"المشهد الإسرائيلي" – خاص
وجهت الصحف الإسرائيلية اليوم، الثلاثاء – 24.6.2008، انتقادت شديدة للحكومة وأجهزة الأمن الإسرائيلية بسبب إحباطها صفقة تبادل أسرى مع حزب الله بعدما تم التوصل إلى اتفاق حولها. وأفادت وسائل الإعلام الإسرائيلية، مساء أمس، بأن الجيش الإسرائيلي بدأ عملية الإعلان عن الجنديين الأسيرين لدى حزب الله، ايهود غولدفاسير وإلداد ريغف، أنهما ميتان، من خلال إطلاع أجهزة الأمن الإسرائيلية الحاخام الرئيسي للجيش الإسرائيلي، العميد أفي رونسكي ،على مواد استخباراتية تشير إلي أن الجنديين ميتان. ورونسكي بصفته الحاخام الرئيس للجيش الإسرائيلي هو المسؤول الإسرائيلي الوحيد المخول بالإعلان عن أن الجنديين ميتان. وجاء هذا التطور في أعقاب اجتماع عقده رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، أمس الأول، مع قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية واستمع خلاله إلي انتقادات شديدة حول صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله، وخصوصا من جانب رئيس الموساد، مائير داغان، ورئيس الشاباك، يوفال ديسكين، وذلك علي ضوء تقديرات شبه مؤكدة تدل على أن الجنديين ميتان.
من جهة أخرى أفادت المراسلة العسكرية للإذاعة الإسرائيلية العامة، كرميلا منشيه، اليوم، بأنه من الجائز أن لا يقتنع الحاخام رونسكي بالمواد الاستخباراتية وأن لا يعلن عن الجنديين أنهما ميتان. ومن جانبها اتهمت مالكا غولدفاسير، والدة الجندي الأسير لدى حزب الله، في مقابلة مع الإذاعة الإسرائيلية، اليوم، مسؤولا أمنيا بإحباط صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله بهدف منع إطلاق سراح عميد الأسرى اللبنانيين سمير القنطار. وأوضحت غولدفاسير أنه لم تتبلغ عائلتي الأسيرين بصورة مباشرة بإمكانية الإعلان عنهما "شهيدان ومكان دفنهما غير معروف"، مشيرة إلى أن التقرير الطبي الذي أعده الجيش الإسرائيلي بعد هجوم حزب الله وأسر الجنديين أفاد بأن الجنديين على قيد الحياة لكنهما أصيبا بجروح خطرة وخطرة جدا.
ووجه محللون عسكريون إسرائيليون انتقادات شديد لأداء المسؤولين السياسيين والأمنيين الإسرائيليين في صفقة تبادل الأسرى هذه. وكتب المحلل عوفر شيلح في معاريف أنه لم يكن الانشغال في صفقة تبادل أسرى في الماضي "ملوث باعتبارات غير لائقة وضبابية غير محتملة وعديمة المشاعر بهذا الشكل الكبير" الحاصل الآن. وأضاف أن "رئيس الحكومة ووزير الدفاع (ايهود باراك) لا يعتقدان بأننا نستحق شرحا افضل لما يحدث" من التسريبات غير الواضحة والمتناقضة لوسائل الإعلام. وبعد أن أكد شيلح على أن حزب الله بذل كل ما في وسعه لتوفير معلومات حول الطيار الإسرائيلي المفقود رون أراد، دون أن ينجح بذلك، وبناء عليه تم التوصل لصفقة تبادل الأسرى، رأى الكاتب أنه ليس مناسبا أن تقوم المؤسسة الحاكمة بما قامت به أمس "وأن تستخدم عملية فحص ما إذا كان غولدفاسير وريغف ميتين كطريقة لخفض الثمن، وعمليا، تفجير الصفقة. إعلان كهذا يحظر أن يكون جزءا من عملية المساومة. فلإعلان كهذا دلالات أكثر مما ينبغي وخصوصا تجاه العائلتين".
من جانبه وصف المحلل العسكري في معاريف، عمير ربابورت، أداء الحكومة في إجراء مفاوضات بأنه ينطوي على "فضيحة". وأضاف أن "وزير الدفاع أرسل عاموس غلعاد لإجراء مفاوضات مع مصر حول التهدئة مع حماس، وفقط بعد أن توصل لاتفاق حول وقف إطلاق النار تذكرت إسرائيل أن تطالب بشمل (الجندي الأسير في قطاع غزة) غلعاد شليط في أي اتفاق، ومن دون أن تنجح في ذلك. وأمام حزب الله، منح رئيس الحكومة ايهود أولمرت (المسؤول عن شؤون الجنود الأسرى والمفقودين) عوفر ديكل كل الصلاحيات لإجراء مفاوضات، بوساطة ألمانية، وفقط بعد أن تم تحديد الثمن والاتفاق عليه، فجأة تعالت أصوات في إسرائيل تقول إنه يحظر إعادة سمير القنطار مقابل جثتين لأنه يكاد يكون مؤكدا أن المخطوفيْن ليسا على قيد الحياة". وخلص ربابورت إلى أنه "لا عجب أنه في ظروف كهذه فقدت عائلات الجنود الأسرى الثقة بالمؤسسة التي وعدت بعمل كل شيء من أجل إعادة الابناء إلى الوطن، لكنها في الواقع فعلت كل شيء من أجل أن تثير انطباعا بأن تعهداتها كانت وعودا فارغة من أي مضمون".
وذهب المحلل العسكري في يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، أبعد من ذلك في انتقاد المسؤولين الإسرائيليين. وتساءل فيشمان "كيف لا يخجلون بالقيام بمناورات إعلامية مغلفة بتبريرات وطنية زائفة. فقد أرسلوا في الهواء، أمس الأول، قصة مئات الأسرى الفلسطينيين الذين يتعين على إسرائيل الإفراج عنهم في صفقة غولدفاسير وريغف. وحاولوا إثارة انطباع بأن (أمين عام حزب الله حسن) نصر الله تراجع عن الاتفاق. لا أساس لذلك. كل هذه خدع من أجل إفشال الصفقة. لم ينجحوا في ذلك، فانتقلوا أمس للخطة الثانية وأطلقوا حملة الحاخامات. وهم يستخدمون الآن الحاخام العسكري من أجل أن يدفن القصة تحت ختم شهداء ومكان دفنهم غير معروف، وبذلك يبعدون الموضوع عن جدول العمل". وتساءل فيشمان أيضا كيف يسمح رئيس أركان الجيش، غابي أشكنازي، باستغلال الحاخام العسكري رغم أن اشكنازي أعلن أنه يؤيد صفقة تبادل الأسرى سواء كان الجنديان الاسيران على قيد الحياة أو موتى.
ورأى فيشمان أن الانتخابات العامة في إسرائيل التي أصبت قريبة "أفقدت المسؤولين الإسرائيليين عقولهم. ولم يعد أي شيء في هذه القصة حقيقيا. وكل شيء خاضع للاعتبارات الانتخابية والألاعيب السياسية... لم تعد تصدر معلومات موثوقة عن القيادة السياسية بخصوص الأسرى والمفقودين. كل شيء مصالح... وبعد سنتين أدرك ذوو الأسرى أن المشكلة لا تكمن فقط لدى نصر الله ومشعل وإنما هي ماثلة وقبل كل شيء عندنا".