المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • مقالات وأراء عربية
  • 833

 

تعريف: صدر حديثاً عن المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" الورقة رقم 23 من سلسلة "أوراق إسرائيلية"، بعنوان "التزييف كأداة استخبارية: الإنتفاضة، العملية السلمية وتقديرات الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية". وتقع الورقة في 82 صفحة.

 

ترصد هذه الورقة الجدل الدائر منذ حزيران 2004، بين عدد من القادة السابقين والحاليين في شعبة الإستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان" المتعلقة بوجهة القيادة الفلسطينية وفي طليعتها الرئيس ياسر عرفات.

في الورقة مقالات ومقابلات لكل من: عكيفا إلدار، عاموس ملكا، عاموس جلعاد، يؤاف شتيرن، داني روبنشتاين، يوئيل أسترون، ب. ميخائيل، شلومو غزيت، زئيف شيف، رؤوبين بدهتسور، عوفر شيلح، أرنون سوفير، د. أوري بار يوسف، داني رابينوفيتش، بن كسبيت، وأمير دروري.

 

قدم للورقة أنطوان شلحت. وجاء في مقدمته:

 

لم يحسم الجدل الذي دار، منذ حزيران (يونيو) 2004، بين عدد من القادة السابقين والحاليين في شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية (أمان)، حول صدقية "التقديرات الاستخبارية" المتعلقة بوجهة القيادة الفلسطينية وفي طليعتها الرئيس ياسر عرفات، من ناحية نواياها ورغباتها الدفينة، عشية إنتفاضة الأقصى وفي خضمها وفي مجمل ما يتعلق بـ"العملية السلمية". وعلى ما يبدو فإن هذا الجدل لن يحسم بتاتًا، لجهة هذا الطرف أو ذاك. لكن في مجرّد خروجه إلى العلن ما يشير، ربما للمرة الأولى على المستوى الاسرائيلي الصرف، إلى الآليات التي التجأت إليها ماكينة الافتراء والتزييف الاسرائيلية، العسكرية والسياسية، لتبرير حربها الوحشية المستمرة على الشعب الفلسطيني، حسبما يؤكد ذلك أيضًا في إسرائيل نفسها أكثر من خبير أمني وجامعي وإعلامي تطالعون آراءهم المنشورة في هذه "الورقة".

يتمحور الجزء الأكبر من هذا الجدل حول الدور الذي أداه، في هذا الشأن، اللواء في الاحتياط عاموس جلعاد، والذي سرعان ما حظي بتغطية ودعم من وزير الدفاع، شاؤول موفاز. و"جلعاد" هو نفسه "السيد استخبارات"، كما يعتبره أصدقاؤه ومنتقدوه، في إشارة إلى مكانته الاعتبارية. وخلال الفترة، التي يتطرق إليها الجدل، أشغل مهمة رئيس وحدة الأبحاث في شعبة الاستخبارات. وحاليًا يتولى منصب رئيس الطاقم السياسي- الأمني في وزارة الدفاع الاسرائيلية.

ومن الطبيعي أن يحيل جانب من الجدل المحتدم على التركيبة الذاتية، وبالأخص النفسانية، لهذا الطراز من القادة العسكريين. ويتبدى مما يقوله عنه بعض من عرفوه عن قرب أنه يتوافر على مهارات في الافتراء والاختلاق وتجييش الوقائع، سعيًا لاستدرار قامة أطول من قامته الحقيقية. وأن ذلك غير منحصر في الفترة الراهنة فقط. هذا ما يوضحه، على صلة بما قيل، اللواء في الاحتياط أمير دروري، قائد المنطقة العسكرية الشمالية في السنوات 1982- 1983 ، ضمن مقال يرد فيه على مغالطات كثيرة صدرت عن "جلعاد"، في سياق آخر غير سياق "إنعدام الشريك لمفاوضات السلام في الجانب الفلسطيني"، الذي وقف في صلب الجدل بين رجال الاستخبارات. وبتوخينا أن ننشر ردّ "دروري" وأقوال "جلعاد" التي استدعت هذا الرد، في آخر هذه "الورقة"، نقصد أن نمدّ خيطًا يصل الجدل الحالي ببعض خلفياته الخاصة جدًا المرتبطة بالسيرة الملتوية لهذا الضابط.

 

تطلّ من خلف الجدل مع "جلعاد" في السياق الفلسطيني، الذي أطلق شرارته الأولى اللواء في الاحتياط عاموس ملكا، رئيس "أمان" السابق، وقائع عديدة تسند قراءة مآل الصراع الاسرائيلي- الفلسطيني، هنا والآن، من وجهة نظر أخرى. لعل أكثرها أهمية تلك العلاقة الطردية بين المستوى العسكري والمستوى السياسي في إسرائيل. جوهر هذه العلاقة سبق أن أشار إليه، في مناسبة أخرى، رئيس مركز "يافه" للأبحاث الاستراتيجية في جامعة تل أبيب، د. شاي فيلدمان، بقوله إن الجيش بات يحتكر لنفسه في الوقت الحالي "مهمة تفسير الواقع"، وإن كانت الأمور غير محددة بهذا الشكل بموجب ما ينص عليه القانون. واعتبر هذا الأمر ينم عن "وضع خطير وغير سليم".

 

في الوقت ذاته فإن وقائع الجدل تبقي كثيرًا من الأسئلة، التي جرى طرحها، مفتوحة من دون إجابات محددة. لكن إجابة واحدة على الأقل تبقى محددة جدًا، هي تلك المرتبطة بالسؤال حول استمرار "المفهوم الجلعادي"- إذا جاز التعبير- في تدجيج السياسة المنتهجة من قبل حكومة إسرائيل فيما يتعلق بتسوية النزاع مع الفلسطينيين. ويدل على ذلك موقف وزير الدفاع شاؤول موفاز المتحزب لرئيس طاقمه السياسي- الأمني، حسبما أسلفت الاشارة. كما تدل عليه أقوال خليفة "جلعاد" في وحدة الأبحاث، العميد يوسي كوبرفاسر، الذي يتولى الآن مهمة "حراسة" ذلك "المفهوم"، حسبما ترد في مقال للصحفي من "هآرتس" يوئيل استرون. وإن الأمر المثير هنا أن "كوبرفاسر" نفسه سبق له أن أسّر للصحفي ب. ميخائيل، من "يديعوت أحرونوت"، قبل حوالي السنة، بما يتضاد جملة وتفصيلاً مع ما يقوله ويؤكد عليه اليوم، بخصوص الموقف الفلسطيني من تسوية النزاع. فما الذي اختلف إذًا؟.

 

ملاحظتان للختام:

 

أولاً- أي حكم يستنتج من هذه الوقائع أن المستوى العسكري الاسرائيلي يتحمل بمفرده وزر العنف الدموي الأخير ضد الفلسطينيين، يبقى حكمًا تبسيطيًا. ففي التحصيل الأخير كانت تلك حكومة إسرائيل "التي بدورها تبنت وجهة نظر عاموس جلعاد وأخفت تقدير عاموس ملكا"، كما يشير عالم الاجتماع د. داني رابينوفيتش. ويعزو "رابينوفيتش" الخلل إلى غياب "ثقافة جدل تعددية حول القرارات المصيرية"، مؤكدًا أن "السياسيين، الذين يصلون الى مراتب عليا بسبب الأيديولوجيا وبسبب نجاحهم في إنتاج صورة تتحلى بالمثابرة وتدعي العلم بكل شيء، ليسوا شركاء في بلورة ثقافة جدل كهذه. فقط إعلام يتحلى بالمسؤولية ومثقفون لا يتوقفون عن التفكير بصورة مستقلة عندما تنغلق الصفوف في لحظات الأزمة ـ نخبة من الطراز الذي تفتقده اسرائيل والولايات المتحدة في السنوات الأخيرة ـ هم الذين في مقدورهم أن يفعلوا ذلك".

 

ثانيًا- اتهم "ملكا" مرؤوسه "جلعاد" بتهم مؤداها الرئيسي هو "محاولة تجيير التقديرات الاستخباراتية لما يتلاءم مع مواقفه". على صلة بهذا المؤدى يتساءل عوفر شيلح: ألم تتصرّف أغلبية الجمهور الاسرائيلي، طوال ما يقارب السنوات الأربع المنصرمة، على هذا النحو وخلقت لها عالماً يلائم مواقفها؟. وهذا ما يؤكده، بوضوح أكبر، رؤوبين بدهتسور بقوله: بعد حوالي أربع سنوات من القتال يمكن القول بصورة مؤكدة ان الجيش الاسرائيلي قد نجح في "كيّ الوعي"، ولكن ليس وعي الفلسطينيين وانما وعي الجمهور الاسرائيلي تحديدا الذي تبنى دون استئناف وجهة النظر التي تحرك قادة الجيش في سياستهم المتبعة في المناطق المحتلة.

 

لقد رأى بعض المعلقين أنه أيا يكن الحال، فإن القضية التي أظهرتها الخلافات بين "ملكا" و"جلعاد" سوف تترك، على المدى البعيد، أثرا بالغا ليس فقط في احتمال تغيير البنية المؤسساتية لجهات التقدير الاستخبارية أو خلافها، وانما في نظرة الشارع الاسرائيلي الى كبار الضباط. ولفت هؤلاء إلى ان "صورة الضابط" قد تراجعت بشكل كبير في الذهنية العامة الاسرائيلية، خاصة إن لم يبرر هذا الضابط موقفه في كل لحظة. أما "صورة السياسي" فيظل تراجعها في رأينا معوّلاً، قبل أي شيء، على ما تكتسبه تلك الذهنية العامة من مقدرة التفوّق على نفسها، وهي مقدرة لا تزال إلى الآن في حدودها الدنيا.

المصطلحات المستخدمة:

يديعوت أحرونوت, هآرتس, شاي, عوفر شيلح

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات