يسود الساحة السياسية والأمنية في إسرائيل غموض مغلّف بالتفاؤل مع اقتراب موعد تولي رئيس حزب العمل عمير بيرتس منصب وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وينبع الغموض من دخول شخصية مدنية تفتقر إلى الخبرة العسكرية والأمنية مثل بيرتس إلى "قدس أقداس" الأمن الإسرائيلي المتمثل في مكتب وزير الدفاع بعد أن أشغل المنصب طوال أكثر من عقدين مضيا جنرالات كبار كان بعضهم رؤساء أركان سابقين للجيش الإسرائيلي.
من جهة ثانية تفاءل قسم من المحللين العسكريين والسياسيين الإسرائيليين من أن شخصية مدنية ستتولى وزارة الدفاع. هؤلاء يؤكدون على أن وزير الدفاع يجب أن يمثل المواطنين في الجهاز الأمني.
وأثارت حالة الغموض المغلفة بالتفاؤل هذه جدلا واسعا في إسرائيل حول أهلية بيرتس القادم من قيادة النقابات العمالية مباشرة إلى مكتب وزير الدفاع في إدارة جهاز الأمن الإسرائيلي.
ومن المتوقع أن يعرض المكلف بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة ايهود اولمرت يوم الخميس القادم حكومته على الكنيست لتبدأ بمزاولة أعمالها الأسبوع القادم.
ورأى المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عوفر شيلح، أن السؤال الكبير في هذا الجدل هو بتحديد المهام الملقاة على عاتق وزير الدفاع.
وقال شيلح لـ"المشهد الإسرائيلي" أمس الاثنين إنه "يتم النظر إلى وزير الدفاع في إسرائيل حتى من جانب من أشغلوا في الماضي هذا المنصب على أنه القائد الأعلى لقوات الأمن بمعنى أنه يفترض فيه أن يشرف ويتخذ قرارات تتعلق بنشاط قوات الأمن.
"وإذا كانت هذه هي الحال فإن هناك أدوات كثيرة تنقص عمير بيرتس ليكون قادرا على الحكم على نشاط قوات الأمن كونه يفتقر بشكل كامل للخبرة العسكرية".
إلا أن شيلح اعتبر أن "وزير الدفاع يمثل في الواقع الجهاز المدني في وزارة الدفاع ومثال على ذلك إقراره ميزانية الأمن التي لا تعتبر قرارا أمنيا وإنما هي قرار مدني لدولة إسرائيل تقرر من خلاله حجم الموارد التي سيتم رصدها للأمن بالرغم عن أن ذلك مرتبط باحتياجات الأمن.
"وإذا أوضح المسؤولون في الجهاز الأمني لبيرتس الاحتياجات الأمنية إضافة إلى رؤيته الاقتصادية- الاجتماعية لوضع إسرائيل فإنه ستتكون لديه نظرة حيال ميزانية الأمن وسيكون بإمكانه اتخاذ قرار جيد ليس أقل من أي شخص آخر".
وقال شيلح إن بيرتس يعي ذلك عندما قال "إنني لا أعرف بأي مدفع يقصفون غزة لكني أعرف ماذا عليّ أن اسأل حول ما إذا كان هذا القصف يعود بالفائدة على إسرائيل أم لا".
واعتبرت مقولة بيرتس هذه إشارة إلى نيته تغيير استخدام الجيش القوة المفرطة ضد الفلسطينيين.
وفي هذا السياق قال شيلح "لا أعتقد أن تتغير أمور كثيرة في المرحلة الأولى فيما يتعلق بالمواجهة الإسرائيلية- الفلسطينية. لأنه سيكون مشغولا في دراسة المنظومة الأمنية وهي في غاية التعقيد، لكن من جهة أخرى فإن لدى بيرتس توجهات أساسية مبدئية أقل عدوانية من توجهات وزير الدفاع الحالي شاؤول موفاز وغيره من المسؤولين في وزارة الدفاع والذين سيستبدلهم بيرتس بالطبع".
ويعتبر بيرتس أحد أقطاب المعسكر الحمائمي في إسرائيل الذي يدعو إلى التسوية مع الفلسطينيين.
وأوضح شيلح أن "بيرتس كان يؤيد إجراء محادثات مع منظمة التحرير الفلسطينية عندما لم يكن أحد في الحلبة السياسية الإسرائيلية يؤيد ذلك لكن من الصعب علينا الآن معرفة كيف سيتم التعبير عن ذلك".
وأضاف أن "هذا أمر يصعب التنبؤ به لأن اتخاذ قرار بفتح معبر كارني على سبيل المثال سيكون متعلقا بعدة نواح بينها أن الجيش وأجهزة أمنية أخرى ستقدم له تقارير تفيد بأن هناك تحذيرات حول نية فلسطينيين لتنفيذ هجوم وعندها يتوجب عليه إصدار قرار بفتح كارني على الرغم من التحذيرات، ولا أعرف إذا كان بيرتس قادرا على القيام بذلك".
من جانبه لفت المحلل السياسي- العسكري في صحيفة "هآرتس" عكيفا إلدار إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها تعيين شخصية تفتقر للخبرة العسكرية وزيرا للدفاع في إسرائيل.
وقال إلدار لـ"المشهد الإسرائيلي" إنه تم في الماضي تعيين موشيه آرنس الذي لم يخدم حتى في الجيش وكان وزير دفاع مرتين "ويعتبر وزير دفاع ناجحا جدا".
ورأى الدار أن تعيين وزير دفاع مدني هو عملية ايجابية وأن "هذا أمر مقبول في العالم لأنه في الولايات المتحدة مثلا يحظر تولي جنرال منصب وزير الدفاع بشكل فوري وغالبية الوزراء هناك مدنيون وكذلك في فرنسا، وأعتقد أن تولي شخصية مدنية وزارة الدفاع هو وضع طبيعي.
"لكن في إسرائيل هذا يعني أن علاقته لن تكون سهلة مع أشخاص (في قيادة الجيش) ينظرون إلى المدنيين باستعلاء معين ويرون أن المهنة العسكرية معدة للنخبة".
ورأى الدار أن أول خطوة على بيرتس أن ينفذها هي تقليص ميزانية الأمن وهذا سيكون امتحانه الأول مقابل الجيش.
وأضاف أن الامتحان الثاني سيكون تفكيك البؤر الاستيطانية العشوائية وهنا الامتحان سيكون أمام المستوطنين.
وفي هذا السياق اعتبر إلدار أن "الأمر المؤكد هو أن بيرتس لن يوافق على توسيع المستوطنات على الأقل من ناحية أجندته الاجتماعية وأيضا السياسية".
والامتحان الثالث هو مواجهة الانتفاضة والعلاقة مع الفلسطينيين لأن وزير الدفاع مسؤول عن الحكم العسكري وهو الحاكم الفعلي في الأراضي الفلسطينية.
وتابع إلدار "السؤال هنا هو هل سيرى بيرتس بالفلسطينيين شركاء أم أعداء وإذا رأى بهم شركاء وذلك على عكس موفاز سيضطر إلى تغيير التوجه داخل الجيش الذي يعتمد على القوة والمزيد من القوة وساد طوال فترة موفاز.
"فطوال سنوات خلت كان موفاز و(رئيس أركان الجيش السابق) موشيه يعالون و(رئيس الأركان الحالي) دان حالوتس ينظرون إلى العلاقات مع الفلسطينيين على أنها علاقات مع أعداء وليس مع شركاء وسيكون هذا تحديًا أمام بيرتس لتغيير هذا المفهوم والبحث عن طرق للتعاون مع الفلسطينيين".
لكن إلدار أعرب عن تحفظه في هذه الناحية قائلا إن "بيرتس يعتبر من الحمائميين في إسرائيل لكن الأمور قد تتغير بعدما يدخل لوزارة الدفاع".
رغم ذلك إلا أن إلدار يرجح حدوث صدام في المستقبل بين اولمرت الذي ينتمي لمعسكر الصقور وبيرتس الحمائمي لافتا إلى أن "هذا يتعلق بمدى استعداد بيرتس لخوض صراع على مواقفه".
وفي جميع الأحوال يرى إلدار تعيين بيرتس وزيرا للدفاع "أمرا ايجابيا" بل يعتبر أن "كل شخص يمكن أن يتولى وزارة الدفاع في إسرائيل هو أفضل من موفاز".
وأوضح "أنا اعتقد أن موفاز جاء إلى وزارة الدفاع حاملا توجهات وأفكارا سطحية ضد الفلسطينيين وتعاون مع (رئيس الطاقم السياسي الأمني في الوزراء) الجنرال عاموس جلعاد في تصعيد الصراع ضد الفلسطينيين.
"ولذلك فإن ثمة أهمية لهوية المستشارين الذين سيعينهم بيرتس في وزارة الدفاع وسيضطر إلى إحضار مستشارين يرون الأمور بشكل مختلف عن موفاز والمجموعة التي أحاطت به".
وأضاف إلدار "أعتقد أن بيرتس جاء من مدرسة مختلفة تماما عن المدرسة التي جاء منها موفاز، فعلاقاته مع الفلسطينيين جيدة وهو ينظر إلى الفلسطينيين على أنهم بشر متساوون وليس كأعداء، ولا يتعالى عليهم ليس فقط لأنه شرقي وإنما لأنه أكثر أخلاقية من موفاز وجاء من مكان كان يصارع فيه الأقوياء ويمكنه التعاطف مع الضعفاء، فهو كان يمثل الشرائح الاجتماعية الضعيفة ولديه علاقات وثيقة مع العرب في إسرائيل ويعرف لغتهم، من جهة أخرى أعتقد أن موفاز لا يتماثل مع الضعفاء".
لكن إلدار لا ينفي بالمقابل إمكانية أن يعمل بيرتس على إثبات أنه وزير دفاع قوي وجيّد للوصول في المستقبل إلى رئاسة الحكومة وأن يعني هذا في أحد جوانبه أن يدفع الفلسطينيون ثمنا لقاء ذلك من خلال استخدام القوة المفرطة ضدهم في حال استمر الجمود في المسيرة السياسية في المنطقة.
وقال "لكني آمل أن يحذروه من ذلك وأن يمتنع عن القيام بذلك خصوصا وأن وزير الدفاع وفي هذه الحالة بيرتس يمكنه تغيير نهج القوة المتجذر في الجيش الإسرائيلي واعتقد أن لديه الرغبة في تنفيذ ذلك لكن عليه التغلب على جهاز الآمن ووقت الحاجة الدخول في صراعات معهم".
وأشار إلدار بشكل خاص إلى حالوتس الذي وصفه بالرجل القوي في الجيش والسياسي المحنك الذي يتطلع إلى مستقبل سياسي بعد خلع البزّة العسكرية.
وقال إن "العلاقة مع حالوتس ستحددها الرسالة التي سيوجهها بيرتس إليه في الأيام الأولى بمجرد بدء مزاولة مهام وزير الدفاع، وعندها عليه أن يوضح له من هو الرئيس في جهاز الأمن".
وفيما يتعلق بالقضايا الأمنية الأوسع والتي تشمل منطقة الشرق الأوسط عموما وعلى رأسها مسألة البرنامج النووي الإيراني قال إلدار إنها قضايا لا تتعلق بوزير الدفاع فحسب وإنما تتعلق أكثر بالحكومة ورئيس الحكومة مثلما لا يتعلق الموضوع الفلسطيني فقط بوزير الدفاع وإنما بالتوجه السياسي العام للحكومة.
ولفت إلى أن القرارات في هذه القضايا ستتخذ في المجلس الوزاري السياسي الأمني المقلص، وحتى أن بعض هذه القرارات سيتخذها رئيس الحكومة بنفسه، مثل مشاركة إسرائيل في توجيه ضربة محتملة ضد المنشآت النووية الإيرانية أم لا.
المصطلحات المستخدمة:
يديعوت أحرونوت, هآرتس, الكنيست, رئيس الحكومة, عمير بيرتس, عوفر شيلح