المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

* اثار وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم خلال اجتماعه الاخير مع نظيره الفلسطيني نبيل شعث مطلبا غير مألوف. فقد طلب شالوم من الفلسطينيين الكف عن التعامل بلغة دبلوماسية مزدوجة تجاه اسرائيل بقوله لشعث: "هنا غيرتم اللهجة، ولكنكم تتحدثون في المحافل الدولية بلهجة قاسية وشديدة، وتحاولون تمرير قرارات مناوئة لاسرائيل. اذا قمتم بتغيير هذا الاسلوب فان ذلك سيساعدكم ويساعدنا امام الرأي العام".

فرد شعث قائلا: "نحن اقوياء على مستوى الهيئات والمحافل الدولية، وأنتم اقوياء في الولايات المتحدة الاميركية. ساعدونا في اقناع المنظمات اليهودية كي تقدم العون للفلسطينيين".

لا شك في ان "الاغلبية الاتوماتيكية" التي تساند الفلسطينيين في المحافل العربية والجمعية العامة للأمم المتحدة وغيرها من المنظمات والمحافل الدولية، تشكل واحدًا من منابع قوة الفلسطينيين في الصراع السياسي مع اسرائيل.

فالأمم المتحدة تصادق سنويًا وبالاجماع تقريباً على مواقف المجموعة العربية مما يضع اسرائيل في عزلة دبلوماسية، ولا تقف الى جانبها سوى الولايات المتحدة وجزر مارشل وميكرونزيا. اما مؤتمرات الوكالات والمؤسسات المهنية التابعة للأمم المتحدة، مثل منظمة العمل الدولية والمجلس الاقتصادي - الاجتماعي ومنظمة جودة البيئة، فتتحول مرة تلو اخرى الى منصة لتوجيه الاتهامات والتحريض ضد ممارسات اسرائيل في الاراضي الفلسطينية.

دوائر صنع القرار في اسرائيل ظلت ترى في قرارات المحافل الدولية نوعا من الازعاج المزمن، وفضلت تبني توجه رئيس الوزراء الاول، دافيد بن غوريون، الذي استهتر بالمنظمة الدولية وقراراتها، اذ اعتاد بن غوريون على نعتها بالعبرية بـ "اووم شموم" (اي بما معناه "امم متحدة تافهة"). ولم يفعل سفراء اسرائيل في الدول التي عملوا فيها اكثر من طرح ضرورة تغيير انماط تصويت مندوبي هذه الدول لدى المنظمة الدولية.

الآن قرر وزير الخارجية الحالي (سلفان شالوم) تغيير هذا التوجه، إذ بدأ شالوم واركان وزارته بحملة دبلوماسية تستهدف الغاء القرارات المناوئة لاسرائيل في الامم المتحدة وسواها من المنظمات الدولية. الساحة الاولى لهذا التحرك الدبلوماسي الاسرائيلي هي دول الاتحاد الاوروبي التي يوجد لتصويتها اهمية مبدئية وسياسية حاسمة في المحافل والمنتديات الدولية. وقد اثار شالوم هذا الموضوع خلال اجتماعه مع نظرائه الاوروبيين في بروكسل قبل نحو اسبوعين.

الهدف التالي للحملة الاسرائيلية هو دول آسيا، ومن المقرر ان يقوم وزير الخارجية الشهر المقبل بجولة في القارة الأسيوية، كما سيقوم رئيس الوزراء ارئيل شارون قريبا بزيارة للهند، وستكون قرارات الامم المتحدة على جدول اعماله.

من جهتها باشرت الولايات المتحدة، التي تجندت لمساعدة اسرائيل في حملتها هذه، بالضغط على الاوروبيين لحملهم على تغيير سلوكهم، حيث التقى السفير الاميركي لدى الامم المتحدة، جون نغروفونتا مع نظرائه من دول الاتحاد الاوروبي وطالبهم بتغيير تعاملهم تجاه اسرائيل.

وطبقا للتقرير الذي وصل الى القدس (الغربية) فقد اعرب مندوب المانيا لدى المنظمة الدولية عن موافقته وتأييده للمطلب الاميركي – الاسرائيلي.

كذلك التقى مندوب اسرائيل في الامم المتحدة، داني غيلرمان مع نظيره الفرنسي الذي اعطى جوابا دبلوماسيا ينطوي على نوع من التملص، حيث قال: "اذا صمدت الهدنة شهرا آخر فلن نكتفي بدعم المبادرة فقط، بل سنكون في طليعة الداعين للتغيير".

محافل وزارة الخارجية الاسرائيلية لا تتوقع انقلابا فوريا، كما انها لا تحاول الانقضاض دفعة واحدة على جميع قرارات الامم المتحدة.

فقد اقترحت الخطة التي بلورها مساعد مدير عام الوزارة لشؤون المنظمات الدولية، دافيد غرانيت، العمل من اجل الغاء القرارات التي تكرس النزاع، والقرارات التي يستند اليها وجود هيئات ومحافل تابعة للأمم المتحدة مكرسة لمقارعة اسرائيل وشرح المطالب الفلسطينية.

محافل وزارة الخارجية الاسرائيلية لا ترى في الوقت الحالي ان ثمة فرصة للعمل من اجل الغاء قرارات ضد الاستيطان والمستوطنات والاحتلال، والتي تتعلق بالمسائل الجوهرية في الصراع.

وتتمثل الحجة التي تنطلق منها الخارجية الاسرائيلية في حملتها بالقول: انه في ظل مناخ الحوار الذي خلقته "خريطة الطريق" والتي تدعو الى وقف التحريض، لم يعد مبررًا تحويل منصة الامم المتحدة الى منطلق لمهاجمة اسرائيل والتحامل عليها.

مسؤول كبير في وزارة الخارجية اوضح قائلا: "هذه القرارات تدعم وتشجع المتطرفين والمعارضين للتسوية". وحمل المسؤول الاسرائيلي ذاته على رئيس الدائرة السياسية في منظمة التحرير الفلسطينية، فاروق القدومي، المكلف من الجانب الفلسطيني بشؤون الأمم المتحدة، بقوله ان القدومي الذي عارض مسيرة اوسلو "لايزال يدفع نحو اتخاذ قرارات وخطوات عملية ضد اسرائيل.. ان الغاء وشطب القرارات المناوئة لاسرائيل سيؤدي الى إضعاف القدومي وتقوية المعتدلين في المعسكر الفلسطيني".

وتلاحظ اوساط الخارجية الاسرائيلية بوادر تغير بطيء على هذا الصعيد، مشيرة الى ان رومانيا مثلا تراجعت مؤخراً عن موافقتها ِعلى استضافة مؤتمر مؤيد للفلسطينيين تنظمه الأمم المتحدة.

وتعتقد الاوساط الاسرائيلية ذاتها ان العملية (الهادفة الى الغاء قرارات الأمم المتحدة المناوئة لاسرائيل) ستكون بطيئة وصعبة، وأن نجاحها سيتوقف على تكريس وتثبيت وقف اطلاق النار (الهدنة)، فبمقدار ما يعم الهدوء، بمقدار ما يعزز ذلك الحجة الاسرائيلية القائلة بوجوب إحداث تغيير في الساحة الدولية ايضا، وفقا لما تراه محافل الخارجية الاسرائيلية.

المصطلحات المستخدمة:

اوسلو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات