المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 675

كتب علاء حليحل:

إذا كنتم تعتقدون أنّ بوش ونظامه يهتمّان حقًا بما يجري في شرق أوسطنا فقد أخطأتم خطأً فظيعًا. هذا، على الأقل، ما يقوله بروفيسور جيرولد شطاينبرغ، الأستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة "بار أيلان" الاسرائيلية، رئيس دائرة "إدارة وتسوية النزاعات والمفاوضات"، والمتخصص في المجال الأمني والدفاعي الاستراتيجي، في حديثه مع "المشهد الاسرائيلي". شطاينبرغ هو واحد من الأسماء البارزة في مجاله، وهو معلق في عدة وسائل إعلام عالمية منها الـ "سي إن إن" والـ "بي بي سي"، وله عمود أسبوعي في جريدة "جيروزاليم بوست" اليمينية، بالاضافة إلى كونه مستشارًا أكاديميًا لأكثر من مؤسسة يهودية عالمية، كما يشغل عضوية لجنة التوجيه في "الكونغرس اليهودي العالمي"، والكثير الكثير من النشاطات اليهودية اليمينية.

 

من هنا، وعندما يقول شطاينبرغ إن بوش لا يفكر بنا، كما نفكر نحن به، فإنّ لمقولته هذه أبعادًا تتجاوز مدلولتها الآنية الحصرية كمختص إسرائيلي يُستشفّ رأيه. خاصةً إذا أخذنا بالحسبان أنّ شطاينبرغ مقتنع تمامًا بأنّ بوش ونظامه نفضوا أيديهم منّا بسبب يأسهم من الفلسطينيين ومن عرفات بالتحديد!! لن تجد أفضل من هذه الأقوال، تجتمع إلى مكانة ومركز هذا الانسان، لتتعرف على التطابق المذهل والمُريب بين المصالح اليهودية وبين ما يفكر به بوش ونظامه.

 

خطاب حزيران

في الرابع والعشرين من حزيران للعام 2002 طرح الرئيس الأمريكي، جورج بوش، رؤياه للسلام في الشرق الأوسط، "القائمة على أساس دولتين، إسرائيل وفلسطين، تعيشان جنبا إلى جنب في أمن وسلام"- كما جاء في البيان الذي أصدره آنذاك البيت الأبيض. وأضاف البيان وقتها: "وفيما طالب الرئيس الأميركي بضرورة انتخاب قيادة فلسطينية جديدة خاضعة للمحاسبة وغير ملطخة بالإرهاب، فإنه دعا إسرائيل إلى الانسحاب الى حدود ما قبل اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 28 أيلول 2000. وطالب اسرائيل أيضا بوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة".

وقال بوش في ذلك الخطاب سيّء الصيت: "إن السلام يتطلب قيادة فلسطينية جديدة ومختلفة كي يكون بالإمكان ولادة دولة فلسطينية. وإني أهيب بالشعب الفلسطيني أن ينتخب قادة جددًا، قادةً لا تكون سمعتهم ملطخة بالإرهاب. وأهيب بهم أن يبنوا ديمقراطية فاعلة ترتكز على التسامح والحرية. وإذا سعى الشعب الفلسطيني بفعالية وراء هذه الأهداف، فستؤيد أميركا والعالم بفعالية جهودهم".

على هذه الاقتباسات بالذات يعتمد بروفيسور شطاينبرغ عندما يقول إن بوش ونظامه "يئسا من عرفات. الخطاب الذي ألقاه بوش (في الرابع والعشرين من حزيران- ع.ح.) يتطرق إلى هذا الأمر. ما لم تسُد الديمقراطية في السلطة الفلسطينية فإن الادارة الأمريكية لن تُحرّك ساكنًا وبشكل جدي لفعل شيء ما في المنطقة. ليست هناك أية توقعات من أية خطوة مستقبلية. الادارة الأمريكية سترسل باول أو غيره لفحص الأمور، ليس أكثر."

- إذًا أنت تقول إنّ الجلبة والضوضاء اللتين أثيرتا في إسرائيل مؤخرًا حول الاستفتاء في "الليكود" هما غير مُبرّرَتيْن.

"نعم. فما حدث هنا كان مبالغًا به. صحيح أنه من المهم لبوش أن يُري شعبه أنه باستطاعته تحقيق نتائج وإبراز الانجازات. ولكنه لا يهتم بالتفاصيل، ولا يعير موضوع النزاع الاسرائيلي - الفلسطيني أهمية كبيرة. ما يهمه هو منع مواجهة مستعرة قبل الانتخابات- ليس أكثر من ذلك."

- إذًا فإنّ زيارة أحمد قريع للولايات المتحدة هي غير مجدية سلفًا؟

"هذا ما يبدو لي في الواقع، لأنّ هذا ما ينعكس في الممارسات الفعلية. أعتقد ذلك. أعتقد أن شارون سيقول لـ "أبو علاء" ما قاله في خطابه. هذه ستكون روح الكلام: إصلاحات ومحاربة الارهاب. هذا ما سيكون فقط."

إذًا، وإذا صحّت تقديرات شطاينبرغ، فإن تصريح احمد قريع، رئيس الحكومة الفلسطينية، حول زيارته إلى الولايات المتحدة، لا تعكس واقع ما يدور في أروقة الجناح الغربي في البيت الأبيض. قريع: "الاتصالات مع الولايات المتحدة الأمريكية موجودة ومستمرة. فقد تحدث الوزير باول معي أكثر من 5 مرات وكانت هناك وفود أمريكية عديدة وصلت الى المنطقة ضمت بيرنز من الخارجية الامريكية وستيف هادلى واليوت أبرامز (احد الموقّعين على "إعلان المبادئ" المذكور في هذا التقرير لاحقًا- ع.ح.) ونحن على اتصال دائم مع القنصل الأمريكي العام في القدس وبالتالى فلم تنقطع صلتنا مع الإدارة الامريكية."

 

استفتاء الليكود؟.. أضحكتم بوش!

في بداية الأسبوع، نشر المعلق السياسي لصحيفة "هآرتس، ألوف بن، مقالا قال فيه إن الادارة الأمريكية تبنّت خطة الانفصال التي رفضها أعضاء "الليكود" الأسبوع الماضي. بروفيسور شطاينبرغ يقول إنّ هذا جائز جدًا، بروح ما يقوله عن عدم اهتمام بوش حقًا بما يجري في غزة ونابلس: "لبوش مشاكل في العراق. وهو يرغب في الهدوء وعليه أيضًا أن يعمل في مقابل شارون. أنا أعتقد أن البديل لما طلبه شارون في خطابه في 2002 هو بديل حالي ويمكن أن يكون خطة فك الارتباط".

- أي أنّ نتائج الاستفتاء لم تؤرق بوش أو باول؟

"أعتقد أنها أثرت عليهما بشكل طفيف جدًا. الرئيس الأمريكي لا يرى أية حاجة في أن يسأل نفسه: هل إذا أعطيتُ اكثر فإنني سأتلقى أكثر؟ الجواب بالنسبة له معروف ولذلك فإنه لا يعوّل كثيرًا على ما يحدث. كما أنّ بوش ينظر إلى ما حدث مع كلينتون (ببِل، الرئيس الأمريكي السابق- ع.ح.) الذي أمضى سنوات كثيرة (في محاولة التوصل إلى اتفاق) وحصل في النهاية على صفعة من عرفات. بوش لا يرغب في الاستثمار في الجانب الفلسطيني وألا يحصل على شيء في النهاية."

قد يكون من الصعب أحيانًا الالتزام بالهدوء مقابل شخص يروي لك كل ما تكرهه وتعارضه. بروفيسور شطاينبرغ منحاز بكليته إلى إسرائيل والصهيونية، هذا واضح. كما أنه يتبنى البروبغندا الاسرائيلية التي تنصّب عرفات المتهم الأكبر والوحيد في هذا النزاع. ولكنّ ما يقوله شطاينبرغ جدير بالاصغاء أيضًا. فهو يتحدث بثقة كاملة وبلهجة العارف بالأمور. وبحكم موقعه ومعرفته واتصالاته الكثيفة في الولايات المتحدة الأمريكية فإنّ لما يقوله "مصداقية" من الناحية المعلوماتية. كما أنّ ما يقوله ينطبق في معظمه مع الواقع. فبوش وإدارته أعلنا بعد نتائج الاستفتاء في "الليكود" عن الاستمرار في دعمهما لشارون والتعهدات المميتة التي أطلقها بوش له، في مطلع نيسان المنصرم في واشنطن. وهذا الاعلان يعبّر في جوهره عن أمرين اثنين: الدعم الأعمى والمطلق لشارون؛ والاستخفاف بنتائج الاستفتاء إلى درجة عدم اعتباره حدثًا مهمًا لإعادة النظر في التعهدات الأميركية.

- إذا كان العراق هو الشغل الشاغل لبوش الآن، فهل سيأتي دور الفلسطينيين والاسرائيليين لاحقًا؟

"كلا. بوش يسعى لإحلال الديمقراطية، ضمن مشروعه الكبير، عند الشعوب العربية في الدول الكبرى المهمة: العراق، سوريا ومصر. الفلسطينيون مثلا غير مهمين أبدًا في هذا السياق."

- ولكن ألا يولي بوش أيّ اهتمام للنظرة السلبية عند الشعوب العربية والاسلامية باتجاه أمريكا؟

"هذه النظرة اشتدت بسبب قضية التعذيبات وصور التنكيلات في السجون العراقية. الأمر الأساس والذي يعلو على كل شيء عند بوش هو العراق واحتمالات الفشل فيه. هذا هو أهم شيء."

 

القرن الأمريكي الجديد

في العام 1930 وُلد طفل لعائلة يهودية في المجر (هنغاريا) إسمه جورج سوروس. وقد نجحت العائلة في الصمود أثناء الغزو النازي وبعد الاحتلال السوفييتي في العام 1947، ليهرب سوروس في تلك السنة إلى بريطانيا. في العام 1956، وبعد أن أنهى دراسته في "لندن سكول أوف أيكونومست" انتقل إلى الولايات المتحدة ليحصل فيها على الجنسية الأمريكية. وفي أمريكا اشتغل موظفًا بنكيًا متخصصًا في الاستثمارات والعمليات النقدية. في العام 1992 راهن ضد كل الاحتمالات التي تعلقت بالعملة الانجليزية ليكسب من هذا الرهان النقدي أكثر من مليار دولار. بعد هذه المغامرة عُرف سوروس بلقب "الرجل الذي كسر بنك إنجلترا". ومن وقتها يسخّر سوروس في كل سنة مبالغ هائلة للمنظمة التي أسسها، "المجتمع المفتوح" (OSI- Open Society Institute)، لغرض تدعيم الديمقراطية.

لماذا سوروس مهم في سياقنا الآن؟ لأنه أقوى شخصية في الولايات المتحدة الأمريكية في أيامنا تحمل لقب "الرجل الذي يريد كسر بوش". فمن خلال عمل مؤسسته وتبرعاتها بمليارات الدولارات لجامعات ومؤسسات في أوروبا وأفريقيا وآسيا، ينشط سوروس في 50 دولة اليوم، وهو من أشد المعارضين للهيمنة الأمريكية في العالم، ويعمل في هذه الأيام بكل ما أوتي من قوة ومن تأثير لإسقاط الرئيس بوش عن سدة الحكم. ما يهمنا الآن، وفي سياق ما يحدث على أرض الواقع، في العراق وفلسطين وغيرهما، هو الكتاب الأخير الذي وضعه سوروس تحت إسم "بوتقة الفوقية الأمريكية".

ففي كتاب "البوتقة" يستعرض سوروس السياسة الأمريكية السائدة اليوم في العالم، وليس أهم من ذلك أمران: الأول: الطروحات التي يقترحها لتغيير هذا الوضع؛ والثاني: تسجيلات للمرحلة التي سبقت اعتلاء بوش وزمرته لسدة الحكم في أمريكا، ومنظومتهم الواضحة والمتينة. وفي هذه التسجيلات كشف مذهل في بعض جوانبه. فهو يكتب عن "إعلان المبادئ" الذي صاغه ووقع عليه 25 إسمًا من "ألمع" أسماء "المحافظين الجدد" في الولايات المتحدة: دونالد رامسفيلد، ديك تشيني، فرانسيس فوكوياما، بولا دوبريانسكي وغيرهم. وُقع هذا البيان وصيغ في العام 1997، وكان بيان التأسيس لما عُرف بعد ذلك بـ "المشروع من أجل القرن الأمريكي الجديد". لتوضيح أهمية هذا البيان في سبيل فهم السياسة الأمريكية الحالية من الجدير اقتباس أهم ما فيه:

" لا وجهةَ لسياستي الخارجية والدفاع الأمريكيتيْن. (...) المحافظون لم يشعروا بالثقة اللازمة للإعلان عن رؤيا إستراتيجية بشأن دور أمريكا في العالم. لم يبسطوا مبادئ توجيهية لسياسة أمريكا الخارجية. لقد سمحوا لخلافات في الرأي بالتعتيم على موافقة محتملة بما يخص الأهداف الاستراتيجية. ولم يحاربوا من أجل ميزانية دفاع تحافظ على أمن الولايات المتحدة وتدفع بالمصالح الأمريكية في القرن الجديد.

"هدفنا هو تغيير ذلك. هدفنا هو طرح الموضوع وتجنيد دعم للقيادة الأمريكية الكونية. وفي الوقت الذي يقترب فيه القرن العشرون من نهايته، تبرز الولايات المتحدة كأبرز قوة عظمى في العالم. وبعد أن قادت الغرب إلى النصر في الحرب الباردة، فإنها تواجه فرصة وتحديًا: هل للولايات المتحدة رؤيا تنبني على إنجازات العقود الأخيرة؟ هل للولايات المتحدة تصميم على بلورة القرن الجديد، بحيث يعود بالخير على المبادئ والمصالح الأمريكية؟

"يبدو أننا نسينا الأسس الأساس لنجاحات إدارة ريغن: جيش قوي، مستعد لمواجهة تحديات في الراهن والمستقبل؛ سياسة خارجية تدفع بشجاعة وبتصميم المبادئ الأمريكية في الخارج؛ وقيادة قومية، تأخذ على عاتقها مسؤولية الولايات المتحدة الكونية. هدفنا هو تذكير الأمريكيين بهذه العِبر واستخلاص استنتاجات منها تخص أيامنا هذه. فيما يلي أربعة استنتاجات:

·         علينا زيادة المصاريف الدفاعية بشكل كبير، في حالة ورغبنا في تطبيق مسؤوليتنا الكونية اليوم، وتجديد قوتنا العسكرية مستقبلاً.

·         علينا تقوية علاقاتنا مع حليفاتنا الديمقراطيات وتحدي الأنظمة المعادية لمصالحنا وقيمنا.

·         علينا دفع منظومة الحرية السياسية والاقتصادية في خارج البلاد.

·         علينا أن نأخذ على عاتقنا المسؤولية عن مهمة الولايات المتحدة المتميزة في الحفاظ على نظام دولي ودود لأمننا، وتوسيعه، وعن ازدهارنا وعن مبادئنا."

 

* * *

في العام 1998 بعث غالبية الموقعين برسالة علنية إلى الرئيس كلينتون يدعمون فيها غزو العراق. بعد هذه الرسالة بخمس سنوات كان الموقعون بغالبيتهم مسؤولين عن أو شركاء في الغزو الحالي على العراق! من يبحث عن إثبات قاطع بأنّ ما يحدث اليوم في العراق ليس إلا البداية فليقرأ هذا الكتاب.

سألتُ بروفيسور شطاينبرغ عن سوروس وكتابه. شطاينبرغ: "سوروس هو معارض لبوش، ومن أجل هذه المعارضة يمكن أن يقول أي شيء أو أن يكتب أي شيء. في نظري ما يكتبه هو رأيه الخاص عمّا يحدث، ولكل منا رأيه الخاص".

قد تكون هذه الاجابة والاستخفاف بسوروس وما يكتبه هما الاستراتيجية المتبعة في الولايات المتحدة ضد سوروس ومبادئه. ولكن هل يقنع ذلك أحدًا يقرأ هذا الكتاب ويشاهد "الجزيرة" لنصف ساعة في اليوم؟؟

 

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس, الليكود, رئيس الحكومة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات