدور ليبرمان