غالبية ردود الفعل في الساحة الإسرائيلية: العملية العسكرية في شمال قطاع غزة "بلا هدف"..
أوساط في الجيش الإسرائيلي تشكك في قدرة الجيش على المحافظة على "جدوى العملية" إذا ما استمرت لوقت أطول من الأسبوع الحالي
كتب سعيد عياش:
لا تزال العملية العسكرية العدوانية الواسعة، التي تشنها إسرائيل في شمال قطاع غزة منذ أسبوع، تستحوذ على الجزء الأكبر من اهتمام ومعالجات وسائل الإعلام والصحف اليومية الإسرائيلية.
ويلاحظ المتتبع لتغطية أصداء العملية في المنابر الإسرائيلية حالة من الإضطراب والتقلب وحتى "التململ" وعدم الرضى، تَغْلِب على معظم الآراء والتعليقات وردود الفعل الصادرة عن مختلف الأوساط الإسرائيلية، وأحياناً حتى الرسمية منها، ولعل ذلك مرتبط بكيفية ما بحالة التخبط وعدم الإستقرار لدى المستويين السياسي والعسكري، المتوليين لمسؤولية القيادة المباشرة، في كل ما يتصل بالأهداف والحدود الزمانية والمكانية للعملية العسكرية "المتدحرجة" منذ سبعة أيام بلياليها في شمال القطاع، وبـ "كشف الحساب" الإسرائيلي "المؤقت" لسير العملية ونتائجها "غير المرضية" حتى الآن من زاوية الهدف الإسرائيلي الأولي المعلن لما سمي بعملية "أيام الندم" والمتمثل بـ "الوقوف التام لإطلاق صواريخ القسام على البلدات الإسرائيلية المتاخمة للحدود مع قطاع غزة".
وبقراءة إجمالية لردود الفعل والتعليقات الصادرة حتى الآن عن مختلف الأوساط في الساحة الإسرائيلية إزاء سير وتداعيات الحملة العسكرية المستمرة من الجو والبر على شمال القطاع، فإنه يمكن استخلاص عدد من الملاحظات والإستنتاجات فيما يخص "الموقف الإسرائيلي العام" من هذه العملية، أهدافًا ومجريات ونتائج:
أولاً: يلاحظ بشكل واضح أن هذه العملية، وربما على غير المتوقع أو المألوف في الغالب الأعم، لا تحظى بـ "الإجماع" وهو التوصيف المحبذ والمحبب عادة في إسرائيل، في مثل هذه الحالات.
ثانياً: هناك شبه إجماع لدى "معشر" الساسة والعسكر "المهنيين" والمحللين ذوي الإهتمام والرأي على أن العملية العسكرية الجارية، والمرشحة لمزيد من أيام التدحرج والتوسع، لن تقدم حلاً شافياً لـ "مشكلة صواريخ القسّام" التي تطال "سديروت" و "تهدد" أشكلون – عسقلان.
ثالثاً: يرى العديد من أصحاب الرأي والقلم (المحسوبين على الأغلبية الإسرائيلية المؤيدة للحلول والتسويات الجزئية للصراع) أن من شأن هذه العملية العسكرية أن "تضع العصي في دواليب" خطة الإنفصال الأحادية الجانب عن الفلسطينيين، والتي ما انفك رئيس الوزراء الإسرائيلي أريئيل شارون يعلن تمسكه بتنفيذها حسب مواعيده المقررة.
رابعاً: يبدو أن سير العملية المتعثر حتى الآن من حيث النتائج والأهداف، وفر مناسبة – قلما سنحت في السنوات الأربع الماضية – لأصحاب الميول السياسية "المعتدلة"، على قلتهم في صفوف المعسكر الإسرائيلي الصهيوني، ليُسمعوا مجدداً صوتهم – وإن كان لا يزال خافتاً وضعيفاً – المتعقلن بأنه "لا حل عسكرياً للإنتفاضة والصراع" وأنه لا بد من العودة إلى طريق التسوية والتفاوض مع قيادة الشعب الفلسطيني المنتخبة.
غير أن هذه الملاحظات المستشفة من مجمل ردود الفعل الإسرائيلية واتجاهها العام تكاد تبدو هامشية وباهتة في صورة "المشهد الإسرائيلي المهيمن" الذي طغت ولا تزال تطغى عليه حتى اللحظة الأصوات والتوجهات السياسية والعسكرية الرسمية المتشنجة التي لم ينقطع بعد سيل ما يصدر عنها من تهديد ووعيد بمواصلة وتوسيع وإطالة أمد حملة الحرب والعدوان ليس في الضواحي الشمالية لغزة وحسب بل وفي قطاع غزة بأكمله، وهناك مؤشرات عديدة – بما في ذلك ميدانية – تنبىء بأن عملية "أيام الندم" مرشحة للإستمرار و "التدحرج" كما يقولون لتتحول إلى حملة إجتياح شاملة قد تستغرق شهوراً عديدة على غرار حملة "السور الواقي" في الضفة الغربية، وليس أدل على ذلك من تصريحات وتهديدات شارون الأخيرة والذي أعلن أنه أوعز لوزير دفاعه شاؤول موفاز بالعمل من أجل "قلب الوضع في قطاع غزة جذرياً"...
وكانت تعليقات الصحف العبرية، خلال اليومين الماضيين، قد أكدت أن جل ما يعني شارون هو ألا يظهر إنسحاب الجيش الإسرائيلي المزمع من القطاع وفقاً لخطة الفصل الأحادي "هروباً تحت طائلة النار".
ونقلت هذه الصحف عن شارون تصريحات خصصها لكل منها وقال فيها "إن المطلوب الآن تغيير الأوضاع جذرياً في غزة واتخاذ كل الوسائل المطلوبة والمتاحة" وأنه وتحقيقاً لهذا الغرض طالب قادة الجيش بالبحث عن "أفكار جديدة لضمان ذلك". وأعلن رئيس هيئة الأركان موشيه يعالون، انسجاماً مع توجيهات شارون، أن "قوات الجيش الإسرائيلي جاهزة لمواصلة عملياتها العسكرية في غزة لأسابيع وليس لأيام فقط".
وقال معلقون إسرائيليون إن الضغوط الدولية على الدولة العبرية لوقف عدوانها ليست جدية ما يمنح الجيش "طول نفس سياسي"، لا سيما وأن واشنطن أعطت حكومة شارون "الضوء الأخضر" لمواصلة عدوانها العسكري في القطاع...
عملية بلا هدف ...
وبالعودة إلى تعليقات الصحف العبرية على العملية فقد شككت صحيفة "هآرتس"، في مقالها الإفتتاحي الذي خصصته على يومين متتاليين لذات الموضوع، في جدوى العملية العسكرية الحالية في شمال القطاع "في ظل غياب استراتيجية واضحة تتيح إنهاءها بنجاح" معتبرة أن "هدم البيوت وقتل المدنيين – الفلسطينيين – لن يوقف الصواريخ على سديروت".
وفي تعليق له في صحيفة "هآرتس" (الإثنين 4/10) أثنى المحلل السياسي عكيفا إلدار على هذا التشكيك بجدوى عمليات الجيش في قطاع غزة، وخَلُصَ إلى القول: إن حكومة إسرائيل مطالبة بالكف عن القيام بعمليات عسكرية في المدن الفلسطينية، وبالشروع في مفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وإتاحة المجال أمام إجراء الإنتخابات المزمعة في الضفة الغربية وقطاع غزة عبْرَ إنسحاب الجيش الإسرائيلي من المدن الفلسطينية.
بوادر تراجع ...
ورصد المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، من جانبه، "بوادر تراجع" واستعداد في الجانب الإسرائيلي للبحث عن "مخرج" من المأزق الراهن الذي وصلت إليه عملية "أيام الندم" العسكرية في شمال القطاع.
وقال هرئيل إنه ثبت أن هذه العملية العسكرية الواسعة لم توفر حلاً شافياً لمشكلة صواريخ القسام التي تطلق على بلدة "سديروت" المتاخمة للحدود مع قطاع غزة، وهذا ما تأكد يوم الأحد بعد إطلاق عدة صواريخ من المنطقة التي يحتلها الجيش الإسرائيلي حالياً في شمال القطاع. وأضاف أن هذه الحقيقة التي أقر بها قائد كتيبة الدوريات في العراء "غفعاتي" المقدم عوفر، حدت بالأخير للقول بأن "هدفنا هو الحد من إطلاق صواريخ القسام، إذ يبدو أن وقف إطلاقها التام غير ممكن".
وأردف هرئيل: على الرغم من أن السياسيين وكبار الضباط في إسرائيل يواصلون الإعلان بأن العملية غير محددة بزمن، إلاّ أن "هناك مساعي هادئة تجري الآن للبحث عن سلّم يساعد الطرفين في النزول عن الشجرة العالية التي تسلقاها"، مشيراً إلى أن ثمة أوساطًا في الجيش الإسرائيلي باتت تشكك في قدرة الجيش على المحافظة على جدوى العملية إذا ما استمرت لوقت أطول من الأسبوع الحالي.