المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

نشر المراسل السياسي في "يديعوت احرونوت" شمعون شيفر تقريراً رئيسياً مطولا في صحيفته (الاحد 9 شباط) تناول فيه <<الاتصالات السرية بين شارون وكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية>>، جاء فيه ان رئيس الوزراء الاسرائيلي ارئيل شارون والرئيس الامريكي جورج بوش اتفقا بينهما على التفرغ لإبعاد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات خارج الوطن، بعد الانتهاء من الرئيس العراقي صدام حسين. وقال: <<مباشرة بعد عزل صدام حسين سيأتي دور ياسر عرفات>>..!ويقضي التفاهم بين الاثنين، شارون وبوش، انه <<اذا رفض عرفات تعيين رئيس حكومة تنقل اليه كافة صلاحيات ادارة السلطة الفلسطينية، يمكن لاسرائيل ان تبعده من المناطق مع رجاله المقربين>>. ونقلت "يديعوت" عن شخصية رفيعة المستوى في اسرائيل قولها: <<سنطيّره من هنا بتصديق امريكي. عرفات بنظر البيت الابيض لا يختلف عن صدام حسين. الاثنان مرفوضان بنفس القدر>>.

وتقول "يديعوت" ان هذه <<التلخيصات الخاصة بمستقبل عرفات جاءت بعد سلسلة لقاءات سرية جرت في الاسابيع الاخيرة بين شارون ومدير مكتبه دوف فايسغلاس، وكبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية – ابو علاء رئيس المجلس التشريعي، وهاني الحسن وزير الداخلية والمسؤول عن اجهزة الامن والدكتور سلام فياض وزير المالية>>.

ويكتب شيفر:

<<كان التفكير الاولي الذي خطر ببال المحللين السياسيين الذين سمعوا في اخر الاسبوع باللقاء الذي اجراه شارون مع "ابو علاء" يوم الاربعاء الماضي في مقر رئيس الوزراء في القدس – هو عمرام متسناع.

<<حسب هذا المنطق، التقى شارون مع رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني لكي يلمّح لحزب العمل انه يعتزم المضي في تسوية سياسية مع الفلسطينيين. كأنما يقول: "يجدر بكم الاسراع والانضمام الى حكومة وحدة برئاستي".

<<وحتى لو كانت هناك حقيقة في هذا التفسير، فهو فقط جزء من الموضوع. جزء محدود للغاية. يمكن الاشارة الى ثلاثة مسوّغات على الاقل بامكانها ان توضح خلفية الاتصالات بين شخصيات رفيعة المستوى في الجانب الاسرائيلي وبين نظرائهم الفلسطينيين.

<<اولا، نحن ازاء ادراك عميق من جانب العرب عامة والفلسطينيين خاصة لأبعاد الانتصار الساحق الذي حققه شارون في انتخابات الكنيست. هكذا، مثلا، كان الرئيس مبارك، لا غيره، اول مهنئي شارون، بعد أن تمسك برفضه على مدار عامين كاملين دعوة شارون لزيارة مصر. تحدث مبارك مع شارون هاتفيا في صبيحة اليوم التالي على ظهور النتائج، وبانفعال كبير – كما قال شارون – هنأه على نجاحه وطلب اللقاء به في شرم الشيخ مباشرة بعد تشكيل الحكومة في اسرائيل.

<<كلما مرت الايام يتبين لقادة المنطقة انهم اذا كانوا راغبين بالاسهام في تهدئة الاوضاع في المجابهة بين اسرائيل والفلسطينيين، لا مفر لهم سوى محاورة شارون، لأن غالبية الاسرائيليين ارادوه مفاوضا باسمهم.

<<على هذه الارضية وصل ابو علاء يوم الاربعاء الماضي الى مقر رئيس الوزراء في القدس، يرافقه مساعد واحد. انتظر شارون ضيفه في ركن الضيوف في الطابق الاول من البيت.

<<الى جانب شارون كان دوف فايسغلاس، "دُبـُّنا"، كما يكنيه شارون بتحبب. انه الشخص المسؤول عن اجراء الاتصالات السرية مع كبار المسؤولين في القيادة الفلسطينية، ويؤدي ايضا دور حلقة الوصل مع المحيط القريب من الرئيس بوش في واشنطن.

<< ابو علاء هنأ شارون بحرارة بانتصاره في الانتخابات. ابدى شارون اهتماما متواصلا بالوضع الصحي لابي علاء، الذي مر في الشهور الاخير بنوبة قلبية وتلقى العلاج في احد مستشفيات الاردن. "كانت المحادثة صحيحة، صادقة، تكاد تكون اشبه بلقاء بين اصدقاء"، كما يصفها احد المشاركين فيها.

<<على مدار ساعتين تحدث شارون وابو علاء عن طرق الخروج من الحلقة الدموية التي دخلها الشعبان. مشبعان من الخطط والتصريحات الطنانة التي لم يخرج منها شيء في السابق ("بيت لحم اولا"، "يهودا اولا"، الخ)، اتفق الاثنان على محاولة العودة الى فحص امكانية الوقف التدريجي لاطلاق النار في جميع الامكنة، في جميع المدن، وفي كل حي في الضفة والقطاع، يكون مقرونا بالتنسيق بين جيش الدفاع وقوات الامن الفلسطينية. في كل مكان ينجح الفلسطينيون فيه بالسيطرة على القضايا الامنية، سيغادره جيش الدفاع ويُستبدل بقوة شرطية فلسطينية.

<<اسرائيل بموجب شارون ستفتح الاغلاقات في المناطق التي يسودها الهدوء وتسمح بالتنقل الحر للناس والبضائع وتسمح كذلك بدخول عمال فلسطينيين لاسرائيل.

<<من بيت رئيس الحكومة في القدس سارع دوف فايسغلاس الى هرتسليا، الى بيت السفير الامريكي دان كيرتسر. هناك كان بانتظاره وزير الداخلية الفلسطيني هاني الحسن. في هذا اللقاء تم الحديث في تطبيق الافكار التي اثيرت بين شارون وابو علاء. وعد هاني الحسن المسؤول عن التنظيمات الامنية في السلطة الفلسطينية، بأن تدخل قوات فلسطينية مزودة بسلاح خفيف – من "المجندين الجدد" الذين تصدق اسرائيل عليهم اولاً – الى كل مكان يخليه الجيش الاسرائيلي، وتأخذ على عاتقها مسؤولية ضمان النظام العام ومنع العمليات ضد اسرائيل.

<<وتشير جهات اسرائيلية الى انها تتعرف في الاونة الاخيرة على توجه جديد لم يكن ملحوظاً من قبل لدى الجمهور الفلسطيني. فهناك المزيد من التنظيمات الفلسطينية في المدن والقرى التي تعارض اعمال "الارهاب". ومن بين مختلف الادلة على ذلك هو تنظم مجموعات سكانية ومن افراد اجهزة الامن لمنع اطلاق صواريخ "القسام" نحو القرى الجنوبية الاسرائيلية.

<<استوعب شارون الرسالة وطلب الالتقاء بأبي علاء وتعزيز هذا التوجه المدني في مناطق السلطة الفلسطينية ضد "العمليات الارهابية"..>>.

ويقول شمعون شيفر ان لقاء شارون – ابو علاء قد يكون <<علامة فارقة في الاتصالات من وراء الكواليس والحوار بين شارون ورجاله وبين كبار المسؤولين في الجانب الفلسطيني في قضية اليوم التالي على عزل صدام حسين>>.

ويضيف: <<يكفي ان نتنبه الى سلسلة من التقارير المتراكمة في الايام الاخيرة في قنوات الاتصال بين شخصيات رسمية وبين نظرائهم في البلاد ومع ياسر عرفات. ويتحدث تقرير سري وصل الى القدس عن لقاء اجراه مؤخرا موفد الاتحاد الاوروبي ميغيل موراتينوس مع عرفات: "سارِع بتعيين رئيس حكومة يقوم باستبدالك. اذا لم تفعل ذلك، سيطيرك الاسرائيليون من المناطق"، قال موراتينوس حاثاً عرفات.

<<كذلك الجنرال عاموس غلعاد، فقد قدم تقريرا عن تصريحات بعيدة المدى لكبار المسؤولين الفلسطينيين ممن يحتفظون بقنوات اتصال سرية معه. في محيط شارون تطرقوا بعدم اكتراث للتقديرات التي صدرت بعد ان انكشف امر اللقاء مع ابو علاء. وسواء انضم متسناع لحكومة شارون ام لا، يقولون، فان التطورات والهزة السياسية المتوقعة بعد الحرب في العراق هي ابعد من قرارات رئيس حزب العمل. مستشار اخر لشارون يكشف انه في محادثات مع رؤساء الادارة الامريكية تم الحديث بالتفصيل عن الرغبة في دفع التسوية بين اسرائيل والفلسطينيين الى امام بعد الحرب في العراق.

<<عندما اثيرت في المحادثات امكانية ان تنفذ اسرائيل انسحاباً من جانب واحد في قطاع غزة، كبادرة نية حسنة تجاه الفلسطينيين، ثار الاميركان: "احتفِظوا ببادرات نيتكم الحسنة الى اليوم التالي: حاليا لا تمنحوا الارهاب جائزة. في المستقبل ستجدون انفسكم مطالبين بتقديم الكثير، واذا لم تكونوا راغبين بتقديم مبادرات للنية الحسنة، سنهتم نحن باستخراجها منكم"، قال احد مستشاري بوش.

<<اذن، وفي نهاية المطاف، الحكاية ليست متسناع، او في اقل تقدير – هو ليس كل الحكاية>>.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, رئيس الحكومة, هرتسليا

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات