أرفقت إسرائيل ترحيبها الحذر بالأنباء عن توصل رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) إلى اتفاق مع حركتي «المقاومة الإسلامية» (حماس) و«الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة على وقف عملياتهما العسكرية، بمطالبة «أبو مازن» بتجريد فصائل المقاومة من أسلحتها. وأعلن أقطابها أن الحكم على حصول تغيرات ايجابية لدى الفلسطينيين سيكون بعد استتباب الهدوء الفعلي والتيّقن من أن الاحتفال بعيد الأضحى المبارك لم يكن الدافع للهدوء السائد منذ أربعة أيام، مضيفين ان الهدوء سيقابَل بالمثل، ومهددين في الآن ذاته بعدوان عسكري جديد إذا استأنف الفلسطينيون قصف بلدة سديروت ومستوطنات القطاع بـ«القسام». في المقابل، بدا القادة العسكريون أكثر تفاؤلاً من أركان الحكومة وصدرت عن بعضهم أصوات تطالب بالقيام بـ«بادرات حسن نية» تجاه «أبو مازن» لتعزيز مكانته وتوطيد حكمه.
أعرب رئيس الحكومة الإسرائيلية أريئيل شارون عن أمله بأن يكون الهدوء «في الإرهاب الفلسطيني» ناجماً عن تغيير حقيقي، وأن يستمر «وإلاّ فإن الجيش الإسرائيلي سيواصل تنفيذ كل ما هو مطلوب لإزالة تهديد الصواريخ على سديروت». وأضاف، في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية التي عقدت في سديروت للتعبير عن التضامن مع سكانها، ان الهدوء تحقق بفعل «العمليات العسكرية الصارمة لقواتنا العسكرية»، وان إسرائيل تتابع ما يحصل على الساحة الفلسطينية ولن تسمح بأن يعيش سكان سديروت وجنوب إسرائيل في أجواء من الاحباط. وزاد ان إسرائيل ليست طرفاً في المفاوضات التي يجريها «أبو مازن» مع المنظمات المسلحة، وأن الأمر شأن فلسطيني داخلي.
وقال وزير الدفاع شاؤول موفاز إن قوات الجيش على أهبة الاستعداد لمواجهة كل طارئ والقيام بما هو مطلوب في حال خرق الهدوء الحاصل، مضيفاً ان ثمة مؤشرات حقيقية لهدوء لا ينبغي الاستهتار بها، لكن يجب متابعتها باهتمام وحذر.
وكان موفاز قال في حديث للاذاعة العبرية إن «أبو مازن» توصل إلى اتفاق لوقف النار مع «حماس» و«الجهاد» «لمدة شهر تقريباً»، معتبراً أن ذلك اشارة ايجابية ونجاحاً لرئيس السلطة الفلسطينية «نرحب به لكن علينا أن نتابع بحذر سلوك المنظمات الإرهابية على الأرض». وأضاف ان انجاز الاتفاق تم مقابل اشراك «حماس» في مؤسسات السلطة وحصول هذه على التزامات إسرائيلية (عدم استهدافها ووقف عملياتها العسكرية). وتابع ان ما يحصل يعتبر بداية طيبة تبعث على التفاؤل الحذر مع وجوب انتظار الخطوات المقبلة للرئيس.
وعزا موفاز دوافع الاتفاق الفلسطيني الداخلي إلى ضغوط دولية وإلى الآلة العسكرية الإسرائيلية. ورداً على سؤال عن «الجزرة» التي ستقدمها إسرائيل بعد استعمالها «العصا»، قال وزير الدفاع إن الأمر سيبحث بعد أن يشكل «أبو مازن» الحكومة الفلسطينية الجديدة، وبعد أن يقدم الفلسطينيون الترتيبات الأمنية اللازمة لرفع حواجز عسكرية وإمكان انسحاب من مدن الضفة الغربية «إذا أبدى الفلسطينيون استعداداً لتسلم المسؤوليات الأمنية عنها»، معتبراً سنة 2005 «سنة الفرصة» التي تنطوي على فرصة بلورة واقع جديد يضمن الأمن للإسرائيليين. وأعرب عن أمله بأن لا يبقى أي جندي إسرائيلي في المدن الفلسطينية بحلول نهاية هذا العام. وزاد انه ليس هناك أي تعهد إسرائيلي بوقف استهداف الناشطين الفلسطينيين «لكن ليس من سبب يدعونا إلى القيام بعمليات طالما تواصل الهدوء».
يعالون: هدوء نادر لكنه هش!
وارتأى قائد الجيش الجنرال موشيه يعالون عدم الحديث عن هدنة إنما عن «وقف عملي للعمليات المسلحة». وقال للوزراء إن قطاع غزة شهد هدوءاً تاماً بل نادراً «لكنه هدوء هش يستوجب متابعته مع ابداء اليقظة».
وأضاف أن ثمة جهات تحاول عرقلة المساعي لتحقيق الهدوء «وأعني أساساً سورية وحزب الله». ورأى ان التحركات الفلسطينية لتحقيق الهدوء نجمت عن «الضغوط واستعداد الجيش للقيام بعمل عسكري فوري»، ما حدا، برأيه، بـ«أبو مازن» الى تبكير موعد محادثاته مع المنظمات المسلحة التي قبلت بالتهدئة لكن ليس بهدنة. وزاد ان غضب الشارع الفلسطيني على عملية تفجير الشاحنة في «معبر كارني» واغلاقه، فعل هو أيضاً مفعوله في اتجاه التوصل الى اتفاق التهدئة. وقال القائم بأعمال رئيس الحكومة ايهود اولمرت ان أفعال «أبو مازن» على الأرض تثبت انه يحاول، ما يستدعي من اسرائيل التصرف بحكمة وتشجيع الرئيس الفلسطيني لا الاثقال على كاهله.
ووصف النائب الأول لرئيس الحكومة شمعون بيريس رئيس السلطة بـ«الانسان الجدي الذي يبدي رغبة حقيقية ومثابرة من أجل تحقيق الهدوء». في المقابل، رأى عدد من وزراء «الليكود» انه «يجب الحذر من أن يعرض الفلسطينيون على العالم خطواتهم الأخيرة وكأنها تنفيذ لاستحقاقات المرحلة الأولى في «خريطة الطريق» الدولية تستوجب القفز الى المرحلة الثانية. وطالبوا «أبو مازن» بشن «حرب حقيقية على الفصائل المسلحة وتفكيك البنى التحتية للارهاب».
وفي موازاة الحذر الذي عمد أقطاب الحكومة الى ابدائه لدى تقويمهم التطورات الأخيرة، نقلت وسائل الإعلام العبرية عن كواليس المستويين السياسي والعسكري بالغ ارتياحهما لجهود رئيس السلطة الفلسطينية. وكتب المعلق السياسي في «هآرتس» الوف بن نقلا عن أوساط سياسية وأمنية قولها ان «أبو مازن» فاجأ الاسرائيليين بسرعة تحركه لوقف اطلاق «القسام» ونشر قوات الأمن الفلسطينية في القطاع «بعدما أدرك وجوب التحرك فوراً حيال الضغوط الاسرائيلية والدولية». وقالت هذه الأوساط ان ما فعله «أبو مازن» فاق توقعاتنا وان ليس من شك في أن تغيير القيادة الفلسطينية أحدث انعطافة في الواقع السياسي والأمني. وزادت ان شارون يريد تعزيز مكانة «أبو مازن» لكن شرط أن لا تنتهي «حربه على الارهاب» عند الخطوات الأولى التي اتخذها في غزة.
ونقلت «معاريف» عن مسؤول في شعبة الاستخبارات العسكرية قوله ان التطورات الأخيرة ذات «مغزى تاريخي» على رغم انه من السابق لأوانه الحديث عن انتهاء المواجهات ونهاية الإنتفاضة ويجب التيقن ان الهدوء لم ينجم عن الانشغال بعيد الأضحى.
وتابع قائلاً إن سلوك «أبو مازن» هو مفاجأة تامة «بل مفاجأة العقد الأخير»، مضيفاً ان رئيس السلطة الفلسطينية اتخذ قراراً استراتيجياً بشطب الماضي وفتح صفحة جديدة «بعدما فهم ان تكرار أخطاء سلفه ستقوده الى المصير ذاته... الى سجنه في (مقر الرئاسة في رام الله) المقاطعة».
وأغدق رئيس مجلس الأمن القومي الجنرال غيورا ايلاند المديح على «أبو مازن» الذي «أصدر تعليمات حقيقية وصادقة الى الفصائل بوقف العمليات، انه يتحدث بلغة واحدة ولا يعتمد سياسة البوابة المستديرة».
وقال مصدر أمني كبير فضل عدم الكشف عن اسمه أمس 23/1، انه يؤيد منح تسهيلات للفلسطينيين والقيام ببادرات حسن نية تجاه «أبو مازن» لتعزيز مكانته في أوساط الفلسطينيين ليتسنى له بسط سيطرته ميدانياً وتحقيق التهدئة. وأضاف انه ينبغي على اسرائيل اتخاذ خطوات عملية ليشعر الفلسطينيون ان تغييراً طرأ على أوضاعهم الاقتصادية وأن بارقة أمل تلوح بفتح صفحة جديدة في العلاقات. وتابع ان انشغال الفلسطينيين باحتفالات الأضحى ساهم في الهدوء الناشئ لكنه لم يكن العامل الرئيسي.
اتهامات لـ«حزب الله» وسورية
واتهم المصدر مصر بعدم القيام «بما فيه الكفاية» لمنع تهريب الأسلحة من سيناء والنقب الى قطاع غزة، كما اتهم «حزب الله» وسورية وايران بالعمل على عرقلة مساعي «أبو مازن» للتهدئة.
في السياق ذاته، يعتزم وزير الخارجية الاسرائيلي سيلفان شالوم طرح «الخطر الذي تشكله سورية وحزب الله» على رئيس السلطة الفلسطينية في محادثاته مع نظيرته الاميركية كوندوليزا رايس أثناء زيارته الحالية لواشنطن.
وقالت مصادر سياسية ان شالوم ومسؤولين اسرائيليين آخرين سيطالبون واشنطن بممارسة ضغوط على دمشق «لتكف عن حض حزب الله على تسخين الاجواء على الحدود اللبنانية ودعم العمليات الفلسطينية المسلحة».