بدأت وزيرة الخارجية الإسرائيلية، تسيبي ليفني، وموظفو مكتبها بلورة "إستراتيجية الخروج" من الحرب في لبنان منذ 13 تموز/ يوليو، غداة انفجار المعارك. فقد قدروا في الوزارة منذ اليوم الأول بأن إسرائيل ستجد صعوبة في تحقيق غايات الحرب. هذا ما يتضح من التحقيق الذي أجرته "هآرتس" حول التحركات السياسية في أثناء الحرب، والذي نشر بالكامل اليوم الأحد 1/10/2006 في العدد الخاص بيوم الغفران. لكن رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، صادق على البرنامج فقط بعد مرور عشرة أيام.
وبحسب التحقيق فإن ليفني التقت مع أولمرت في 16 تموز/ يوليو وعرضت عليه فكرة "الخروج السياسي" من الأزمة، لكن أولمرت لم يتحمّس من فكرتها وقال إن الجيش الإسرائيلي بحاجة إلى وقت إضافي. وفقط بعد أسبوع، لاقت خلاله وزيرة الخارجية صعوبة في عقد لقاء آخر مع رئيس الحكومة واصطدمت بعراقيل وتأجيلات، صادق أولمرت على مبادئ البرنامج السياسي، الذي في صلبه نشر قوة دولية قوية في لبنان وفرض حظر (إمبارغو) على نقل سلاح إلى حزب الله.
في البداية تحفظ أولمرت من طلب إرسال قوة دولية إلى لبنان، لكن بعد أن أعرب الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن عن تأييدهما للفكرة، فقد قبلها رئيس الحكومة أيضًا في 23 تموز/ يوليو. ومنذ ذلك اليوم وحتى انتهاء الحرب طرحت إسرائيل موقفًا منسقًا، وتولى يورام طورفوفيتش، رئيس طاقم رئيس الحكومة، مسؤولية إدارة الاتصالات السياسية.
ويطرح تحقيق"هآرتس" أيضًا أنه منذ اللحظة الأولى قدروا في وزارة الخارجية بأن إسرائيل ستجد صعوبة في أن تحقق إطلاق سراح الجنديين المخطوفين، إيهود غولدفاسر وإلداد ريغيف، ونزع سلاح حزب الله عبر عملية عسكرية.
ويضيف: صحيح أن رئيس الحكومة أعلن في 18 وفي 19 تموز/ يوليو أن المعارك ستستمر حتى تحرير المخطوفين إلا أن إسرائيل اضطرت للتراجع عن ذلك في أعقاب توضيح الإدارة الأميركية بأنها لن تقدّم تغطية لهذا المطلب. وقد أوضح الأميركيون "أن لدينا مخطوفين أيضًا في العراق".
ويفصّل التحقيق أيضًا الإجراءات التي سبقت وقف إطلاق النار، حتى إقراره في مجلس الأمن يوم 11 آب/ أغسطس. ففي صباح ذلك اليوم وصلت إلى إسرائيل المسودة قبل الأخيرة للقرار وشملت، ضمن أشياء أخرى، طلب نقل مزارع شبعا إلى أمانة الأمم المتحدة وإضعاف تفويض قوة الأمم المتحدة وترافق تحرير الأسرى اللبنانيين والمخطوفين الإسرائيليين. وقد رأوا في القدس في ذلك خرقًا للتفاهمات السابقة، وهذا الأمر أدى بأولمرت إلى توسيع العملية البرية، التي لقي 34 جنديًا مصرعهم خلالها في اليومين الأخيرين للحرب. وقال دبلوماسيون في مركز الأمم المتحدة، تمت مقابلتهم للتحقيق، إن العملية البرية لم ترجّح الكفة لصالح إسرائيل في الاتفاق (لوقف إطلاق النار).
بينيس: العملية البرية الأخيرة كانت زائدة وبلا جدوى
من ناحية أخرى كشف وزير الثقافة والعلوم والرياضة أوفير بينيس (حزب العمل) النقاب عن أن في حوزته وثيقة أرسلت إلى وزراء حزب "العمل" صباح يوم الجمعة 11 آب/ أغسطس، قبيل ساعات من قرار توسيع العملية البرية، وعنوان الوثيقة هو "أسس الاتفاق الآخذ في التبلور" (في مجلس الأمن)، ويؤكد أن الفارق بين ما جاء في الوثيقة وبين القرار النهائي في مجلس الأمن غير جوهري. وبذا فإنه يناقض رواية رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، وغيره بأن قرار توسيع العمليات العسكرية البرية اتخذ في أعقاب حصول تغيير دراماتيكي في مشروع قرار مجلس الأمن، بما يتناقض مع الاتفاقات التي أحرزت من قبل.
وفي مقابلة مطوّلة مع صحيفة "معاريف" (1/10/2006) كسر بينيس ما أسماه مراسل الشؤون الحزبية في الصحيفة نداف إيال بـ"حاجز الصمت"، وشنّ هجومًا حادًا على الحكومة، على خلفية نتائج الحرب على لبنان. ورسالته في المقابلة التي أدلى بها بمناسبة يوم الغفران، واضحة جدًا، وهي أنه يتعيّن إجراء حساب نفس للحكومة، لكل واحد من الوزراء بصورة شخصية وللجميع معًا.
ويضيف بينيس: "أنا لن أقرّر من المذنب. لكن أقول إنه عمليًا كانت أمامنا إمكانيتان لهذه العملية (العسكرية): الأولى الاكتفاء بعملية قصيرة وجوية والوقوف حيث يمكن والوصول إلى اتفاقات سياسية، والثانية شنّ عملية برية واسعة. وفي النهاية فعلوا قليلاً من هذه وقليلاً من تلك، وبكلمات أخرى لا هذه ولا تلك. بالإضافة إلى ذلك فإن إحدى الفرضيات كانت إشكالية جدًا، وهي فرضية أن الوقت يعمل لصالحنا والنتيجة المترتبة على ذلك أن العالم يقف معنا. وقد استغرق الحكومة، بمن في ذلك أنا، بعض الوقت كي تفهم أن العالم يستعملنا لإدارة حرب تتجاوز مسألة حزب الله ولأغراض إستراتيجية عالمية. وثمة مشكلة جوهرية أخرى أنه في مراحل متصلة من الحرب عربد المستوى السياسي زيادة عن اللزوم. وأثرت هذه العربدة بصورة غير صحيحة على المستوى العسكري وعلى الجمهور".
ويتابع بينيس أنه تملكه شعور سيء جدًا إزاء العملية البرية الأخيرة، "فقد رأيت أنها زائدة. وقد آلمني الثمن. ومنذ اللحظة الأولى عرفت أن العملية بلا جدوى، ومنذ اللحظة الأولى لم يكن هناك احتمال لإحراز أي هدف في التوقيت الذي تقرّر".
ويعتقد بينيس أن على الحكومة أن تقرّر لنفسها أجندة جديدة، سياسية واجتماعية. ويقول إن حزب "العمل" لا ينبغي أن يبقى في الحكومة بأي ثمن، لكنه يقترح عدم التسرّع في ترك صفوف الحكومة. كما يعلن أنه يدرس إمكانية المنافسة على رئاسة "العمل"، في الانتخابات القريبة لهذا المنصب.