المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 683

 

تؤكد معظم التقارير والتحليلات في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الثلاثاء – 30.12.2008، على أن الهجوم المضاد الذي شنته الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، أمس، كان بمثابة ضربة على رأس إسرائيل، لتصحو من نشوة ارتكاب المجازر. ولفتت التقارير الإسرائيلية إلى أن عدد الصواريخ الفلسطينية التي تم إطلاقها أمس كان أكبر من اليومين الأولين للحرب كما أن مداها كان أطول. وأسفرت عن مقتل ثلاثة إسرائيليين (بينهم جندي وعامل عربيان..) وإصابة نحو 20 آخرين. بعد ذلك أخذت تتعالى في إسرائيل أصوات تتراوح دعواتها ما بين وجوب التفكير في مخرج سياسي من الحرب وبين وقفها الآن. وفي غضون ذلك حشد الجيش الإسرائيلي قوات كبيرة، من أسلحة المدرعات والمشاة والهندسة، عند الحدود مع القطاع، وجندت 6700 جندي من قوات الاحتياط. وجميع هؤلاء بانتظار إشارة القيادة الإسرائيلية لبدء اجتياح القطاع.

 

ونشر كبير المعلقين في صحيفة يديعوت أحرونوت، ناحوم برنياع، مقالين، اليوم. ورأى في المقال الأول أنه لا ينبغي أن تتوقف الغارات الإسرائيلية في القطاع. وبرر ذلك بأمرين: الأول، أن الفصائل الفلسطينية بدأت، أمس، بقصف مكثف بصواريخ غراد الطويلة المدى نسبيا. والثاني، أن إسرائيل تمكنت في أعقاب عملية عسكرية سابقة باسم "أمطار الشتاء" أن ترغم حماس على الموافقة على تغيير قواعد اللعبة وتوافق على شبه تهدئة، بينما في العملية العسكرية الحالية، "الرصاص المصبوب"، "فإن دولة إسرائيل رصدت موارد أكبر وتمتص (ضربات) أكثر. (ولذلك) مسموح لها أن تتوقع أكثر"، أي تهدئة كاملة.

وفي المقال الثاني كان برنياع متزن وعقلاني أكثر. وجاء المقال تحت عنوان "أذكروا 2006". وحذّر فيه من أن تاريخ الحروب الإسرائيلية "يعلمنا أن بداية ناجحة لا تضمن بالضرورة نهاية ملائمة. ومثال كلاسيكي، وليس الوحيد في تاريخنا، هو الفجوة بين بدء حرب لبنان الثانية ونهايتها". وأشار إلى أن السياسيين الإسرائيليين يخلطون بين الحرب والسياسة. وأن "العمليات العسكرية كانت دائما جزءا من اللعبة السياسية" وأردف "لكن أنفاس السياسيين هذه المرة ثقيلة جدا". أي أنهم منفلتون. إذ "من شدة الحماس لرؤية الدخان الأسود في غزة، يميلون إلى نسيان غاية العملية العسكرية، وهي إرغام حماس على الموافقة على وقف إطلاق نار بالشروط الإسرائيلية. وهذه الغاية يتفق عليها أولمرت وليفني وباراك. ليس احتلال ولا التسبب بانهيار (حماس)". وخلص إلى أن "العملية يفترض أن تنتهي في اللحظة التي توافق فيها حماس على وقف إطلاق نار. وهذه هي عبرة أيضا يجدر تعلهما من أخطاء 2006: إذ ينبغي إنهاء الحروب في الوقت (المناسب)".

من جانبه، دعا الأديب الإسرائيلي دافيد غروسمان، في مقال نشره في صحيفة هآرتس، الحكومة الإسرائيلية إلى وقف القتال. ورأى أنه "الآن، وبعد الضربة الشديدة التي وجهتها إسرائيل إلى قطاع غزة، حسنا سنفعل إذا توقفنا، ونتوجه إلى قادة حماس ونقول لهم كالتالي:إسرائيل ضبطت نفسها على إطلاق آلاف صواريخ القسام من القطاع، حتى يوم السبت (الماضي). والآن أصبحتم تعرفون مدى شدة رد الفعل. ومن أجل عدم زيادة القتل والدمار، فإننا نعتزم وقف النيران من جانب واحد وبصورة مطلقة لمدة الثماني والأربعين ساعة القادمة. وحتى لو واصلتم إطلاق النار على إسرائيل، فإننا لن نرد باستئناف القتال. بل سنصر أسناننا، مثلما فعلنا طوال الفترة الماضية، ولن ننجر إلى الرد بقوة.

"كذلك فإننا ندعو بهذا دولا ذات مصلحة، مجاورة وبعيدة، للتوسط بيننا وبينكم من أجل إعادة استقرار التهدئة. وإذا توقفت النيران من جانبكم أيضا، فإننا لن نستأنفها. (أما) إذا واصلتم إطلاق النار في الفترة التي نحكم فيها على أنفسنا ضبط نفس، فإننا سنرد على ذلك بانتهاء مهلة الثماني وأربعين ساعة هذه، لكن حتى عندها أيضا سنبقي الباب مفتوحا للمفاوضات حول استئناف التهدئة، وحتى اتفاق شامل وواسع أكثر".

وأضاف غروسمان أنه "هكذا ينبغي أن تكون الخطوة الإسرائيلية الآن. هل هذا ممكن، أم أننا أسرى طقس الحرب المعروف؟". ورأى الكاتب، الذي ثكل نجله في حرب لبنان الثانية، أن "هذه أيضا عبرة يجدر على الحكومة أن تتعلمها من الحرب إياها. وعمليا، ربما هذه العبرة الأهم التي عليها استخلاصها".

وأشار المحلل السياسي في هآرتس، ألوف بن، إلى الصراعات بين القيادة الإسرائيلية حول مواصلة الحرب على غزة أو وقفها. وكتب أن "عملية الرصاص المصبوب دخلت مرحلة إشكالية التي تمر بها جميع الحروب. فالضربة الشديدة الأولى والمفاجئة انتهت، والنجاحات العسكرية أصبحت تثير الإعجاب بقدر اقل، والعدو بدأ ينتعش". ولفت بن إلى أن "إسرائيل كانت تريد مواصلة توجيه الضربات لحماس، لكن الأهداف التي تم إعدادها قبل العملية العسكرية أخذت تنتهي، والحلول السحرية الجوية، التي لا توقع الخسائر (في الجانب الإسرائيلي)، وصلت إلى نهايتها".

ورأى بن أن "هذه هي المرحلة التي تتطلب قرار تتخذه القيادة السياسية، إذا ما كان يتوجب إدخال قوات برية إلى قطاع غزة والبدء في معركة التحام مع حماس أم الاكتفاء بالتهديدات والسعي إلى وقف إطلاق النار، الذي يبقى تحت تأثير قصف الأيام الأولى. والإعلان عن أنه تم تحقيق الأهداف، والتهديد بأنه إذا استمر إطلاق الصواريخ من غزة، فإن الضربة المقبلة ستكون موجعة للغاية".

وأفاد بن بأنه "كان بالإمكان أمس ملاحظة بوادر أولية لخلافات في الرأي في الجانب الإسرائيلي حول مدة العملية وطبيعتها. فقد تحدثوا في جهاز الأمن بحماس عن عملية ستستمر ثلاثة وحتى أربعة أسابيع، وعن استعدادات لعملية برية. فقرار الحكومة الأمنية المصغرة يتيح تصعيدا كهذا وحتى إعادة احتلال القطاع. (لكن) في وزارة الخارجية يقدرون أن 'الساعة الرملية السياسية' ستوقف إسرائيل في وقت مبكر أكثر بكثير وأيدوا إنهاء العملية بسرعة أكبر". كذلك فإن تقديرات القيادة السياسية الإسرائيلية تفيد بان "الأسرة الدولية ستقف جانبا وستكتفي بإصدار بيانات فارغة المضمون، لكنها ستتدخل لوقف المواجهة فقط في حال وقوع خطأ عسكري _ على غرار قرية قانا (في جنوب لبنان) – وتؤدي إلى مقتل عدد كبير من المدنيين في غزة، أو في حال وصول منسوب الضغوط الداخلية على حكومات مصر والأردن إلى مستوى لا يحتمل".

وتطرق بن إلى الجانب السياسي الحزبي في إسرائيل. وتبين أن "الرابح السياسي الواضح من القتال في غزة هو وزير الدفاع، ايهود باراك. وقوته تتزايد في هذه الأثناء على حساب وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني. لكن قياديين في حزب الليكود يقدرون أنه إذا استمر هذه التوجه، فإن (رئيس الليكود) بنيامين نتنياهو سيضطر على وقف إطلاق النار من جانبه مع باراك وسيبدأ بالنظر إليه على أنه يشكل تهديدا".

وفي هذه الأثناء رفض باراك اقتراحا، طرحه وزير الخارجية الفرنسي، برنارد كوشنير، بوقف إطلاق لمدة 48 ساعة. وخلص بن إلى أنه "بالإمكان التقدير أن القيادة المتصارعة التي تقود إسرائيل في الحرب ستواجه صعوبة في الحفاظ على تكتلها كلما استمرت المعارك. وفي نهاية المطاف، مثلما يحدث في جميع الحروب، سيدعي جهاز الأمن أنه تم إيقافه قبل لحظة من تمكنه القضاء على العدو، فيما سيقول الدبلوماسيون أن المعارك استمرت أكثر مما ينبغي حتى فقدت إسرائيل الدهم الدولي".

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات