"المشهد الإسرائيلي" - خاص
يعقد المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينيت) اجتماعا، اليوم الأربعاء – 11.6.2008، للتباحث واتخاذ قرار بشأن قبول المبادرة المصرية للتهدئة ووقف إطلاق النار في قطاع غزة أو رفضها وشن عملية عسكرية ضد القطاع.
وكان "المطبخ السياسي"، المؤلف من رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، ووزير الدفاع، ايهود باراك، ووزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، وبمشاركة رئيس هيئة أركان الجيش، غابي أشكنازي، ورئيس الشاباك، يوفال ديسكين، قد اجتمع أمس، لكن من دون أن ترشح تفاصيل رسمية عن المداولات فيه. رغم ذلك، فقد أشار محللون إسرائيليون، اليوم، إلى مواقف وتحفظات صناع القرار الإسرائيليين.
ويظهر من تصريحات القيادة السياسية الإسرائيلية وتحليلات الصحف أنه ليس مطروحا على طاولة البحث شن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع وإعادة احتلاله وإنما، إما توجيه ضربة عسكرية شديدة ومحدودة أو الموافقة على التهدئة. من جهة أخرى، يعتبر باراك، في تصريحات تنسبها له وسائل الإعلام الإسرائيلية، إنه ينبغي توجيه ضربة عسكرية شديدة ضد القطاع بهدف التوصل إلى تهدئة بتفوق إسرائيلي مع ترميم "قوة الردع" الإسرائيلية. ومن الجهة الأخرى، تتحدث إسرائيل عن احتمال موافقتها على التهدئة، لكن شريطة أن تتولى مصر مسألة محاربة تهريب الأسلحة للقطاع عبر أنفاق تحت محور فيلادلفي.
وفي ما يتعلق بخطة باراك، توجيه ضربة عسكرية شديدة من دون احتلال القطاع، أي من دون تجنيد قوات الاحتياط وحشد قوات نظامية كبيرة وتفادي خسائر بشرية ومادية كبيرة، فإن التحليلات الإسرائيلية أجمعت على أنها "نصيحة سيئة" حسبما أكدت افتتاحية صحيفة هآرتس، اليوم. ولخصت افتتاحية هآرتس الموقف المؤيد لقبول التهدئة كالتالي: "التخوف من وقف إطلاق نار مع حماس مفهوم. ومن الجائز أن لا يحرس المصريون الحدود وحماس تواصل عملية تعاظم قوتها (من خلال تهريب أسلحة). من جهة ثانية يوجد خيار هو أن مصر ستكون مهتمة باستمرار التهدئة لمدى بعيد وستبذل جهدا لضمان تنفيذ الاتفاق مع حماس، لأن مكانتها قيد امتحان. وفي جميع الأحوال، يفضل تجربة التهدئة والحكم على نجاحها بعد فترة، على تجربة الحرب والحكم على نتائجها بعد مئات القتلى. ولا ينبغي على رئيس الحكومة في نهاية ولايته إدخال الدولة في حملة عسكرية أخرى (بعد حرب لبنان الثانية). يحظر رفض وقف إطلاق نار برعاية مصرية".
من جانبها، عبرت المحللة السياسية في صحيفة يديعوت أحرونوت، أريئيلا رينغل- هوفمان، عن تخوف من عدم نجاح "الاختراع الإسرائيلي المتكرر" المتمثل في توجيه ضربة عسكرية شديدة ثم التوجه إلى تهدئة. وكتبت أن المشكلة في أن هذا التوجه موجود لدى الجانبين، إسرائيل وحماس، "فنحن نريد عملية عسكرية أخرى قبل التوصل لاتفاق، تمارس ضغطا ثقيلا على حماس والمنظمات الأخرى الناشطة في غزة. وهم يريدون إطلاق صاروخ غراد أخير فحسب على عسقلان. ونحن نريد أن يفهم الجانب الآخر أن الاتفاق ضروري له مثل الهواء للتنفس. وهم أيضا". وأكدت الكاتبة أن "هذا لم ينجح في الماضي، ولن ينجح هذه المرة أيضا". ولذلك خلصت إلى أنه "ينبغي استبدال اقتراح ضربة أخيرة بأفكار خلاقة، تعيد (الجندي الأسير في القطاع) غلعاد شاليت إلى البيت وتوسع اتفاق التهدئة بحيث تكمن فيه إمكانية حدوث تغيّر درامي في المنطقة".
كذلك دعا عضو الكنيست يوسي بيلين، من حزب ميرتس، صناع القرار الإسرائيليين إلى الموافقة على التهدئة. وفي سياق تعبيره عن تخوف من قيام أولمرت بمغامرة عسكرية في القطاع لإنقاذ كرسيه، كتب بيلين في مقال نشرته هآرتس، اليوم، تصورا لاحتمال كهذا. واعتبر أنه في حالة شن عملية عسكرية واسعة ضد القطاع، فإن رئيس المعارضة ورئيس حزب الليكود، بنيامين نتنياهو، سوف يؤيد حربا كهذه. وستنتظر الحلبة السياسية الانتخابات المبكرة. لكن بيلين نصح بالعدول عن هذا التوجه الذي سيؤدي إلى "سفك دماء زائدة ووقف العملية السياسية" مع السلطة الفلسطينية. وأضاف أنه "ما زال بالإمكان منع وضع تجرّ فيه اعتبارات أنانية بارزة واعتبارات حزبية فظة واعتبارات سياسية أخرى الدولة إلى حرب لا حاجة لها بعد توقف لأقل من عامين. وما زال بالإمكان التوصل لوقف إطلاق نار بدل الحرب وليس بعدها فقط، والتغلب على التفكير البدائي بأنه قبل التوصل لوقف إطلاق نار ينبغي توجيه ضربة عسكرية كبيرة، لترميم 'قدرة الردع'".
وذكرت صحيفة معاريف، اليوم، أنه "على الرغم من الاحتمالات الملموسة للتهدئة، فإن عملية عسكرية محدودة هي أمر وارد بالحسبان قبل أن يدخل وقف إطلاق النار حيّز التنفيذ". لكن معاريف نقلت عن مسؤول أمني قوله إن "موقف رئيس هيئة أركان الجيش ليس واضحا فيما يتعلق بالعملية العسكرية الواسعة في غزة، لأن القيادة السياسية لم توضح له كيف ستنتهي عملية كهذه".
من جهة أخرى، وفي محاولة تبرير موافقتها على التهدئة، تتحدث إسرائيل عن "تحسن ملموس في مواجهة قوات الأمن المصرية لعمليات تهريب الأسلحة من سيناء لقطاع غزة"، حسبما أفادت معاريف. واضافت الصحيفة، نقلا عن تقارير عسكرية – أمنية تم عرضها خلال المداولات الإسرائيلية حول قبول التهدئة أو شن عملية عسكرية، أن "المصريين أعدوا خططا تهدف إلى تقليص تهريب الاسلحة إلى حد كبير. ووفقا لتقارير حديثة قدمتها الجهات الأمنية فإنه فعلا ثمة تحسن كبير في الموضوع. فقبل أسبوعين نجح المصريون فعلا، وعدة مرات، في ضبط شحنات أسلحة غايتها قطاع غزة فيما كانت لا تزال في عمق سيناء وعلى بعد عشرات الكيلومترات من القطاع".
وفي هذا السياق، أفادت هآرتس، اليوم، بأن الولايات المتحدة بدأت مؤخرا في تدريب جنود مصريين، في ولاية تكساس، على ضبط وتدمير أنفاق، بهدف تحسين قدرة الجيش المصري لمواجهة تهريبات الأسلحة من سيناء إلى القطاع.
ويبدو أنه في حال اقتناع صناع القرار في إسرائيل بقدرة مصر على محاربة تهريب الأسلحة للقطاع، وهي المسألة الأهم بالنسبة لإسرائيل، فإنها ستوافق على تهدئة، وإن كانت مؤقتة. إذ أنه بحسب الأجواء السائدة في الحكومة الإسرائيلية، ليست هناك أسباب كافية تدفعها لاتخاذ قرار بشن عملية عسكرية واسعة، وخصوصا أن الخسائر البشرية والمادية لا تبرر، حتى الآن، شن حرب جديدة.
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, هآرتس, باراك, الليكود, الكنيست, رئيس الحكومة, بنيامين نتنياهو