المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 1166

في خضم معركة النضال من أجل استرداد أراضي الروحة قدم طاقم المحامين في لجنة الدفاع عن أراضي الروحة تقريراً مفاده أن اتفاقية رودس في العام 1949 بين إسرائيل والأردن تحرّم تواجد قوات عسكرية إسرائيلية في المناطق التي سلمت من الأردن لإسرائيل في إطار الاتفاقية، وهي منطقة المثلث بما فيها وادي عارة وأم الفحم وأراضي الروحة. وبما أن القضية الرئيسية التي فجرت هبة الروحة في أيلول 1998 هي منع الأهالي من دخول أراضيهم في الروحة بحجة أنها مناطق تدريب عسكرية مغلقة قررت اللجنة الشعبية إرسال وفد إلى الأردن للاجتماع بالأمير حسن، الذي حل أيامها مكان الملك حسين، الذي تلقى العلاج في الولايات المتحدة.

 

جرى تنسيق الاجتماع بسرعة وطرحت القضية أمام الأمير حسن، الذي أبدى تعاطفاً وتفهماً للموضوع وطلب على الفور من المختصين الأردنيين في القانون الدولي أن يقدموا له تقريراً عن الأبعاد القانونية للقضية. وقدم التقرير مؤكداً على أن اتفاقية رودس تمنع دخول قوات الجيش الإسرائيلي إلى منطقة الروحة وغيرها من المناطق التي نقلت من الأردن لإسرائيل في العام 1949، ناهيك عن تحويلها إلى مناطق عسكرية وإجراء التدريبات فيها. هنا جاء الرد الإسرائيلي كالعادة: «الموضوع ليس بهذه البساطة، الموضوع معقد». وفي السطر الأخير كان الجواب: «إسرائيل لا تنكر أن أمراً من هذا القبيل موجود في اتفاقية رودس وإسرائيل لا تتنكر للاتفاقية». بعد «ولكن» المعهودة جاء الرد الإسرائيلي قاطعاً: «اتفاقية السلام بين إسرائيل والأردن تلغي اتفاقية رودس». إسرائيل سمحت لنفسها إعطاء هذا التفسير لاتفاقية وادي عربة لأن مكانة معاهدة رودس غابت عن المفاوضات مع الأردن. وبناء على تفسيرها هي للاتفاقيات مع الأردن رفضت السلطات الإسرائيلية الخوض في هذا الموضوع لا مع اللجنة الشعبية للدفاع عن أراضي الروحة ولا مع أي طرف آخر.

 

معركة الروحة بحاجة إلى تلخيص واستخلاص العبر. وهي بالتأكيد تستحق وقفة عندها لما فيها من نماذج يحتذى بها من العمل الوطني المبدئي والمسئول. ولعل المثال المذكور آنفاً دليل على الجدية في العمل والمهنية في التعامل مع القضية واليقظة في تعامل اللجنة الشعبية وأيضاً انعدام اليقظة لدى الجانب العربي الرسمي في إدارة العلاقة والصراع مع الدولة العبرية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أمر طرحناه عدة مرات في السنين الأخيرة، وهو ضرورة إطلاع المسئولين العرب والرأي العام العربي على إسقاطات وتأثير أي اتفاق أو ترتيب (أو حتى مواقف أو مبادرات) مع الجانب الإسرائيلي على الأقلية القومية العربية الفلسطينية داخل إسرائيل وعلى علاقتها بالدولة اليهودية.
مما لا شك فيه أن اتفاقية الروحة (اقرأ عنها في مكان آخر- المحرر) هي إنجاز كبير وهام للجماهير العربية عموماً ولأهالي وادي عارة ومنطقة أم الفحم على وجه الخصوص. ليس بالأمر الهين انتزاع واسترداد حوالي 11 ألف دونم لتضم إلى مناطق نفوذ البلدات العربية في وادي عارة. لا بد من التأكيد على أن هذا الانجاز هو ثمرة للنضال والتحدي قبل أي شيء آخر، والعبرة الأولى لمعركة الروحة هي أن النضال مجد. هناك عبر أخرى لهذه القضية سنأتي عليها لاحقاً، ولكن الوقفة النضالية كانت الأساس والمحفز والمحرك وبدونها كنا سنخسر المعركة وربما نخسر أراضي أخرى أوقفت هبة الروحة مصادرتها والاستيلاء عليها. لولا هبة الروحة المجيدة لما وصلنا إلى التوقيع النهائي على اتفاقية الروحة. كل من شارك في هبة الروحة أحس بالغضب الساطع الذي تفجر دفعة واحدة بعد أن قامت قوات الشرطة الإسرائيلية باقتلاع خيمة الاعتصام في أراضي الروحة والهجوم على المدرسة الثانوية في أم الفحم. أذكر جيداً أنه عندما وصلني خبر المواجهات تركت في الحال الصيدلية التي كنت أعمل بها وتوجهت إلى أم الفحم وكانت المواجهات على المفرق الرئيسي للمدينة في أوجها وكان هناك النائب عزمي بشارة وعدد من القيادات السياسية في أم الفحم وجماهير غفيرة من الناس. حضر بعدها النائبان صالح سليم من الجبهة وعبد المالك دهامشة من الحركة الإسلامية وكان الشيخ رائد صلاح في المستشفى بعد إصابته في اللحظات الأولى للمواجهة. استمر تقاطر أهالي أم الفحم إلى ساحة المواجهة وتوافدت الجماهير من قرى وادي عارة ومناطق أخرى. استمرت المواجهات ثلاثة أيام متوالية. ثلاثة أيام هزت الوادي وأطلقتها صرخة مدوية أن لا تنازل عن الأرض. لم تتوقف الهبة إلا بعد أن تم التوصل إلى اتفاق بالشروع بمفاوضات لحل قضية أراضي الروحة المغلقة أمام أصحابها، مع التأكيد أن الجماهير جاهزة لاستئناف هبتها إذا لم تعد الأرض إلى أصحابها الشرعيين.

بعد ست سنوات من المفاوضات المضنية عادت الأرض إلى أصحابها واستطاعت اللجنة الشعبية للدفاع عن أراضي الروحة تحقيق أكثر من ذلك وهو ضم أراض إضافية إلى مسطحات البلدات العربية في وادي عارة، مساحتها أكبر من الأرض التي اندلعت الهبة بسبب إغلاقها أمام أصحابها.
إذا كان الدرس الأول والأهم لمعركة الروحة هو أن النضال مجد، فإن الدرس الثاني هو أن الوحدة الوطنية والجماهيرية هي المفتاح. فقد تجلت في اللجنة الشعبية للدفاع عن أراضي الروحة وفي عملها وحدة الصف بين الحركات السياسية الجماهيرية: الحركة الإسلامية والجبهة والتجمع. وضمت اللجنة في صفوفها ممثلين عن السلطات المحلية وهيئات شعبية وطواقم مهنية من محامين ومهندسين وإعلاميين. والأهم من هذا كله وحدت اللجنة جميع أصحاب الأراضي بلا استثناء. من الطبيعي أن تدور نقاشات حامية في إطار واسع من هذا النوع. لكن كل من شارك في الجلسات، وقد كان كاتب هذه السطور عضواً في اللجنة، لمس أن النقاش لم يدر في أي مرحلة بين الأطياف السياسية أو الشعبية بل كان يدور دائماً في صلب القضية وفي مصلحة القضية.

 

وعلى هذا الأساس تميزت اللجنة، وهذا هو الدرس الثالث، بقدرتها على اتخاذ قرار موحد التزم به الجميع.

لقد استطاعت اللجنة اتخاذ قراراتها بالإجماع لأن أصحاب الأرض وبقية أعضاء اللجنة رفضوا أنصاف الحلول التي عرضتها السلطة في مراحل مختلفة. وكانت الحلول المطروحة مبنية على تقسيم الزمان والمكان، أي السماح للأهالي بدخول الأرض في فترات محددة من السنة ومنعهم من دخولها خلال أشهر التدريبات العسكرية، وكذلك قدمت السلطة مقترحات بإعادة جزء من الأرض إلى أصحابها. لم يضعف أحد أمام هذه الإغراءات أو غيرها، ويعود ذلك بالتأكيد إلى التصميم والوعي ويدل أيضاً على أهمية تنظيم الناس للدفاع عن حقوقهم، وهذا هو الدرس الرابع لمعركة الروحة.

قامت اللجنة الشعبية بجمع كل أصحاب الأراضي في إطار واحد وموحد، وكان لتنظيمهم دور حاسم في منع الاستفراد بكل واحد على حدة. لو كان أصحاب الأراضي مبعثرين لما استطاعوا استرداد أراضيهم. التنظيم قوة والتنظيم العصري قوة أكبر خاصة في مواجهة سلطة دولة منظمة وحديثة تملك المعلومات والقدرات. هنا كان دور مهم جداً للطواقم المهنية التي رافقت عمل اللجنة في كل المراحل.

 

والدرس الخامس يكمن في أهمية المهنية واستثمار هذه الطاقات الموجودة في مجتمعنا، بدءاً من الطواقم الطبية التي عالجت وتابعت الحالة الصحية لأكثر من 500 جريح أصيبوا في مواجهات هبة الروحة، ثم المهندسين الذين حضروا الخرائط التفصيلية والمحامين الذين غطوا الجانب القانوني في كل مرحلة.

 

دروس كثيرة يمكن أن نستخلصها من هذه المعركة. دروس يجب أن تكون ملكاً للجميع، حتى يبقى في الأرض ما ينفع الناس وليذهب الزبد هباء.

 

(*) عضو كنيست. رئيس كتلة "التجمع الوطني الديمقراطي".

المصطلحات المستخدمة:

المثلث

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات