كتب فراس خطيب:
أصدرت جمعية "أطباء لحقوق الانسان" وجمعية "لا للحواجز" الاسرائيليتان، مؤخراً، تقريرا ميدانيًا موسعًا تحت عنوان "بيروقراطية في خدمة الاحتلال" إرتكز على تحقيق ميداني أجراه مختصون من الجمعيتين استعرضتا من خلاله قضية "مكاتب الارتباط" الاسرائيلية والفلسطينية الموجودة في الاراضي الفلسطينية المحتلة. وكشف التقرير النقاب عن المآسي والمعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون من جراء سياسة إسرائيل المتبعة حيال هذه المكاتب والتي تزيد من عناء الفلسطينيين. وأكد أن هذه المكاتب "التي من المفروض ان تسهل عليهم، تلعب دورًا رئيسيا في اخضاع الفلسطينيين الى اوضاع غير انسانية وصعبة".
وجاء في التقرير ان الاحتلال الاسرائيلي يستعمل ادوات عديدة لزيادة معاناة الفلسطينيين الامر الذي يتناقض تناقضاً كاملاً مع أدنى حقوق الانسان، ويترجم هذا عن طريق "عنف الجنود الاسرائيليين" المتزايد في الحواجز التي ينصبها الإحتلال الاسرائيلي، كذلك "المعاناة الناتجة عن هدم البيوت" الذي تقوم به السلطات الاسرائيلية امام عيون أصحابها. واستعرض التقرير ردود الفعل والحجج الامنية التي يتذرع بها الإحتلال بعد الكشف عن ممارساته العنيفة، اذ يقوم الاحتلال بتبرير اعماله العنيفة بحجج امنية امام محكمة العدل العليا الاسرائيلية التي تبحث هذه الموضوعات.
العنف البيروقراطي
زيادة على "العنف المكشوف"، الذي تتبعه السلطات الاسرائيلية، ازاح التقرير النقاب عن نوع آخر من العنف، الا وهو "العنف المخفي" الذي تمارسه سلطات الاحتلال. وقد أكد الباحثون ان التقرير يسعى الى إثبات وجود "عنف بيروقراطي" داخل المناطق التي جرى فيها البحث. ويظهر "العنف البيروقرطي" بأسوأ تجلياته في شريط فيديو مرفق للتقرير حصل "المشهد الاسرائيلي" على نسخة منه، اذ تظهر من خلال هذا الشريط معاناة حقيقية يكابدها الفلسطينيون في مكاتب الارتباط، وهذا ما يستعمله الاحتلال لإخضاع الفلسطينيين. ويتجلى "العنف البيروقراطي" من خلال هذا التقرير في النفسية السيئة التي تنتاب الفلسطينيين، وساعات الانتظار التي تكسر نكهة الحياة اليومية، اذ يظل الفلسطيني عالقًا بينه وبين نفسه وعلى مدار ساعات انتظار طويلة ما اذا كانوا سيوافقون على منحه تصريحًا لحرية التنقل او لا، الامر الذي يجعل الفلسطينيين تحت سيطرة الجنود الكاملة أثناء هذا الانتظار، وهذا هو "العنف البيروقراطي" بعينه كما يدعي القائمون على التقرير.
وقارن التقرير بين حياة الفلسطينيين اثناء تواجدهم على الحاجز، وبين ما يعانونه في مكاتب الارتباط، واوضح ان الامر مختلف في مكاتب الارتباط عنه في الحواجز، فلا يوجد مجتمع فلسطيني في مكتب الارتباط كما هي الحال على الحاجز الذي يستقطب الكثير من الفلسطيينين، ففي مكاتب الارتباط هناك فئة من الناس تتوسل من اجل الحصول على تأشيرة دخول، ويصفهم التقرير بانهم "الفئة الاسهل والتي من الممكن السيطرة عليها في ظل السياسة التي يتبعها الاحتلال". وكشف التقرير ايضا ان اعطاء التصريح لفلسطيني معين يعني سحبه من انسان فلسطيني آخر، الامر الذي يبتعد عن شأن في إطار "حقوق الانسان". وزاد التقرير انه ومع استمرار الاغلاق وصعوبة التنقل تسعى الكثير من المنظمات بما فيها منظمات لحقوق الانسان الى الحصول على تأشيرت لتسهيل التنقل، وهذه الحاجة لمثل هذه المكاتب والمحافظة على الـتأشيرات (التي من الممكن الحصول عليها) تساهم في الحفاظ على "احد الاجهزة التي تضر حرية المجتمع الفلسطيني"، الا وهو جهاز مكاتب الارتباط.
ويستعرض التقرير المعطيات التي جاءت من مكاتب الارتباط في المناطق المحتلة، وجاء فيها ان 4 في المئة من سكان الضفة الغربية حصلوا على تأشيرات لحرية التنقل في ظل الاغلاق التام، و5.3 في المئة فقط منهم حصلوا على تأشيرات دخول الى داخل اسرائيل، والحديث جارعن نسبة 10 في المئة الذين حصلوا على تأشيرات متنوعة خلال العام 2003 كله.. واستنتج من خلال التقرير انه لا يمكن التوصل الى حياة طبية وصحية سليمة في حال ان اكثر من 90 في المئة من سكان المنطقة لا يملكون حرية التنقل، وهو ادنى ما يتمتع به الانسان العادي.
وجاء في توصيات الجمعيتين (اطباء لحقوق الانسان ولا للحواجز)، انه يجب التصدي لمثل هذه الممارسات التعسفية التي يمارسها الاحتلال. وأكدت الجمعيتان ايضا ان هذا التصدي يجب ان يأتي عن طريق الفلسطينيين والاسرائيليين في آن واحد.. ودعتا الاجهزة الاسرائيلية المعنية الى الاحجام عن سياسة الحواجز الداخلية واعطاء حرية وامكانية التنقل داخل الضفة الغربية، وحرية تنقل ايضا لمواطني الضفة الغربية من اجل الوصول الى المستشفيات الفلسطينية في القدس الشرقية. وذكر التقرير انه في الحالة التي تستمر فيها اسرائيل في السيطرة على المناطق المحتلة فهي مسؤولة عن تحسين الظروف اللازمة.
"الشاباك" وتجنيد المتعاونين
يكشف التقرير عن تدخل جهاز الأمن العام (الشاباك) في موضوع التصاريح التي تعطى للفلسطينيين، فمكتب الشاباك موجود من وراء مكتب الارتباط ومحاط بجدار حديدي، ويجري اللقاء بين المواطنين وبين الشاباك بعدما يطلب المواطن بإزالة امر المنع عنه واعطاءه تصريحًا ينص على حرية التنقل، وهذا الامر يتطلب تصريحاً من الشاباك، والشخص الذي يطلب مثل هذا التصريح عليه ان يتواجد في مكاتب الشاباك. وقد وصف التقرير اليد الحديدية التي يستعملها الشاباك من اجل "عدم إزالة" امر المنع عن الفلسطينيين. وقد وصف احد ضباط الشاباك ذلك قائلا ان المنع سار على كل من قام بعملية "تخريبية" إضافة الى كل واحد مشكوك في امره ومن الممكن ان يقوم بعملية هو أيضًا. ويكشف التقرير ايضًا عن ان الانسان الذي قتل واحد من أقربائه على يد جيش الاحتلال يكون ذلك عذرا للشاباك من اجل اصدار امر يمنعه من التنقل. ويبرر الشاباك هذه القضية قائل،ا من خلال التقرير"لانه من المعقول ان يقوم هذا الشخص بعملية انتقام". واستعرض التقرير ايضا الفروقات بين المنع الامني على يد الشاباك والمنع الذي تقره الشرطة، وهو يسري عادة على من سكن في اسرائيل من دون تصريح.
يصف بعض الفلسطينيين الحالة على انها مزرية وان هذه العملية (التواجد في مكتب الشاباك) تحتاج الى الكثير من المجهود ولقاء الشاباك ليس سهلا، اذ يقوم البعض بإنتظار ساعات وساعات في الشمس من دون التوصل الى نتيجة. ويستعرض التقرير ايضًا الكثير من هذه الحالات وشهادات الاهالي الذين تواجدوا في هذا الحدث.
غير أن الأمر المثير يظل كشف التقرير عن حالة "خطيرة" يقوم الشاباك باتباعها من اجل اخضاع الفلسطينيين وهي الضغط عليهم وإغرائهم بإزالة اوامر المنع ومنحهم تأشيرات دخول في حالة قبول التعاون معه. ويتحدث شاب من خلال التقرير ان الشاباك عرض عليه ان يكون متعاونًا مقابل اعطائه تأشيرة دخول، إذ قام احد الضباط بإظهار صورة جوية يظهر فيها بيت المواطن، ولكن هذا المواطن كان ذكيا ولم ترهبه هذه الاساليب، وكشف عن حالات عديدة يقوم الشاباك من خلالها بتجنيد الشبان.
وكشف التقرير عن اماكن مكاتب الارتباط التي تخدم أعدادًا هائلة من المواطنين الفلسطينيين. ويؤكد أنه "على الرغم من المساحات المحتلة الهائلة توجد مكاتب ارتباط قليلة، تستقطب عشرات الآلاف من المواطنين، مما يزيد معاناتهم".