المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

دخلت إسرائيل مرحلة الغموض السياسي في اليوم الأول لتدشين حكومة جديدة وقبل أن يقسم أعضاؤها اليمين القانونية. فقد شهدت الكنيست أمس (10/1/2005) وللمرة الأولى في تاريخها تشكيل حكومة جديدة بقيادة الليكود بأصوات يسارية وعربية وفي مواجهة ثلث أعضاء الليكود.

وفي الوقت الذي تعرض فيه هذه الحكومة بوصفها حكومة خطة الفصل فإنها أول حكومة تقرها الكنيست بأغلبية أقل من نصف أعضاء الكنيست، ثمانية وخمسين عضوا مقابل ستة وخمسين وامتناع ستة عن التصويت. ويشير هذا الحال إلى وضع غير مستقر مما يؤكد أن تقديم موعد الانتخابات بات احتمالا أكثر ترجيحا من أي وقت مضى. خصوصا وانه بقدر ما كان الليكود منقسما على نفسه كانت المعارضة أشد انقساما الأمر الذي أتاح لأريئيل شارون تمرير حكومته بطرق التفافية.

وأعلن رئيس الحكومة أريئيل شارون أن التصويت على بيان توسيع الحكومة الإسرائيلية سيتحول إلى تصويت على الثقة. وقد أراد من وراء ذلك دفع معارضيه في الليكود إلى تحمل مخاطر سقوط حكومة الليكود. غير أن المعارضين لخطة الفصل في الليكود والذين يبلغ عددهم ثلاثة عشر نائبا قرروا أنهم سيصوتون في كل الأحوال ضد انضمام حزب العمل. وقال زعيمهم عوزي لانداو إنهم بذلك يعلنون التزامهم بنتيجة استفتاء مؤتمر الليكود الذي حظر على شارون ضم حزب العمل.

ويشكل التصويت ضد الحكومة سابقة خطيرة في العمل البرلماني في الأحزاب الإسرائيلية تنذر بانشقاق وشيك. ويتيح القانون لثلث أعضاء أي كتلة برلمانية المطالبة بالانفصال وتشكيل كتلة جديدة. ومن المؤكد أن التصويت على حجب الثقة عن حكومة شارون يمهد الطريق أمام هذا الانفصال خاصة إذا عمد متمردو الليكود على اتخاذ الموقف ذاته قريبا عند التصويت على الميزانية العامة التي تشمل تمويل خطة الفصل.

وبدا واضحا يوم أمس أنه إضافة إلى معارضة المتمردين في الليكود لهذه الحكومة فإن رئيس الكنيست الليكودي روبي ريفلين امتنع عن التصويت. وقد امتنع عن التصويت أيضا نائبان من القائمة العربية وهما طلب الصانع وعبد المالك دهامشة. ووفرا بذلك للحكومة فرصة الفوز على المعارضة في التصويت على حجب الثقة. والأهم أن خمسة من بين أعضاء كتلة "ياحد" اليسارية بزعامة يوسي بيلين صوتوا إلى جانب الحكومة في حين امتنع رئيس الكتلة السابق يوسي ساريد عن التصويت.

وهكذا فإن هناك ائتلافا يضم الليكود والعمل ويهدوت هتوراه لكنه لا يحوي عمليا أكثر من خمسين عضو كنيست. إذ إضافة إلى متمردي الليكود هناك عضوان من الليكود وعضوان من يهدوت هتوراه سيمتنعان من الآن فصاعدا عن التصويت في كل ما يتصل بالقضايا الأساسية للحكومة. يضاف الى ذلك أن حركة يهدوت هتوراه انضمت بشكل مشروط للحكومة ولمدة ثلاثة شهور فقط، كما أن شبكة الأمان التي توفرها كتلة "ياحد" اليسارية محدودة الضمان مما يعني إن الحكومة الجديدة هي حكومة أقلية. وهذه الحكومة التي ستضطر في الأيام القريبة لمواجهة الاستحقاق الأول لها عبر إقرار الميزانية العامة قد لا تمتلك القوة الكافية لإقرار وتمرير خطة الفصل. وهذا ما دفع عددا من الساسة والمعلقين الإسرائيليين للحديث عن اقتراب تقديم موعد الانتخابات العامة. إذ لا يعقل بقاء حكومة تعاني هذا القدر من تشرذم وضعف قاعدتها البرلمانية والحزبية في موقع صنع القرار المصيري لفترة طويلة.

ومن الجائز أن نجاح شارون في تمرير هذه الحكومة بأصوات"ياحد" وبفضل امتناع نواب عرب عن التصويت يوفر أقوى الذخائر ضده في الليكود. فقد اضطر عدد من وزراء الليكود للإقرار بأنه يصعب وصف الحكومة الحالية بأنها حكومة ليكودية رغم أنها تسير بقيادة كهذه. وهذا يعني أنه يتعذر ضمان الاستقرار لهذه الحكومة أو ضمان مكانة شارون في الليكود.

ويبدو أن المعركة الفاصلة في الليكود قد بدأت يوم أمس. فقد اتهم شارون متمردي الليكود بالتحالف مع جهات خارج الليكود لإسقاط حكومة الليكود. وذكر الجميع بأن خطوة كهذه في الماضي ضد بنيامين نتنياهو قادت إلى قيام حكومة ايهود باراك التي يحملها اليمين مسؤولية نشوب الانتفاضة. وقال شارون إن "من يريد أن يجلب الكارثة لإسرائيل ويشق الليكود، بخلاف قرارات مركز الحزب، من يريد انتخابات أو ائتلافا أسوأ عليه أن يحجب الثقة عن الحكومة".

وبدا واضحا يوم أمس أن الشقاق بين شينوي وحزب العمل بلغ ذروته. فقد اتهم زعيم شينوي تومي لبيد حزب العمل بأنه تصرف كعجوز هرمة دفعت المال لشاب من أجل أن يتزوجها. كما حملت شينوي بشدة على كتلة "ياحد" التي أيدت الحكومة الجديدة ورأت في هذا التأييد خيانة للعلمانية ولمبادئ التعليم السليم.

وكانت الإشكالات داخل الليكود قد حالت دون قيام شارون بعرض التشكيلة النهائية لحكومته.

ومع ذلك عرض الحكومة الجديدة التي ضمت وزراء حزب العمل الثمانية وفي مقدمتهم شمعون بيريس في وزارة جديدة باسم "نائب رئيس الحكومة".

ورغم آلام الولادة العسيرة لهذه الحكومة التي يراد لها أن تنفذ خطة الفصل هناك من لا يزال يؤمن بأن عمرها قصير وقد لا يطول إلى أن تتمكن من تنفيذ الهدف الذي شكلت من أجله. ومع ذلك فإن هذه الحكومة بداية لمرحلة جديدة في الحياة السياسية الإسرائيلية لم تتبلور معالمها النهائية بعد. ولكن كما يبدو فإن هذه المرحلة قد تشهد انهيار النظام الحزبي القائم وبروز منظومة حزبية جديدة.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات