المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ما إن ظهرت إلى العلن قضية الرسوم الكاريكاتورية ضد الإسلام ومقدساته، حتى بدا السجال في إسرائيل مزدوج الاتجاه. فمن جهة، هناك في إسرائيل كما في الغرب والعالم بأسره، من يؤمن وينظّر لصراع الحضارات، وهناك من يخالف هذا المعتقد. ولكن إلى جانب كل أولئك الذين يناقشون الأمر من زاويته الأيديولوجية، ثمة في إسرائيل، ربما أكثر من أي مكان آخر، من ينظرون إليه من زاويته السياسية.

ويتصارع في إسرائيل على الصعيدين الأيديولوجي والسياسي، على وجه العموم، خطان. أحدهما يعتبر أن الصراع القائم الآن بين الغرب والعالم الإسلامي يفيد إسرائيل كثيراً لأنه يظهرها بمظهر من كان على حق دائما وأن الأوروبيين لم يفهموه. ويؤمن هؤلاء بنظرية "التراث المسيحي اليهودي المشترك" كنقيض للتراث الإسلامي. والآخر يرى أن تغذية الصراع الإسلامي المسيحي يضع اليهودية عموماً وإسرائيل خصوصاً في طريق الفيلة، الأمر الذي قد لا يجلب لها إلا الضرر.

وفي ثنايا سجال المدرستين ملامح خلاف سياسي داخلي يحاول الإفادة ولو بشكل تكتيكي ومؤقت من اللحظة الراهنة. فاليمين المتشدد في إسرائيل، الذي طور علاقات وثيقة مع اليمين المسيحي في أميركا وأوروبا، يحاول الإفادة من صراع الكاريكاتير في سجاله حول خطة الفصل. ويرى أن أوروبا أخطأت بالضغط على إسرائيل للتجاوب مع المطالب العربية وأن ما تواجهه أوروبا اليوم ليس سوى محصلة لهذا الضغط. ولذلك يحسن بالغرب العودة عن ضغوطه وتشجيع إسرائيل على حسم الصراع مع الفلسطينيين والعرب والمسلمين بالطريقة التي تجيدها وهي استخدام القوة.

ويقفز كثيرون في إسرائيل في هذا السجال عن واحدة من قواعد الاستشراق التي حاولت طوال الوقت مطالبة المستعمرين الغربيين بالحذر فقط عند التعامل مع جانبي الدين والمرأة لدى الشرقيين. وكانت تلك القواعد تقول بأن الشرقي عموماً يستطيع تقبل كل ظلم اقتصادي أو اجتماعي أو معنوي إلا إذا لامس دينه وعرضه. ومع ذلك فإن السجال في إسرائيل قفز عن هذه القاعدة مثلما قفز عن قواعد أخرى.

إذ دأب المتنورون اليهود، على العموم، على رؤية كل تمييز ضد الآخرين تمييزاً ضدهم. ولذلك وقفوا في الغالب ضد كل أشكال التمييز ضد الآخرين لأنهم كانوا يشعرون بأنهم من الطرف الضعيف. ولكن الحال تغير في العقود الأخيرة بعد "اكتشاف" الإرث الثقافي "المسيحي اليهودي" المشترك وغدا اليهود في أميركا على وجه الخصوص في موضع القوة.

ومهما يكن الحال فإن قسماً من "المستشرقين" الإسرائيليين الجدد صاروا يضعون أنفسهم في موضع التنظير على أوروبا في الميدان الأيديولوجي. وقد كتب مؤخرا في "يديعوت" غاي بخور أن قضية الرسوم الكاريكاتورية فندت الاعتقاد الشائع بأن الشرق الأوسط هو العنصر المبادر في "صراع الحضارات في كل ما يتعلق بالإسلام". ويرى أن الرأي القائل بأن سبب الصراع هو النزاع الإسرائيلي الفلسطيني قد "انقلب رأساً على عقب أمام أعيننا: تصادم الحضارات يندلع في أوروبا وأصداؤه الارتدادية تصل إلى الساحة الشرق أوسطية. وخط التماس المعروف لا يمر عبر إسرائيل فقط، وإنما في الأساس في غرب أوروبا. قلب الصراع ينتقل إلى باريس وكوبنهاغن".

ويؤمن بخور بأنه "لم يعد بالإمكان دفن الرأس في الرمل واتهام إسرائيل، كما حاول الأوروبيون في قمة ديربن عام 2001 آملين أن يقوم النمر الإسلامي بافتراس إسرائيل وليس هم". ويخلص إلى أن وجود إسرائيل بات يشكل للأوروبيين "ميزة" ديمغرافية.

ويرى يحيئاف نجار في "معاريف" أن الرسوم الكاريكاتورية ضد الإسلام لا يمكن مقارنتها بالرسوم الكاريكاتورية ضد السامية. "فالرسوم الكاريكاتورية التي أمامنا لا تهدف إلى بث البغض للإسلام، ولا يلحظ أنها رسمت صدوراً عن توجه معاد للإسلام. صحيح أنها تنقد الإسلام لكن هذا نقد مناسب وشجاع". ويخلص نجار إلى أن "جوهر القضية أمامنا هو كيف تتصرف حضارة متقدمة مع حضارة متدنية. تمتاز الحضارة المتدنية باستعمال القوة، وتمتاز الحضارة المتقدمة بضبط النفس. وها نحن أولا رأينا كيف استعملت الرسوم الكاريكاتورية تشخيصاتها استعمالا دقيقا، مثلا ذلك الرسم الذي رسم فيه محمد وعلى رأسه قنبلة. ما هو رد العالم الإسلامي؟ استعمال القوة، وإحراق السفارات، واختطاف الأوروبيين ومقاطعة المنتجات وأشباه ذلك. وبإزاء ثقافة القوة، لا يحل الانسحاب إلى موقف شبه مشايع. الرد المناسب هو كرد أجهزة تحرير الصحف في فرنسا وألمانيا وهو الحرب. وكرد الاتحاد الأوروبي، وهو التهديد باستعمال مقاطعة الدول التي أزالت منتجات الدنمارك عن الرفوف فيها".

وقد عبرت افتتاحية "هآرتس" عن موقف "محايد" بعض الشيء بإصرارها في الوقت نفسه على إدانة الرسوم الكاريكاتورية وإحراق السفارات. وقالت الصحيفة انه رغم ذلك لا يمكن عدم تفهم "مشاعر الإهانة التي لحقت بالمسلمين في أرجاء العالم بما في ذلك مسلمو المناطق وإسرائيل. التنظير الغربي للتعددية الثقافية كقيمة عليا لا يمكن أن يُحمل على محمل الجد إذا لم يشمل في إطاره المتدينين والعلمانيين وأبناء الطوائف والأقليات الدينية من مسلمين ومسيحيين على حد سواء. لا يمكن لأي مجتمع أن يقف مكتوف الأيدي أمام نشر صور مُهينة لقيم مقدسة عند مجموعة في داخله".

المصطلحات المستخدمة:

هآرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات