المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • ارشيف الاخبار
  • 824

 كتب سعيد عياش:

 أكد تقرير نشرته صحيفة "هآرتس"، في عددها الصادر يوم الإثنين، أن خطة بناء مواقع الإستيطان "العشوائية" في الأراضي الفلسطينية المحتلة بالضفة الغربية، والتي شرع غلاة المستوطنين المتطرفين بإقامتها قبل عدة سنوات، كانت ثمرة "جهد مخطط ومنظم" لعب رئيس الوزراء الحالي اريئيل شارون وكبار قادة الجيش الاسرائيلي دورا اساسيا في اطلاقه والاشراف عليه، واستهدف خلق تواصل استيطاني يهودي بين البؤر والتجمعات الاستيطانية القائمة فوق سلسلة المرتفعات الاستراتيجية في الضفة الغربية لقطع الطريق على تسوية تستند الى قيام دولة فلسطينية تمتلك مقومات الحياة، الى جانب اسرائيل.

 

 

وجاء في التقرير المطول، الذي كتبه مراسل الصحيفة لشؤون الاستيطان نداف شرغاي: قبل سنوات معدودة كانت مستوطنة "حورشاه" الصغيرة في تجمع دولب - طلمونيم الاستيطاني شمال غرب الضفة الغربية، لا تزال تعرف كـ "موقع استيطاني".

فوق التلة التي ترتفع 780 مترا والتي يمكن للانسان في يوم  صاف ان يشاهد منها خط شاطئ البحر المتوسط، تعيش اليوم نحو 30 عائلة يهودية. الجنرال موشيه يعلون، رئيس الاركان الحالي، ابدى رغبة شديدة، عندما كان نائبا لرئيس الاركان، في الاستيلاء على هذه التلة الاستراتيجية اما المستوطنون فلم يرغبوا بذلك بسبب الاهمية العسكرية للتلة وحسب، وانما أيضًا لتكون حلقة وصل، مع مواقع استيطانية اخرى، بين "طلمون" في الجنوب و "نحنئيل" في الشمال. وقد اوصى الجنرال يعلون  وقتئذ باقامة موقع فوق التلة ذاتها يشغله مستوطنون مدنيون او عسكريون (المهم الاستيلاء على التلة).

 

ويمضي "شرغاي" في تقريره: وكما حصل في قصة اقامة الكثير من المواقع الاستيطانية الاخرى في انحاء الضفة الغربية فقد كان اريئيل شارون في هذه المرة ايضا هو "العقل المدبر والمنفذ" لاقامة الموقع الاستيطاني فوق هذه التلة، حيث كان يشغل في تلك الفترة منصب وزير البنى التحتية. فخلال زيارة قام بها لموقع التلة، اكد شارون لمرافقيه من موظفي وزارات الاسكان والبنى التحتية ودائرة المياه قائلا: "هذا مكان استراتيجي من الدرجة الاولى. يجب الاستيلاء على هذه التلة، سنبني هنا اولا بركة للمياه". وحاول مسؤولو شركة "مكوروت" الذين وقفوا بجانب شارون ان يوضحوا له ان المكان مرتفع كثيرا وانه ثمة مشكلة تتعلق بالضخ. لكن شارون اوعز لهم بحزم "انا معتمد عليكم. يجب ان تحلوا هذه المشكلة". بعد ذلك خاطب شارون المستوطنين قائلا: "ضعوا حارسا على بركة الماء . سيشعر الحارس بالوحدة. ومن ثم سيتزوج وتصبح لديه عائلة واولاد يحتاجون الى اصدقاء او "رفقة" من اترابهم، وبالتالي ستأتي عائلات اخرى لتستوطن في المكان. وسيكون افرادها بحاجة لاقامة كنيس للصلاة ومرافق وروضة اطفال. وهكذا سيتحول "متسبي حورشاه" الى مستوطنة".

في غضون  بضع سنوات تحول تصور- سيناريو- شارون هذا الى واقع على الارض. وكان ذلك في فترة تولي بنيامين بن اليعيزر (في حكومة شارون الاولى) لمنصب وزير الدفاع.

 

ويستطرد "شرغاي" في تقريره مشيرا الى ان قصة هذا الموقع الاستيطاني "حورشاه" ليست فريدة من نوعها، بل هي قصة معظم التلال المشابهة التي تم الاستيلاء عليها والاستيطان فوقها، سواءً في المواقع الاستراتيجية مثل "ارطيس" او "مغرون" المجاورين لمستوطنة "بيت ايل" (شمال شرق رام الله) او في نطاق مواقع التواصل الاستيطاني اليهودي بين تجمعات وكتل استيطانية كبيرة أو كتل استيطانية أصغر.

هذه السياسة لا تولي أهمية لعدد العائلات أو المستوطنين القاطنين في مثل هذه المواقع الإستيطانية، فالشيء المهم والأساسي هنا هو "الأرض" والطريق اللذين يسيطر عليهما الموقع الإستيطاني.  لعل المثال الأبرز على ذلك هو منطقة مستوطنة "إيتمار" أو "إيتمار الكبرى" كما يسمي المستوطنون "سلسلة مواقع إيتمار" الإستيطانية (جنوب شرق نابلس)، فمشهد هذه المواقع وما بينها يبدو أشبه بقرية زراعية مترامية الأطراف تقوم على "العمل العبري الخالص".

على إمتداد هذه "السلسلة" شق المستوطنون في البداية طريقاً ترابياً يمتد حتى مستوطنة "غيتيت"، في غور الأردن.

وفي نطاق ما سمي بـ "إتفاق المواقع الإستيطانية"، الذي تم التوصل إليه عام 2000 بين مجلس المستوطنات ورئيس الوزراء العمالي إيهود باراك، تم إضفاء "الشرعية" على سلسلة المواقع الإستيطانية هذه في محيط مستوطنة "إيتمار"، والتي  شيدت في غالبيتها حالياً مساكن دائمة، وقد ضمت الخطة الضخمة التي صادق عليها باراك لـ "إيتمار" زهاء 6000 دونم.

ويأمل سكان مستوطنة "إيتمار" وعدد من المستوطنات الأخرى الواقعة فوق مرتفعات شمال الضفة، مثل "شيلو" و "شبوت راحيل" (شمال رام الله) في أن تتحول المواقع الإستيطانية المقامة في شكل عشوائي في المنطقة إلى حلقة وصل تربط هذه المستوطنات بمنطقة الأغوار شرقاً، كذلك الحال بالنسبة لمستوطنات "غيلو" و"معاليه لبونه" و"يتسهار"  المقامة على أطراف مدينة نابلس.  والمستوطنات المقامة جنوب الضفة الغربية حيث يسعى رؤساء المستوطنين هناك إلى استغلال العديد من مواقع الإستيطان العشوائية التي اقيمت في محيطها خلال السنوات الأخيرة، في سبيل إيجاد تواصل إستيطاني يهودي على إمتداد المنطقة التي تقع فيها تلك المستوطنات.

 

عيدي مينتس، الذي شغل إلى فترة قريبة منصب مدير عام مجلس المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة، أكد في تصريحات أدلى بها لصحيفة "هآرتس" قائلاً: "لقد اعتقد المستوى السياسي طوال الوقت أن من المفضل ومن الممكن فعلاً إيجاد هذه التواصلات الإستيطانية"، وأضاف أن إقامة مواقع الإستيطان "ليست ثمرة مبادرة شبان متحمسين - شبيبة التلال - وإنما هو عمل مخطط بدقة وإحكام، واستيلاء على مواقع استراتيجية". وأردف المسؤول السابق في مجلس المستوطنات مؤكداً على أن بناء المواقع الإستيطانية "تم بالتنسيق مع رئيس الوزراء... حيث جلس من جلس مع شارون، وقال له: هذه النقطة، أو هذا المكان، يتمتع بأهمية استراتيجية... بعد بضعة أيام عاد رئيس الوزراء ليقول لمحدثه: أنت محق، هذه نقطة هامة ... ينبغي الإستيلاء عليها".

وزاد مينتس في تأكيده قائلاً: "المواقع الإستيطانية كافة أقيمت بالتنسيق مع المستوى السياسي (الحكومة) وبعلمه المسبق ... على هذا النحو سارت الأمور حتى في ظل تولي بن اليعيزر لمنصب وزير الدفاع في حكومة شارون الأولى ... وهو الذي أعطى الإيعاز للأجهزة الرسمية ذات العلاقة بالتعاون وبإصدار التصاريح والموافقات اللازمة لغالبية المواقع" التي يزيد عددها عن مئة موقع إستيطاني منتشرة فوق معظم تلال ومرتفعات الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب.

 

 

المصطلحات المستخدمة:

اريئيل, راحيل, هآرتس, باراك, دورا, موشيه يعلون

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات