"المشهد الإسرائيلي" - خاص
اعتبرت إسرائيل أن استسلام حكومة لبنان لحزب الله، على أثر الأحداث الأخيرة التي عصفت بلبنان، من شأنه أن يقرّب إيران من حدودها الشمالية. وفيما امتنع قياديون في الحكومة الإسرائيلية عن التعليق على أحداث لبنان، كتب محلل الشؤون العسكرية والأمنية في صحيفة يديعوت أحرونوت، أليكس فيشمان، المقرب من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، اليوم الأحد- 11.5.2008، أن "أحداث نهاية الأسبوع في لبنان هي تذكير مؤلم بأنه بعد سنة ستجلس إيران، بشكل رسمي، عند حدودنا الشمالية. ويتوجب اعتياد ذلك".
ورأى فيشمان أنه "إذا لم تكن هناك مفاجآت، فإنه بعد سنة سيسقط لبنان، من خلال انتخابات نيابية، في أيدي حزب الله وسيتحول إلى مستعمرة إيرانية. ونحن مجرد إحصائية وحسب في هذه القصة". وأوضح فيشمان أن "هذا ليس العام 1982 (الذي غزت فيه إسرائيل لبنان للقضاء على نفوذ منظمة التحرير الفلسطينية)، ولا توجد لدينا أية رغبة أو قدرة على التدخل. كذلك ليس لدينا أي حليف قوي في لبنان، وهكذا فإن لا شيء سيساعدنا".
وأضاف فيشمان أن رئيس الحكومة اللبنانية، فؤاد السنيورة، ورئيس تيار المستقبل والأغلبية في البرلمان، سعد الحريري، "اللذين يترأسان التحالف الذي طرد السوريين من لبنان، يلتقطان الآن أنفاسهما الأخيرة في التاريخ الإقليمي، وهما يعرفان ذلك". وقال فيشمان "إنهما وصلا إلى هذا الوضع لأسباب عدة، بينها السياسة الأميركية المعوجة التي تنتهجها كوندوليزا رايس: من جهة، منعت الإدارة الأميركية السنيورة، طوال أشهر أزمة الرئاسة، من التوصل إلى تسويات كان بإمكانه تحقيقها، مع حزب الله. لكن من الجهة الأخرى، لم توفر (أميركا) الدعم العسكري والسياسي الضروري لمواجهة التحالف الإيراني- السوري. وعندما تصل الأمور لامتحان القوة فإن الأميركيين ليسوا موجودين هناك". ورأى فيشمان أنه "هكذا تماما تصرف الأميركيون أيضا مع الشيعة في العراق بعد حرب الخليج الأولى، فقد دعوهم إلى التمرد ضد صدام (الرئيس العراقي السابق صدام حسين) وبعد ذلك تخلوا عنهم وتركوهم يواجهون مصيرهم وحدهم".
واعتبر فيشمان أن الخطوة "التي بادر إليها الثنائي السنيورة والحريري في أواسط الأسبوع الماضي"، في إشارة إلى اتخاذ القرارين بتفكيك شبكة الاتصالات التي نصبها حزب الله وتنحية مسؤول أمن مطار بيروت الدولي، العميد وفيق شقير، "كانت تحديا لمصالح حزب الله، وكانت غايتها ربما إثارة الولايات المتحدة وفرنسا في الدقيقة التسعين لتحضرا وتقوما بعمل ما. لكن ما حصلا عليه لم يكن أكثر من تعاطف أميركي. وسيرسل الفرنسيون الورود للسنيورة بالطبع بسبب خطابه الشجاع وسيشربون نخب ذكراه".
ورأى فيشمان أن "الخطوة التي نفذها حزب الله ردا على خطوتي السنيورة والحريري كانت موزونة ومدروسة ومخططة. ورغم أن القوة السياسية التي تحركه هي حكومة إيران، لكن الدماغ الذي يقف خلفها يجلس في دمشق، الضالعة في ما يحدث في بيروت حتى العنق".
وأشار فيشمان إلى أن "حزب الله عمل خلال نهاية الأسبوع ضد أهداف سنية بارزة وحرص على عدم جرّ المسيحيين والدروز للمواجهة، لأنه كان من شأن ذلك أن يحول الأحداث إلى بداية حرب أهلية. فقد اختار الحزب ثلاثة أهداف: أوقف الرحلات الجوية في مطار بيروت؛ سيطر على محطة تلفزيون وصحيفة عائلة الحريري (المستقبل) التي حرضت ضده؛ وأقام ما يشبه الحصار على مكاتب الحكومة (السراي)". ورأى فيشمان أنه "بالسيطرة على هذه الأهداف رسم حزب الله للحريري والسنيورة خطوطه الحمر، بمعنى: أنتم لا تعرقلوا تعاظم قوتنا وتزودنا بالسلاح، ولا تضعوا العراقيل لاستمرار حكمنا الذاتي في لبنان. كذلك فإن محاصرة مكاتب الحكومة جاء ليذكر الجميع من هو صاحب البيت هنا. وحزب الله يقول عمليا 'أنتم موجودون على الورق فقط. ليست لديكم قوة ولا جيش. أنتم تعيشون في الوقت الضائع'".
وقال فيشمان إن "حزب الله حقق هدفه في نهاية المطاف. وسيواصل الآن الحوار السياسي الداخلي في لبنان من موقع القوة. واستفاد من ذلك بشكل واضح رئيس هيئة الأركان اللبناني ميشال سليمان، الذي استهزأ بحكومته ولم يصطدم مع حزب الله. وبذلك اقتنى لنفسه على ما يبدو كرسي الرئاسة في لبنان ووسّع المعارضة لمعسكر السنيورة- الحريري الذي أخذ يضعف".
وفيما يتعلق بإسرائيل، كتب فيشمان أنها تراقب الأزمة في لبنان منذ تسعة شهور "وبدون آمال لديها، تشاهد كيف تتلاشى 'الانجازات السياسية' لحرب لبنان الثانية. لإسرائيل توجد اليوم مصالح واضحة: استقرار عند الحدود مع لبنان، وأن لا يتحول لبنان إلى قاعدة إيرانية. وهذه المصالح بالإمكان تحقيقها بطريق سياسية، مثل التحادث مع سورية. إلا أن الأميركيين لا يسمحون لنا بالحديث مع سورية حول لبنان، وعملية محادثات كهذه ستكون طويلة، فيما التطورات السياسية في لبنان قد تحدث بسرعة. ويوجد بالطبع طريق عسكرية، لكن ثمة شك فيما إذا كان أحد ما يريد أن يكسر القاعدة الإيرانية في لبنان بواسطة قوة عسكرية".
وقال فيشمان إن "إسرائيل لن تتأثر من سقوط حكومة السنيورة. فالنفوذ الإيراني سيستمر بوجوده أو بدونه. وحزب الله هو الذي سيقرر متى سيسخن الحدود، ولهذا القرار علاقة مباشرة مع محاولات الإيرانيين الحصول على سلاح نووي. وكلما اقتربت إيران من الحصول على سلاح نووي، يبدأ الوقت بالضغط على إسرائيل، لأن قاعدة إيرانية في لبنان تعني وجود قاعدة لتدمير إسرائيل. وفي وضع كهذا سيكون لبنان رافعة إيرانية للمكافأة والردع ضد إسرائيل. ويجدر أن نتذكر أنه فيما ليس بحوزة إيران بعد سلاح نووي فإن قدرتها مختلفة بصورة جوهرية عن قدرتها عندما تمتلك سلاحا نوويا. ولذلك فإن السؤال ليس ما إذا كان يتوجب معالجة هذه المشكلة وإنما متى".
من جانبهما، اعتبر مراسلا صحيفة هآرتس للشؤون العسكرية، عاموس هرئيل، وللشؤون الفلسطينية، آفي سخاروف، في مقال تحليلي، أن الأحداث اللبنانية الأخيرة هي "حرب أهلية مصغرة" ومساعي التهدئة هي "تهدئة مؤقتة" وأنه ليس من شأن هذه التطورات في الساحة اللبنانية أن تؤثر بصور فورية على وضع إسرائيل الأمني. وكتبا "يبدو أن حزب الله يركز على تحسين مكانته في الحلبة اللبنانية الداخلية ولا يبحث عن مواجهة مع إسرائيل".
رغم ذلك رأى هرئيل وسخاروف أنه "في المدى البعيد قليلا، يتوجب على أحداث بيروت أن تبعد النوم عن عيون القباطنة في القدس لأنها تُعقّد الوضع عند الجبهة الشمالية ومن شأنها أن تقوض أكثر الانجازات القليلة التي تتفاخر بها حكومة (إسرائيل برئاسة ايهود) أولمرت في أعقاب حرب لبنان الثانية، المتمثلة بإبعاد حزب الله عن جنوب لبنان في إطار قرار الأمم المتحدة 1701".
وأشار الكاتبان إلى أنه تم خلال نهاية الأسبوع رفع حالة الاستنفار في صفوف أجهزة مختلفة في الجيش الإسرائيلي، بينها الاستخبارات وقيادة الجبهة الشمالية، "لكن شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية لا تتوقع الآن اشتعالا (للجبهة) أمام حزب الله". ولفتا إلى أن "الأمر الأهم هو ملاحظة الاستخبارات العسكرية فيما يتعلق بحجم الثقة بالنفس لدى المنظمة الشيعية (حزب الله)، التي بدت كمن انتعشت من الضربة التي تلقتها بعد الحرب في صيف العام 2006، وفي الفترة التي اعترف فيها حتى أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، بأن خطف الجنديين (الإسرائيليين) كان خطأ. إذ أصبح واضحا الآن أن حزب الله لا يخشى استخدام السلاح ضد خصومه في لبنان، فيما مصالحه مهمة بالقدر الكافي لتبرير ذلك".
واعتبر هرئيل وسخاروف أنه لا يتوجب أن يكون السنيورة وشركاؤه في معسكر 14 آذار متفاجئين من القدرة العسكرية لحزب الله واستعداده لتوجيه سلاحه ضد خصومه السياسيين، بادعاء أن "حكومات لبنان المتعاقبة امتنعت طوال السنين عن المطالبة بوضوح بنزع سلاح حزب الله، على الرغم من طرح الموضوع على طاولة الحوار الوطني عشية الحرب".
وخلص الكاتبان إلى أن "لإسرائيل حدودا الآن، في الجنوب (مع قطاع غزة) والشمال، مع ذراعين مواليين لإيران. والمواجهة معهما هي ليست مسألة 'إذا' وإنما 'متى'. وحتى الآن حاذر حزب الله من خرق القرار 1701 علنا باستئناف التواجد المسلح لمقاتليه عند الحدود مع إسرائيل. لكن أمام ضعف جيش لبنان وتردد قوات يونيفيل في مواجهة حزب الله في جنوب لبنان، فإن نصر الله قد يبادر لخطوة كهذه في المستقبل. وقد يكون هذا تحديا صعبا لقيادة إسرائيل- القلقة من قضية التحقيق الجديدة ضد أولمرت وتستعد على ما يبدو لانتخابات وتتردد أمام هجمات صواريخ القسام وقذائف الهاون من غزة- ولذلك فإن التطورات اللبنانية جاءت في توقيت غير مريح" بالنسبة لإسرائيل.