المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

"الذين يميلون إلى التأثر بسخاء شارون بشأن الانتخابات في شرقي القدس عليهم أن يحذروا: لا تقرأوا شفاه رئيس الحكومة، وإنما تطلّعوا إلى يديه"

أكد الخبير القضائي الاسرائيلي دانيئيل زايدمان، في تعليق خصّ به صحيفة "هآرتس" يوم 25/11، أن ثمة ما يفاجئ في الاستجابة الظاهرية من قبل رئيس الحكومة، أريئيل شارون، لمطلب إشراك فلسطينيي شرقي القدس في انتخابات السلطة الفلسطينية. إذ من المعروف أن شارون ليس نصيراً كبيراً لـ"تدابير بناء الثقة"، وخصوصاً في العاصمة. ومنطقي أكثر الافتراض بأن رئيس الحكومة فهم أنه حتى إدارة بوش المتعاطفة، لن تتمكن من ابتلاع حرمان حق الانتخاب في إجراء ديمقراطي تطالب الإدارة الأميركية علناً به.

ولكن "الشيطان يكمن في التفاصيل"، يضيف هذا الخبير. والتفاصيل تخفي نوايا مختلفة في جوهرها. ففي انتخابات السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1996 وضعت حكومة إسرائيل عراقيل أمام سكان شرقي القدس الذين ارادوا المشاركة في الانتخابات، وحالياً فإن العراقيل أكبر. فمراكز التسجيل للانتخابات التي فتحت في الصيف الماضي من القدس أغلقت بأمر وزير الأمن الداخلي، كما أن قسماً من خمسة فروع البريد التي أُجريت فيها الانتخابات عام 1996 (والتي لم تكن كافية) قد أُغلق. وإذا كانت الحواجز المتنقلة التي وضعت آنذاك قد جعلت الوصول الى صناديق الاقتراع صعباً، فإن الجدار الفاصل الذي يحيط بالقدس سيجعل الأمر أصعب مرات ومرات.
وفي عام 1996 جرى بث إشاعات بأن من يشارك في الانتخابات سوف يفقد حقه في الإقامة في القدس. وفي عام 2004 يحظى الأمر بأصداء على لسان القائم بأعمال رئيس الحكومة، إيهود اولمرت، الذي أطلق تهديداً مبطناً في إعلانه بأن الانتخابات مُعدّة فقط لأولئك الذين سيكونون جزءاً من السلطة الفلسطينية، في الوقت الذي أُقيمت في وزارته لجنة لدراسة أمر إخراج عدد من أحياء القدس الشرقية خارج النطاق البلدي للمدينة. وفي منتصف الليل يدقّ جنود حرس الحدود على أبواب البيوت في تلك الأحياء والقرى في منطقة القدس، والتي تقسمها حدود بلدية شبه وهمية كما في عناتا والولجة، ويعتقلون الرجال الذين تجرأوا على الانتقال من جهة الى جهة أخرى في الحي نفسه، من دون الحصول على التصريح الملائم. أما المقيمون غير الشرعيين (في قراهم) فيتم اقتيادهم الى الخط الوهمي الذي يحدد النطاق البلدي، وأحياناً الى المعتقل. وحتى الآن جرى، منذ بداية العام، هدم أكثر من 120 منزلا بحجة بنائها من دون ترخيص، ويسجل هذا الرقم إرتفاعًا بمئات النسب مقايسة بالمعدل المتعدد السنوات خلال الأعوام الأخيرة. وعندما يتوجه الأهالي إلى مؤسسات التخطيط والبناء من أجل دفع برامج تؤهل البناء القائم فإن هذه المؤسسات تمتنع عن إصدار إرشادات في هذا الصدد بحجة "الحساسية الأمنية والسياسية" لمناطق سكناهم.

وزاد: منذ عام 1967 مالت دولة إسرائيل إلى احترام تعقيدات القدس وحساسيتها. ولم تمارس أية حكومة بشكل دقيق سيادتها في المدينة. فلم تطلب أبداً من سكان المدينة التخلّي عن هويتهم الوطنية، وطوّرت قواعد لعب حافظت على توازن دقيق بين الهوية والمصلحة الإسرائيلية.
ولكن كل هذا تغيّر. فتحت الانطباع الشديد لموجات الإرهاب، وفي ظل الجدار الذي يقطع القدس الشرقية عن محيطها، تدور حملة منسّقة هدفها تمليك القدس الشرقية للشعب اليهودي. لذلك فإن من يميلون الى التأثر بسخاء رئيس الحكومة بشأن الانتخابات في شرقي القدس عليهم ان يحذروا: لا تقرأوا شفاه رئيس الحكومة، وإنما تطلّعوا إلى يديه.

وفي رأي زايدمان، وهو المستشار القضائي لجمعية تختص بشؤون القدس باسم "مدينة الشعوب"، فإن الميول المتبدّية في سياسة الحكومة الاسرائيلية الحالية، بما في ذلك أمر إجراء الانتخابات، لا تنبئ بفترة هدوء بين إسرائيل والفلسطينيين في القدس، وإنما العكس. وإذا كانت إسرائيل ترغب في المحافظة على مصالحها الحقيقية في القدس- الإشراف على التركيب القومي في المدينة، وتعزيز استقرارها والمحافظة على فرصة التوصل إلى تسوية في المستقبل- فيجب العمل لإحباط السياسة عديمة المسؤولية لحكومة شارون.

وأكد الخبير نفسه أن التحدّي المباشر الآن واضح، وهو خلق الظروف لإجراء انتخابات حرة وسليمة في شرقي القدس، يستطيع السكان عبرها تجسيد حقهم دون خوف. ولا ينبغي الاكتفاء بالتصريحات. ويجب إعادة فتح سجل الناخبين، وترتيب الشروط لإجراء المعركة الانتخابية، وتحديد أماكن مناسبة لوضع صناديق الاقتراع، وتسهيل حرية الحركة الضرورية لأي إجراء ديمقراطي. إن منح الإمكانية لسكان شرقي القدس للإعراب عن هويتهم الوطنية وارتباطهم بالمحيط السياسي الذي ينتمون إليه هو ليس فقط مصلحة فلسطينية، وإنما كذلك مصلحة إسرائيلية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات