كتب أسعد تلحمي:
تواصلت ردود الفعل في إسرائيل على الشبهات التي وجهتها مؤسستها الأمنية لرئيس التجمع الوطني الديمقراطي الدكتور عزمي بشارة بارتكابه مخالفات أمنية وجنائية خطيرة. وصعّد اليمين الإسرائيلي حملته المنفلتة على بشارة وحزبه، من دون استثناء نواب ومؤسسات رسمية وحقوقية عربية بداعي أنها تتبنى خطاباً مماثلاً يتعارض ويهودية إسرائيل. وصبت الحملة في التلميح إلى ان لجنة الانتخابات المركزية ستشطب حزب التجمع بداعي تطرفه، وبالتالي تمنعه من خوض الانتخابات العامة المقبلة. كما صدرت تلميحات بإمكان قيام إسرائيل بخطف بشارة وإحضاره للمحاكمة.
ونقلت الإذاعة الإسرائيلية عن مصدر كبير في الشرطة الإسرائيلية ان الأخيرة ستصدر قريباً أوامرها لشرطة الحدود باعتقال بشارة فور وصوله إلى أي من المعابر الحدودية. وأضاف هذا المصدر ان بشارة "ألحَق بأمن إسرائيل أضراراً ليست بسيطة من خلال اتصالاته بـ «حزب الله»، خصوصاً أثناء الحرب على لبنان، وكان ممكناً أن تكون الأضرار أشد فداحة". وتابع انه بعد أن تزيل المحكمة الإسرائيلية أمر حظر نشر تفاصيل التحقيق مع بشارة "سيتبين لجمهور أنصاره انه اهتم أساساً بجيبه... وعليه ليس صدفة انه فضّل البقاء خارج إسرائيل".
وأبرزت وسائل الإعلام العبرية الشبهات الموجهة الى بشارة، وأشارت إلى انه في حال دانته المحكمة بـ «مساعدة العدو أثناء الحرب»، وهي أشد التهم في القانون الجنائي، فإن العقاب سيتراوح بين السجن المؤبد والإعدام شنقاً.
ولفتت الإذاعة العسكرية إلى حقيقة ان نواب اليمين لم ينتظروا إتمام الإجراءات القانونية ضد بشارة «وسارعوا إلى تجريمه ونعته بخائن وطابور خامس وحصان طروادة، مقتنعين بأنه ارتكب جرم الخيانة». وأضافت انه في المقابل فإن الشبهات الثقيلة التي وجهت الى بشارة «لم تُحدث أي خدش في صورته في نظر مؤيديه وأعضاء حزبه». وتابعت أن ثمة اعتقاداً في الأوساط القضائية في إسرائيل بأن لجنة الانتخابات المركزية والمحكمة العليا لن تسمحا لـ «التجمع» بخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة.
وتوجه وزير الداخلية روني بار أون بطلب إلى المستشار القضائي للحكومة لفحص إمكانات مصادرة أملاك بشارة في حال ثبت تلقيه المال مقابل مساعدة العدو. من جهته، دعا وزير الصناعة زعيم حركة «شاس» الدينية المتزمتة ايلي يشاي الوزير بار أون إلى سحب الجنسية عن بشارة فوراً.
وكرر النائب من حزب المستوطنين المتدينين «مفدال» زفولون اورليف دعوته الحكومة الإسرائيلية إلى فعل ما يلزم لاعتقال بشارة وإحضاره لإسرائيل وتقديمه الى المحاكمة. وأضاف: «لا يعقل أن يجد له ملجأ آمناً في حضن المنظمات التي سلمها معلومات مست بأمن إسرائيل خلال الحرب». ولم يستبعد أن تكون «الأذرع السرية» باشرت في البحث عن سبل إحضاره إلى إسرائيل بالقوة، "وهذا واجبها القانوني لأننا بصدد مواطن إسرائيلي ارتكب مخالفات خطيرة يحاكم القانون عليها بالموت أو بالسجن المؤبد".
وقال النائب اليميني المتشدد من حزب «إسرائيل بيتنا» الشريك في الائتلاف الحكومي يسرائيل حسون إنه "إذا لم نصحُ الآن وفوراً فسنضطر قريباً جداً إلى شن حرب من جديد من أجل استقلالنا. وستكون هذه حرب الاستقلال الثانية ضد العرب في إسرائيل الذين سيتلقون الدعم من حركة حماس".
ودعا حسون الذي شغل سابقاً منصب نائب رئيس جهاز الأمن (الشاباك) إلى "إدخال نواب التجمع الثلاثة فوراً إلى غرف التحقيق لأنه فقط عندنا وتحت غطاء الديمقراطية نغمض أعيننا عن اتصالاتهم بأعتى أعدائنا". وأبدى انزعاجه من الوثائق التي وضعتها مؤسسات رسمية وحقوقية تضمنت تصوراتها للعلاقة بين إسرائيل والعرب فيها "تدعو إلى عدم الاعتراف بإسرائيل دولة الشعب اليهودي". وقال: "لماذا لا نحرك ساكناً إزاء عملية متسارعة من الغليان في أوساط العرب في إسرائيل غير المستعدين لقبول حقيقة ان هذه الدولة هي لليهود فقط". وينظم «التجمع» مهرجاناً كبيرا في مدينة الناصرة يوم السبن 28/4/2007 تضامناً مع رئيسه يتوقع أن يشارك فيه ممثلو الأحزاب العربية الوطنية والإسلامية.
من جهته، بعث بشارة عبر موقع «عرب 48» برسالة إلى «أبناء شعبنا وأبناء وبنات التجمع والحركة الوطنية وأصدقائها» شرح فيها أسباب استقالته من الكنيست وما يتعرض له من اتهامات أمنية من المؤسسة الإسرائيلية، عزاها أساساً إلى المشروع الذي جاء به التجمع قبل 11 عاماً (مشروع دولة المواطنين والإدارة الذاتية للعرب تحت برنامج سياسي واحد) واستفز المؤسسة الصهيونية بشكل غير مسبوق... وتعرضنا لحملات سياسية وشخصية متواصلة من التحريض ومحاولات نزع الشرعية بمعناها الاسرائيلي... وقد صمدنا فيها جميعا ونجحنا.
وتابع: "لم أتفاجأ عندما تبين لي أنهم يخططون لاعتقالي فور استقالتي من الكنيست بغرض محاكمتي بتهم باطلة وملفقة لا أساس لها من الصحة أنكرناها جميعا في التحقيقات التي جرت حتى الآن... ما يجري هو تنفيذ خطة مبرمجة وضعت منذ سنوات طويلة... إذ استُنفرت أجهزة الأمن ومعها قباطنة المؤسسة الصهيونية بعدما انتشر مشروعنا على شكل أفكار وطروحات سياسية تتبناها فئات تتجاوز بكثير مؤيدي وقواعد التجمع المعروفة، ولتتفتح في ألف زهرة ووثيقة تعبر عن الخطاب نفسه، أو على الأقل المزاج نفسه، مزاج الخروج عن الوصاية والتفكير بمستقبلنا في هذه البلاد خارج الهامش الذي تتركه لنا الصهيونية... وفقدوا عقلهم تماما إذ لجأوا الى التنصت على الهواتف وجلب الشهود من أجل تفصيل مثل هذه التهم الباطلة التي لا اساس لها لتدمير وضرب من لم يتمكنوا منه ومن فكره ونشاطه طيلة هذه الفترة. وخلافًا للتهم السابقة، وبموجب هذه التهم سيكون علي أن أناقش وأبرر محادثات هاتفية تنصتوا عليها مع أصدقاء وصحافيين في فترة كانوا يدمرون فيها بلدا كاملا، أو أن اواجه تحويل أحاديث خاصة بين أصدقاء إلى مواضيع سياسية كأنها مقال أو منشور أو بيان نحاكم عليه... كل هذا أمام المحاكم وفي التحقيق وأمام رأي عام مسمم ومعادٍ. لقد حول الاتهام تبادل أحاديث عادية ومواقف وشكاوى وتذمر بين أصدقاء، كما يفعل الناس عادة في الحروب، إلى نقل معلومات للعدو وتهم... هذه قواعد لعبة تحول القيادي والمثقف مشتبهاً به مذلاً مهاناً في عرفهم يبرر تواصله الشخصي والعام وعلاقاته مع العالم العربي أمام الأسياد، ويبرر علاقاته مع الضحايا أمام المعتدي".
وتابع بشارة: "هذه المرة فاقوا كل التوقعات. ولا أثق لا بعدالة مثل هذا الإجراء، خصوصا إزاء الأجواء العدائية التحريضية التي أثيرت وستثار حوله، ولا أرضى بالذل الكامن في تبرير المواقف وفي قبول لعبة تجريم وتبرئة يتحكمون هم بقواعدها". وأوضح "بالإضافة لقرار الاستقالة قررت حاليا تأجيل عودتي الى البلاد إلى حين تتضح الامور، فنحن لسنا فريسة سهلة، ولا نُستدعى للمثول بهذا الشكل. وطبعاً الخيار ليس بين المنفى والوطن، فالمنفى ليس خيارا".