"المشهد الإسرائيلي" - خاص
تكثر وسائل الإعلام الإسرائيلية في الفترة الأخيرة من الحديث حول توقعات حيال ما سيحدث بعد التاسع من كانون الثاني المقبل، وهو الموعد الذي ترى حركة حماس أنه اليوم الأخير في ولاية الرئيس الفلسطيني، محمود عباس. وتطرق تقرير نشرته صحيفة هآرتس، اليوم الجمعة – 17.10.2008، لمراسلها العسكري عاموس هارئيل إلى هذه التوقعات، وجاء فيه أن تقديرات أخذت تتبلور في جهاز الأمن ولدى القيادة السياسية في إسرائيل تشير إلى وجود احتمال كبير لتجدد المواجهة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، في شهر كانون الثاني المقبل. وفي سياق تزايد الحديث في إسرائيل حول هذه التوقعات، أشار هارئيل إلى تخوف القيادة الأمنية من اتهامها بأنها تضخم مخاطر عسكرية بهدف منع تقليص ميزانية الأمن.
وذكر هارئيل أن تجارب الماضي تجعل المرء يتشكك في صحة هذه التوقعات. وكتب أن "التوقعات لم تتحقق في معظم الحالات التي استعدت فيها إسرائيل لمواجهة عسكرية معلنة، وفي موعد محدد. (فالرئيس الفلسطيني الراحل) ياسر عرفات لم يعلن عن دولة فلسطينية مستقلة في أيار 1999؛ والانتفاضة الثانية اندلعت فقط بعد عام ونصف؛ كذلك فإن مهاجمة المفاعل النووي (أي منشأة دير الزور) في سورية في أيلول العام 2007 لم تؤدي إلى نشوب حرب في أعقابها – حتى الآن".
من جهة ثانية أفاد هارئيل بأن تقديرات المسؤولين في جهاز الأمن الإسرائيلي حيال تهديدات حماس، والتي بموجبها لن توافق الحركة على استمرار ولاية عباس، هي "تهديدات صادقة". وبحسب هذه التقديرات فإن حماس ستسعى لتقويض حكم السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بوسائل مختلفة. ورأى الكاتب أن حماس بدأت حملة منهجية لنزع شرعية السلطة الفلسطينية في العالم العربي. وكرر هارئيل ما كان كتبه زميله في صحيفة يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، أمس، بخصوص احتمال أن تحاول حماس اغتيال قادة أجهزة أمنية في السلطة وحتى اغتيال عباس نفسه. وأضاف هارئيل أنه "لم يعد لدى السلطة الفلسطينية قوة عسكرية ذات أهمية في القطاع ولذلك فإنها ستفضل التركيز على حماية مصالحها في الضفة".
وفيما يتعلق بإسرائيل فإنه ليس خافيا على أحد أنها ليست معنية بتصعيد في القطاع. فوزير الدفاع، ايهود باراك، ورئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، كانا على رأس المعارضين للدخول في مواجهة عسكرية مع حماس في غزة في الربيع الفائت. كذلك أيد رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، موقفهما. وقال أولمرت في المقابلة الوداعية التي أجرتها معه يديعوت أحرونوت قبل أسبوعين، إن إسرائيل يجب ألا تسعى لتنفيذ عمليات عسكرية في غزة.
لكن تقديرات القيادة الأمنية الإسرائيلية، بحسب ما نقله هارئيل، تشير إلى أن حماس قد تستخدم حقيقة وجود تنسيق أمني بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، كذريعة من أجل إدخال إسرائيل في صراعها مع حركة فتح. وأضاف الكاتب أنه على الرغم من أن حركة حماس في غزة، بمن فيها قادة ذراعها العسكري، تؤيد حتى الآن استمرار التهدئة، "إلا أنها تضطر لصد ضغوط من جانب النشطاء الميدانيين، الذين يعتقدون أن هذه السياسة قد استنفذت نفسها. وقد تشتعل الجبهة مجددا نتيجة عملية يتم تنفيذها من دون وجود ضوء أخضر واضح من جانب قيادة حماس، إن كان ذلك بواسطة مهاجمة سياح إسرائيليين في سيناء أو باستئناف إطلاق صواريخ القسام".
ورأى هارئيل أن إحدى الذرائع لاحتمال اشتعال الحدود بين إسرائيل والقطاع مرتبطة بالذات باتفاق التهدئة. فإسرائيل أصرت أن تبقى تفاهمات هذا الاتفاق شفهية، ما يجعل كل طرف يفسر التفاهمات وفقا لمصلحته. وفي أواسط كانون الأول المقبل سيمر نصف عام على سريان التهدئة. وترى حماس أنه ينبغي أن تسري التهدئة بعد ذلك على الضفة. وقال هارئيل أن هذا طلب يتوقع أن ترفضه إسرائيل، وفي هذه الحالة قد يؤدي ذلك إلى تفجر الوضع. واعتبر أنه "في هذه الأثناء يرد الجيش الإسرائيلي على الهدوء بالهدوء، ويعمل في أحيان متباعدة عند الحدود مع غزة".
ويشير هارئيل إلى أن قائد الجبهة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي، اللواء يوءاف غالانت، هو العضو الوحيد في هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، الذي يبدي معارضة للتهدئة، وذلك في اجتماعات مغلقة فقط. ويرى غالانت أن "إسرائيل تشتري هدوءا مؤقتا على حساب ثمن مستقبلي غال". لكن بشكل عام، فإن إسرائيل تحاذر وتمتنع عن خرق التهدئة. كما أن "هيئة الأركان العامة راضية من التهدئة. وإذا كانت هناك انتقادات فإنها تتعلق بعدم استعدادا السياسيين (الإسرائيليين) للبحث في مسألة كيفية استخدام التهدئة لاحقا".
وانشغل جهاز الأمن الإسرائيلي خلال الأشهر الأخيرة باستعدادات لمواجهة سيناريوهات مختلفة قد تحدث مع حلول التاسع من كانون الثاني المقبل. ونقل هارئيل عن ضابط كبير في هيئة الأركان قوله إنه حتى مطلع العام المقبل سيتم الانتهاء من الاستعدادات لاحتمال نشوب مواجهة في القطاع. وأضاف الضابط أن "غزة على رأس سلم أولياتنا الآن. وواضح لنا أن ثمة احتمال كبير لحدوث مواجهة هناك. وربما هذا الاحتمال أكبر من احتمال نشوب مواجهة في الشمال. فهناك، وعلى الرغم من رغبة حزب الله بالانتقام لموت عماد مغنية (المسؤول العسكري في حزب الله الذي اغتيل في دمشق في شباط الماضي)، إلا أنه لا تزال هناك موانع أمام صدام". من جهة أخرى يخشى قادة الجيش الإسرائيلي من أن اندلاع مواجهة في القطاع ستغلق الباب أمام التوصل لصفقة تبادل أسرى واستعادة الجندي الأسير في القطاع، غلعاد شاليت، وحتى محاولة تهريب شاليت من القطاع.
وعلى صعيد الوساطة المصرية للمصالحة بين فتح وحماس، قال هارئيل إن إسرائيل لا تعلق آمالا كبيرة عليها، "ليس فقط لأن احتمالات نجاح هذه المحادثات غير واضحة، وإنما أيضا لأن مصالحة فلسطينية داخلية لا تتماشى مع المصلحة الإسرائيلية". واعتبر الكاتب أنه "رغم أن إسرائيل لا تدفع السلطة الفلسطينية بصورة فظة لمهاجمة حماس، فإنه في رام الله يدركون كيف تبدو الأمور من القدس" أي من جانب إسرائيل. وأضاف أنه على هذه الخلفية وافقت إسرائيل على توسيع انتشار قوات الأمن الفلسطينية في مدن الضفة، وانتشار 700 شرطي فلسطيني في الخليل هذا الأسبوع.
وفي نهاية تقريره أوضح هارئيل أنه "في مقابل ذلك، فإنه عندما يلمح محافظ بنك إسرائيل، ستانلي فيشر، في مقابلات صحفية إلى أنه ينبغي إجراء تعديلات على الموازنة للعام 2009، يدخل جهاز الأمن في حالة تأهب. فالأمن هو البند الأكبر في الموازنة وتعديلات كبيرة تعني، على ما يبدو، تقليصه أيضا... وهذه المرة قد تعود الجداول الزمنية، الاقتصادية والأمنية، إلى الاصطدام. معاودة البحث في الموازنة إلى جانب احتمال حدوث اشتعال عسكري. وبالإمكان التقدير الآن أنه في حالة كهذه سيتم اتهام جهاز الأمن مجددا بتضخيم الخطر العسكري لغرض معارك الموازنة".