"المشهد الإسرائيلي" – خاص
أعلنت إسرائيل، اليوم الاربعاء – 18.6.2008، عن مصادقتها على المبادرة المصرية للتهدئة بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة والتي ستدخل حيّز التنفيذ صباح غد، الخميس. وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إن "المطبخ السياسي"، المؤلف من رئيس الحكومة ايهود أولمرت، ووزير الدفاع ايهود باراك، ووزيرة الخارجية تسيبي ليفني، صادق على التفاهمات لبدء التهدئة في القطاع. وجاءت موافقة إسرائيل على التهدئة بعد اجتماع عقده رئيس الدائرة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عاموس غلعاد، الليلة الماضية مع مدير المخابرات المصرية، عمر سليمان، في القاهرة. وقال غلعاد في تصريحات إذاعية، صباح اليوم، إن إسرائيل وافقت على التهدئة بعدما وافقت حماس على معظم الشروط التي طرحتها إسرائيل.
لكن المحلل العسكري في صحيفة يديعوت أحرونوت، ألكس فيشمان، أشار في تحليل نشره اليوم إلى أنه لم تكن في جعبة غلعاد لدى سفره لمصر، أمس، أفكارا جديدة ولم يعد من هناك بأي شيء جديد، "فقد تم الاتفاق على كل شيء مسبقا وقبل سفره. لكنه سافر إلى القاهرة لمواصلة لعبة إثبات من هو الرجل هنا، ولإظهار وهم وكأننا لم نوافق على الاتفاق بعد، حتى تتم تلبية شروطنا".
ورأى فيشمان أنه على الرغم من أقوال قادة الجيش الإسرائيلي ومسؤولين سياسيين إسرائيليين إن التهدئة ستكون مؤقتة ووصفها بالهشة، فإن اتفاق التهدئة سيتعزز، لأن "كلا الحكومتين الضعيفتين في جانبي الجدار في غزة مهتمتان بنجاحها. وثمة جهة واحدة فقط لديها مصلحة بتخريب التهدئة وهي إيران. إنهم سيبذلون جهدا لتفكيكها بواسطة الجهاد الإسلامي. وهنا ستقف حماس أمام الامتحان: هل هي ذراع إيرانية أم أنها تستغل إيران لاحتياجاتها وحسب".
ولفت فيشمكان إلى أن إسرائيل وحماس اضطرتا للتنازل عن قسم من مطالبهما. إسرائيل طلبت أن يشمل اتفاق التهدئة صفقة تبادل أسرى تستعيد من خلالها جنديها الأسير في القطاع غلعاد شاليت، ولم تحصل على ذلك. وكتب فيشمان أن إسرائيل "كانت تعلم مسبقا أنها لن تحصل على ذلك. وفي المقابل نجحت في الحصول على تعهد مصري في موضوع وقف التهريبات، وهو موضوع سيُعرض على الجمهور الإسرائيلي على أنه الانجاز المركزي في الاتفاق". من جهة أخرى "اضطرت حماس أيضا إلى التنازل عن مطالب، مثل فتح معبر رفح فورا وبدون شروط وقائمة طويلة بأنواع بضائع وربط غزة بالضفة" الغربية.
وهذه النقطة الأخيرة تحديدا، اعتبرها المحلل العسكري في صحيفة معاريف، عمير ربابورت، النقطة الأهم. وكتب أن "الانجاز الأكبر بالنسبة لإسرائيل في التهدئة متعلق خصوصا بالضفة الغربية. وموافقة حماس على سريان مفعول التهدئة في القطاع فقط هو تنازل عن إصرار طال سنوات كانت حماس خلاله تطلق الصواريخ والقذائف باتجاه النقب الغربي ردا على عمليات الجيش الإسرائيلي والشاباك لإحباط الإرهاب النشط في الضفة الغربية. ومن هذه الناحية فإن الحصار على القطاع كان مؤثرا".
من جهة أخرى اعتبر ربابورت أن "المشكلة الكبرى هي أن شروط التهدئة، من جميع النواحي، تشكل انجازا لحماس بالذات. وهذه الحركة، التي كانت، في الحقيقة، مستعدة للتهدئة منذ وقت طويل، نجحت بواسطة استنزاف إسرائيل في رفع الحصار الاقتصادي والحفاظ على ورقة غلعاد شاليت. وهي في الطريق الآن لانجاز فتح معبر الحدود بين القطاع ومصر (رفح) الذي سيمنحها مكانة دولية كدولة فعلية. وهذه ستكون الدولة الوحيدة في العالم التي ينتمي قادتها إلى التيار المتطرف في العالم العربي لحركة الأخوان المسلمين".
وقال ربابورت إن اتفاق التهدئة "مليء بالثقوب" وخصوصا أن "حماس ستستغل فترة التهدئة لتهريب المزيد من الأسلحة للقطاع ولتدريب عناصرها الذي أصبح عددهم يزيد عن عشرة آلاف مقاتل، أي أكثر من جيش حزب الله. وفي كل شهر تسجل حماس تعاظما في قوتها سيزيد من الثمن الدموي الذي سيدفعه الجيش الإسرائيلي في حال تقرر لاحقا شن عملية عسكرية برية في عمق غزة". وأضاف أن الرسالة التي سيفهمها العالم العربي من موافقة إسرائيل على التهدئة مفادها أن "إسرائيل تفهم لغة القوة وحسب". كذلك اعتبر ربابورت أن الاتفاق يشكل "ضربة قاسمة" بالنسبة للرئيس الفلسطيني، محمود عباس، الذي يعتبر شريك إسرائيل في عملية سياسية ولا يحصل على شيء.
من جهة ثانية أشار ربابورت إلى أن تقديرات جهاز الأمن الإسرائيلي تدل على أنه بعد دخول التهدئة إلى حيز التنفيذ "ستتزايد جهود الإرهاب في الضفة التي لا يشملها الاتفاق. وعلى ضوء ذلك فإن لا أحد في القيادة الإسرائيلية سيأسف فعلا عندما يستنفذ وقف إطلاق النار نفسه. والتوقعات هي أن التهدئة ستصمد بضعة شهور، كحد أقصى، وثمة احتمال كبير لأن تسير الأمور على هذا النحو".
من جهته اعتبر محرر الشؤون العربية في صحيفة هآرتس، تسفي بارئيل، أن "مبادئ وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس تشكل انجازا سياسيا وفئويا (لحماس) وستستخدمه الحركة كرافعة في حوار المصالحة الوطنية مع حركة فتح، الذي يتوقع أن يبدأ في نهاية الأسبوع الحالي". وأوضح أنه "بموجب هذه المبادئ لن تتمكن إسرائيل، الموقعة على اتفاق معبر رفح من العام 2005، من الإشراف على المعبر لدى فتحه، وصفقة شاليت سيتم بحثها بشكل منفصل عن وقف إطلاق النار، مثلما طلبت حماس".
وأضاف بارئيل أن "التهدئة تمنح حماس، وليس عباس، القوة لإرساء وقف إطلاق نار في الضفة أيضا. وإذا استمر الهدوء في القطاع ستضطر إسرائيل بعد نصف عام أو عام إلى تطبيق وقف إطلاق نار في الضفة أيضا، وبذلك تستكمل حماس تحقيق مطالبها".
ورأى بارئيل أن "لحماس مصلحة في تطبيق مبادئ التهدئة وليس فقط من أجل تحرير القطاع من الحصار الإسرائيلي. ففي نهاية الأسبوع يتوقع وصول عباس للقطاع في زيارة أولى في إطار محاولاته للتوصل إلى مصالحة وطنية بين حماس وفتح. وسيقف عباس أمام حماس قوية سياسيا بفضل ظهورها كمن لوت ذراع إسرائيل. وطريق هذه المصالحة ستكون طويلة، خصوصا فيما يتعلق بمطالب عباس من حماس وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل سيطرة الحركة على القطاع. وفي حال نجحت هذه العملية فإنها ستنتهي بانتخابات تشريعية ورئاسية. وحماس تسعى للوصول إلى هذا الوضع بكل قوتها السياسية. وإذا انتهت الشهور الستة للتهدئة بحصول حماس، من إسرائيل، على وقف إطلاق نار في الضفة أيضا، فإن بإمكانها عندها إظهار سيطرتها الأمنية في شطري فلسطين. وهكذا، بواسطة التهدئة، ستستكمل حماس بناء الجبهة السياسية الداخلية، والأهم من ذلك أنها ستعزز اعتراف العرب بمكانتها".