المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

كتب أسعد تلحمي:

"ما حدث في اليومين الأخيرين لم يحصل منذ ثلاث سنوات ونصف السنة. الخضة غير المسبوقة التي أحدثها تفجير ناقلتي جنود مدرعتين. ستة جنود ثم خمسة سقطوا فعلوا بنا ما لم يفعله نحو ألف قتيل سبقوهم. أنزلوا بنا "لبنان" ثانية. ليس لأن التفاصيل مطابقة... لبنان كما غزة نوع من اللعنة. انها لعنة لا يمكن دحضها. مسجلة في اطر سوداء في صحف اليوم, في صحف أمس لكنها ستحدث, ربما ما لم تأت به نحو أربع سنوات من الانتفاضة: نقاش حقيقي ومعمق ومؤلم يتناول السؤالين: ماذا نفعل والى أين نحن متجهون؟".

بهذه الكلمات, أوجزت الاذاعية الاسرائيلية ايلانه ديان الأجواء السائدة في اسرائيل، التي لم يعد حتى أقطابها المتشددون قادرين على تجاهلها لعجزهم عن تقديم أجوبة لاسئلة كثيرة طرحها أقطاب اليسار وعلى انتقادات قوية حملتها مقالات أبرز المعلقين على ما وصفوه بـ"الضربات الموجعة والكابوس المتكرر", كما عكست عناوين كبرى الصحف ذهولاً اسرائيلياً من هول العمليتين ونتائجهما. وكتبت "يديعوت احرونوت" في عنوانها الرئيسي: "ضربة تلو أخرى... لم ندفن جثث الجنود الذين قتلوا أول من أمس (الثلاثاء) لتحل كارثة جديدة شبيهة الى حد فظيع". واختارت "معاريف" عنوان "لعنة غزة", ونقلت عن ضباط كبار قولهم: "ان الوضع أسوأ مما كان عليه في لبنان".

وبثت الاذاعات العبرية أغاني تعكس كلماتها الشعور العام في الدولة العبرية ومنها أغنية يهودا بوليكار: "هذه حياتنا في الفترة الأخيرة... قد يكون الوضع أفضل... لكن قد تأتي النهاية أيضاً... مساء الخير أيها اليأس, طاب ليلك أيها الأمل... دور مَن الآن... مَن في الطابور القادم... هذه حياتنا في الأيام الأخيرة".

ويكتب المحرر في "يديعوت احرونوت" ايتان هابر: "امس خلص الكلام... ماذا يمكن ان نقول او نكتب بعد؟"، مشيراً هو ايضاً الى ان وقع الصدمة افظع حتى من تلك التي احدثها مقتل 500 ضابط وجندي اسرائيلي في يوم واحد ابان حرب العام 1973 او العمليات الاستشهادية التي قتلت 20 و30 شخصاً في باص واحد: "هذه المرة ضرب بندول اليأس الشارع الاسرائيلي من اساسه, ربما لأن الحديث هو عن نزيف لا نهاية له أو عن قصف اعمار شباب برمشة عين أو لأن الضربات المتتالية يوماً بعد يوم, خلقت ترسبات متراكمة من الالم". ويتابع ان اجواء انقباض الصدر التي تغلغلت في اعماق كل اسرائيلي وحوّلت اسرائيل الى "عائلة ثكلى واحدة مردها, ربما, الى النزيف غير المتوقف والجرح الذي يرفض ان يندمل لكنها, في الاساس ناجمة عن فقدان الامل وهذا فضلاً عن العجز المشترك لليمين واليسار, للجنود وذويهم, لا ضوء في نهاية النفق لا بل لا شرارة كبريت".

ويتفق المعلقون على ان التصعيد الحاصل يعود اساساً الى "الفراغ السياسي" الناشئ بعد استفتاء حزب "الليكود" على خطة فك الارتباط التي فرض فيها المتشددون رأيهم واجهضوها لتعم حال من الفوضى السياسية "وليدفع الجنود في هذه الايام الرهيبة ثمن الحماقة السياسية"، على ما يكتب بن كسبيت في "معاريف". وعاود المعلقون المطالبة بالاستعجال في الحسم قبل ان تتفاقم ظاهرة "لبننة القطاع" ويضطر الجيش الاسرائيلي الى الانسحاب مهرولاً "والذنب بين رجليه" كما حصل قبل اربعة اعوام بالضبط حين فرّ تحت جنح الظلام من جنوب لبنان. لكن, وازاء اصرار قادة الجيش على ما يسمونه "حسم وعي الفلسطينيين" بأنهم لن ينتصروا في مقاومتهم للاحتلال فان معلقين في الشؤون العسكرية يستبعدون ان تقر حكومة اريئيل شارون اليمينية الانسحاب, كما يطالب معظم الاسرائيليين بـ"حاجة الجيش الى وقت ليستعيد فيه قدراته الردعية" حسب المعلق عمير ربابورت في "معاريف" الذي يتوقع في حال كهذه ان يتكرر "سيناريو جنوب لبنان" بعد أن تبنى الفلسطينيون, برأيه, أساليب المقاومة اللبنانية وطوروا قدراتهم.

يبقى السؤال لمن ستكون الغلبة في هذا الصراع؟ لـ"انتفاضة شعبية" من أجل الانسحاب من غزة, كما يتوقع النائب يوسي سريد وحملة احتجاج تقودها الأمهات وفقاً لتوقعات النائب ابراهام بورغ, أم لنزوات قادة الجيش "الذين ارتكبوا حماقات بعدما رأوا الحداد القومي يتحول الى هستيريا عارمة", كما يكتب معلق الشؤون العسكرية في "يديعوت احرونوت" اليكس فيشمان, مضيفاً: "ان هؤلاء القادة يريدون الخروج الى حرب إبادة تعاقب وتقتل وتهدم وتبطش... انهم قلقون من أن تُحدث عملياً تفجير المجنزرتين نقطة تحول تضطر المستوى السياسي الى الانحناء والانطواء والانسحاب من غزة, تحت ضغط الارهاب... وإذا غلبت العاطفة على العقل فإن هذا ما سيحصل".

المصطلحات المستخدمة:

الليكود, اريئيل

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات