المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أخيرا، وبعد مجادلات داخلية طويلة، استجابت إسرائيل وعلى لسان رئيس حكومتها إيهود اولمرت للدعوات السورية المتعلقة باستئناف المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية، وكانت سوريا دأبت في الآونة الأخيرة على شنّ ما يمكن تسميته (تجاوزا) هجوم سلام باتجاه إسرائيل، حيث أعلنت مرارا وتكرارا، استعدادها للتعايش مع إسرائيل في المنطقة، بعد السلام، وعن جديتها بإجراء مفاوضات معها من أجل ذلك، ومن دون شروط مسبقة.

فهل آن أوان استئناف المفاوضات السورية ـ الإسرائيلية فعلا؟ أو ما هي الدوافع أو المعطيات التي تؤكد جدية الطرفين في السير بهذا الاتجاه؟

بالنسبة لسوريا، وعدا عن أنها ظلت على الدوام تنشد تسوية عادلة وشاملة في المنطقة، تعيد الأرض والحقوق لأهلها، فإنها في هذه المرحلة تشعر بأنها تمر بمرحلة تفوق إستراتيجي على إسرائيل، تتيح لها شن «هجوم» سلام إستراتيجي، انطلاقا من الحقائق التالية:

1 ـ تعزز الموقف الإقليمي لسوريا، خصوصا بعد إخفاق الحرب الإسرائيلية، على لبنان (يوليو 2006)، وفشل الولايات المتحدة في إضعاف سوريا، أو عزلها، عن السياسة الإقليمية، وهو ما تجلى في استنتاجات تقرير بيكر ـ هاميلتون (لجنة دراسة العراق).

2 ـ ضعف الحكومة الإسرائيلية، وتضعضع موقفها داخليا، خصوصا بعد إخفاقها في الحرب التي شنتها على لبنان (يوليو 2006)، من الناحيتين السياسية والعسكرية.

3 ـ اعتراف الولايات المتحدة بفشل مشروعها التدخّلي ـ التغييري في المنطقة، بأبعاده الأمنية والسياسية، فهي لم تستطع تمرير هذا المشروع بدعوى جلب الديمقراطية والازدهار والاستقرار للمنطقة، خصوصا بعد أن أخفقت بجلب الأمن والاستقرار والديمقراطية إلى العراق، ولم تستطع تصديره كنموذج للتغيير في المنطقة (وفق نظرية «الدومينو»).

4 ـ تزايد الدور الإيراني في الشرق الأوسط، خصوصا أن إيران هي دولة حليفة لسوريا. وبديهي أن هذا الدور لا يهدد مصالح الولايات المتحدة فحسب وإنما هو يهدد أيضا مكانة إسرائيل الإقليمية، كما يهدد أمنها واستقرارها.

المعنى من ذلك أن سوريا تريد أن تستفيد من هذه المعطيات لتعزيز مكانتها التفاوضية، وجلب إسرائيل لعملية السلام، بما يسهم في تحسين البيئة الإستراتيجية لسوريا، في الشرق الأوسط، ويعيد لها أرضها المحتلة.

أما بالنسبة لإسرائيل، وكما هو معلوم، فقد كانت تلكأت كثيرا قبل إعلان موقفها بشأن الاستعداد لاستئناف المفاوضات مع سوريا، أولا، بدعوى أن سوريا غير جدية في تصريحاتها، وأنها لا تقرن الأفعال بالأقوال. وثانيا، بدعوى أنه لا ينبغي على إسرائيل التسهيل على سوريا، في مواجهة محاولات الإدارة الأميركية حصارها وعزلها والتضييق عليها، لأن ذلك يمكن أن يضر بعلاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة، كما يمكن أن يضر بسياستها الخارجية في المنطقة.

لكن إسرائيل وبعد مجادلات داخلية طويلة وعميقة ومعقدة، شارك فيها المستوى السياسي (الحكومة والأحزاب) والأمني (الجيش والمخابرات) ووسائل الإعلام، فضلت على لسان رئيس وزرائها التجاوب مع الدعوة السورية للمفاوضات، لكن مقابل طرح اشتراطات معينة، ضمنها وقف دعمها لمنظمات المقاومة (حماس في فلسطين، وحزب الله في لبنان)، وتحجيم علاقاتها مع إيران.

بديهي أن إسرائيل في ردها هذا على سوريا تدرك بأن هذه الشروط يمكن أن تأتي كنتيجة للمفاوضات وليس كمقدمة أو كشرط لها، فليس ثمة دولة أو طرف يتخلى عن أوراق قوته هكذا مجانا ومن دون مقابل. المعنى من ذلك أن سلسلة الشروط الإسرائيلية ليس لها معنى، في الواقع، وعلى الأرجح أن إسرائيل ليست في وارد ردّ المبادرة السورية للمفاوضات، وإنما هي في معرض بذل الضغوط لجس نبض سوريا، ليس أكثر، وضمن ذلك تبيّن مدى جديتها في إجراء مفاوضات للتوصل إلى حل إقليمي معها.

وعلى الأرجح فإن إسرائيل ستتجه نحو التجاوب مع الدعوات السورية للمفاوضات، لأسباب عدة أهمها:

1 ـ تغير البيئة السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط لغير صالح إسرائيل، ما يطرح عليها تحديات ومخاطر كبيرة، خصوصا على خلفية التحولات السياسية الإستراتيجية التالية:

أولا، تراجع مكانة الولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، خصوصا بعد التخبط في مشروعها العراقي، وتزايد الفوضى في العراق. والمشكلة أن هذه المنطقة باتت، على خلفية هذا المشروع، تشهد توترات واضطرابات أمنية لم تشهد لها مثيلا من قبل، كما باتت تشهد مزيدا من العداء للسياسات الأميركية، والتي تؤثر مباشرة ومداورة على أمن إسرائيل واستقرارها. ثانيا، تزايد نفوذ حركات المقاومة المسلحة في المنطقة، خصوصا تلك المعطوفة على خلفية أيديولوجية (دينية)، لا سيما أن هذه الحركات تتمتع ببعد شعبي جارف، وتقف من إسرائيل موقفا معاديا، على أساس من عقيدتها الأيديولوجية ـ الدينية. وبديهي أن إخفاق الحرب الإسرائيلية على لبنان (في مواجهة حزب الله) عزز من قوة هذه الحركات سياسيا وشعبيا، في فلسطين ولبنان والعراق. ثالثا، بروز إيران كدولة قوية منافسة، تحظى بنفوذ إقليمي قوي. وهي دولة معادية لإسرائيل. رابعا، تضاؤل نفوذ الدول (المعتدلة، بالمعايير الأميركية) في تقرير السياسة في المنطقة، بسبب عوامل متعددة، ضمنها صلف إسرائيل، وانتهاج الإدارة الأميركية للسياسة الابتزازية (التغييرية)، وتزايد نفوذ إيران، وتنامي نفوذ جماعات الإسلام السياسي، بمختلف أشكالها، على حساب الدولة، بما في ذلك الجماعات المحسوبة على تيار الاعتدال أو المحسوبة على جماعات الإرهاب.

2 ـ تزايد القناعة بين الإسرائيليين بأنه ثمة حدودًا للقوة العسكرية، وإن هذه القوة استنفدت أغراضها، وان قدرة إسرائيل على الردع باتت عرضة للتآكل. ويفيد ذلك بأن على إسرائيل أن لا تعتمد فقط على القوة العسكرية، لتعزيز وجودها ومكانتها في المنطقة، وإنما ينبغي لها أن تقرن ذلك مع مرتكزات سياسية، ضمنها فتح المسار السياسي على مختلف الجبهات، وضمنها مع سوريا، ولو بثمن إعادة الجولان إليها، مقابل السلام معها.

3 ـ إن على إسرائيل أن لا تعتمد في كل شيء، فيما يتعلق بأمنها ومكانتها، على دعم الولايات المتحدة لها، وهو ما أثبتته وقائع الحرب في لبنان. وكان ثمة أصوات في إسرائيل زادت من انتقادها للسياسة التي تنتهجها إدارة بوش في المنطقة، ولا سيما تلك السياسة التي باتت تعتمد نهج تغيير الأنظمة العربية بوسائل القوة، بدعوى (نشر الديمقراطية).

وتنطلق تلك الأصوات من قناعة مفادها بأن هذه السياسة ستعود بالضرر، على الأرجح، على مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، كما على إسرائيل، وبأنها ستزيد من التهديدات والمخاطر التي تتعرض لها إسرائيل، في البيئة الإقليمية (بدليل الفوضى الحاصلة في العراق). وقد وصلت هذه الأصوات حد تحميل مسؤولية الإخفاق في الحرب ضد لبنان (مؤخرا) إلى سعي الإدارة الأميركية توريط إسرائيل، خدمة لمآرب السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة.

4 ـ ثمة وجهة نظر في إسرائيل باتت تعتقد بأن الأولوية بالنسبة للمخاطر التي تهدد إسرائيل في المدى المنظور، إنما تنبع من الجمهورية الإسلامية الإيرانية (بسبب محاولتها امتلاك التسلح النووي، وبحكم نفوذها المتزايد في العراق، ودعمها لحزب الله، ورفضها لوجود إسرائيل). والاستنتاج المترتب على ذلك أنه ينبغي توجيه الجهود الأميركية والإسرائيلية لتقويض خطر إيران، ما يتطلب سحب سوريا من إطار التحالف معها.

5 ـ ثمة اعتقاد بأن التسوية مع سوريا يمكن أن تمنح إسرائيل مكاسب من مثل، تسهيل نزع سلاح حزب الله أو وقف تهديده لإسرائيل، وإضعاف (حماس) في الساحة الفلسطينية، والتقليل من نفوذ إيران في المنطقة. وتحقيق سلام كامل مع سوريا، الأمر الذي يتيح فتح مسار التطبيع مع غالبية الدول العربية. أما العكس من ذلك، وضمنه سياسة استخدام الضغط أو القوة لابتزاز سوريا وعزلها وتهديدها، فربما تنجم عنه ردود فعل سلبية يصعب التحكم بها أو السيطرة عليها، على غرار الوضع الحاصل في العراق، أو على غرار ما جرى في لبنان مؤخرا.

_____________________

* ماجد كيالي- صحافي فلسطيني يكتب في الشأن الإسرائيلي، يقيم ويعمل في دمشق.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات