المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

شكّك العديد من المحللين الإسرائيليين بامكان استمرار حكومة شارون، المزمع تشكيلها، لأكثر من عام أو عامين، وذلك بحكم التحديات الجمة والمعقدة التي تواجهها، سواء كان ذلك بسبب الخلافات الإسرائيلية الداخلية أو بسبب الاستحقاقات الخارجية السياسية، التي ستواجه هذه الحكومة على الصعيد الإقليمي وإزاء الإدارة الاميركية، لا سيما لجهة عملية التسوية مع الفلسطينيين والموقف من خطة "خريطة الطرق".


على الصعيد الداخلي، مثلا، يعكف أريئيل شارون، في هذه الآونة، على دراسة خياراته الائتلافية لتشكيل حكومته الجديدة، والإقلاع بها، ويبدو أن الخيار المفضل لديه هو إقامة حكومة "وحدة وطنية" مع أحزاب: العمل وشينوي ويهدوت هتوراه وشعب واحد، وأيضا المفدال وشاس (إن أمكن)، لأن هذا الخيار يمنحه أغلبية مريحة في الكنيست ويتيح له تحسين صورة إسرائيل على الصعيد الخارجي، كما أنه يجنّبه ضغط اليمين المتطرف (إذ ثمة من هو أكثر تطرفا من شارون في إسرائيل!).

ولكن هذا الخيار يصطدم بشروط حزب العمل ولا سيما زعيمه الجديد عمرام متسناع، الذي يصر على رفض المشاركة في أية حكومة "وحدة" من دون الاستجابة لمطالب حزبه السياسية، التي من ضمنها استئناف عملية التسوية مع الفلسطينيين على قاعدة تفكيك المستوطنات في قطاع غزة وإخلاء القطاع، ولو من طرف واحد، وتجميد البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وإقامة سور فاصل على طول الخط الأخضر.

ولدى متسناع وجهة نظر مفادها أن تجربة مشاركة حزب العمل في حكومة الوحدة الوطنية السابقة أظهرته بمثابة تابع لليكود كما أنها عادت عليه بنتائج وخيمة في الانتخابات، لذلك فهو يفضّل أن يبقى الحزب خارج الحكومة ليقود المعارضة ويعيد تأهيل نفسه وتحديد هويته.

وثمة وجهة نظر أخرى، في الحزب (بن اليعازر وبيريس)، مفادها أنه لا يمكن لحزب العمل أن يبقى في المعارضة، لاسيما في هذه الظروف الدولية والإقليمية الحرجة، ويفسر هذا الاتجاه تراجع مكانة الحزب في الانتخابات بمعارضته لمزاج الجمهور الإسرائيلي، الرافض لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين والمؤيد لحكومة الوحدة الوطنية.

جهود كبيرة ستبذل في إقناع متسناع بالتزحزح عن وجهة نظره، أخذًا بعين الاعتبار الضغوط والظروف الدولية والإقليمية، لا سيما مع صدور إشارات من شارون بامكان إبداء مرونة سياسية مع بما يتعلق بالتجاوب مع الاقتراحات الاميركية المتمثلة بخطة "خريطة الطريق".

اما حزب شينوي، العلماني الذي كان يرفض مشاركة "شاس" في أي حكومة وحدة يدخلها، فقد أبدى مؤخرًا ليونة في هذه المسألة، إذ بدا متحمسا للمشاركة في أية حكومة "وحدة وطنية" بحجة الأوضاع الدولية والإقليمية. وتفسير هذا التغيير أن هذا الحزب يشتغل ليكرس نفسه كحزب فاعل في مركز السياسة الإسرائيلية، بدلا من البقاء كحزب هامشي طارئ على هذه السياسة، لا سيما وانه بات يحتل المركز الثالث في الخريطة السياسية في إسرائيل، بعد حزبي الليكود والعمل، بحصوله على 15 مقعدا، في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

وعلى المستوى الداخلي - الحزبي، فإن شارون سيواجه عقبات وضغوط كثيرة من داخل حزبه الليكود، لا سيما من جهة بنيامين نتنياهو الذي يحظى بنفوذ كبير في الليكود وفي أحزاب اليمين المتطرف (الاتحاد الوطني ـ إسرائيل بيتنا)، ولا شك أن نتنياهو ومناصريه سيبذلون قصارى جهودهم لإحباط قيام حكومة وحدة وطنية، لأنها ستحرمهم من المناصب الوزارية المهمة، كما أنهم، في حال قيام هذه الحكومة، سيعملون على وضع صعوبات وعراقيل كثيرة أمام توجهاتها السياسية، سواء بتقييد شارون بتوجهات حزبه الليكود، أو بالعمل من داخل الكنيست الإسرائيلي.

وإضافة إلى هذا وذاك فإن شارون، يواجه التحديات المتعلقة بمعالجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية، لا سيما مع وجود ربع مليون عاطل عن العمل والتدهور في حجم الاستثمارات الخارجية وتدني مستوى التنمية وانعدام الأمن مع وجود العمليات التي أودت بأكثر من 700 قتيل إسرائيل خلال عامين من حكمه.

على ذلك فالتحديات الداخلية التي تواجه شارون مرتبطة تماما بالتحديات الخارجية. وفي هذا الإطار يسعى شارون، في هذه الآونة، لتعزيز دوره في السياسة الاميركية، إزاء المنطقة على ثلاثة محاور، هي:

1ـ العمل مع الإدارة الأميرية على تعديل خطة "خريطة الطرق" بحيث تراعي المطالب الإسرائيلية، أولا، وبحيث تعظم مكاسب إسرائيل في الترتيبات الإقليمية الجارية؛ 2 ـ السعي إلى التنسيق مع الإدارة الأمريكة بما يتعلق بالحرب المبيتة ضد العراق والحرص على تعزيز مكانة إسرائيل في الترتيبات الإقليمية المزمع إقامتها في المنطقة، بعد التخلص من الملف العراقي سلما أو حربا؛ 3 ـ محاولة الحصول من الولايات المتحدة على مساعدات مالية تمكنها من معالجة أزمتها الاقتصادية.

إزاء ذلك يمكننا الاستنتاج أن شارون يشتغل على تعديل خطة خريطة الطريق، حتى لا يصطدم مع الإدارة الأميركية، وحتى لا يبدو كمن يشوش على حربها ضد العراق، أمام حلفائها الإقليميين والدوليين، من جهة؛ ومن جهة أخرى فإن شارون يشتغل على التملص من هذه الخطة بتأجيلها، إلى ما بعد الانتهاء من الملف العراقي واتضاح صورة الوضع، وذلك بهدف تجنب ضغوط اليمين المتطرف في الساحة الإسرائيلية وأيضا لأن التأجيل إلى ما بعد الحرب يمكن أن يحسن من قدرة إسرائيل على فرض شروطها، كما يمكن أن يقلل من وطأة الضغط الدولي والإقليمي عليها.

وفي هذا الإطار يمكننا أن نفهم مغزى زيارة أفرايم هاليفي، مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، إلى واشنطن مؤخرا، كما يمكننا أن نفهم قيام شارون بتشكيل طاقم سياسي مهمته إعداد الرد الإسرائيلي على خطة "خريطة الطريق"، برئاسة دان مريدور وافرايم هليفي واللواء عاموس جلعاد، منسق عمليات الاحتلال في المناطق الفلسطينية المحتلة، والمحامي دوف فايسغلاس مدير ديوان شارون.

وبحسب عكيفا الدار، ليس صدفة ان شارون اختار مريدور "لتولي مهمة صياغة خطة السلام". "مريدور – يكتب الدار - يعتبر جزءا من الرسالة التي يود شارون إيصالها للأمريكيين ولحزب العمل أيضا. ومريدور الذي شارك في محادثات كامب ديفيد الثانية يعتبر رمزا يساريا في الليكود. فهو مؤيد بارز لتفكيك المستوطنات المعزولة وإقامة دولة فلسطينية حقيقية في كل المناطق باستثناء التجمعات الاستيطانية التي ستضم لإسرائيل. مريدور اعتاد التوضيح بأنه قد انضم للحكومة بعد أن اقتنع بأن شارون ينوي بجدية التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين بحيث تكون إقامة الدولة المستقلة أساسا لها". (هآرتس 30/1)

صورة الوضع السياسي الذي يواجه حكومة شارون الجديدة تتلخص في ما كتبه زئيف شيف في "هآرتس"، بقوله ان كل حكومة ستقوم يتوجب عليها إذا أرادت منع تدهور خطير في وضع اسرائيل القيام بالخطوات السياسية - والأمنية التالية: الامتناع عن التمشكل في قطاع غزة؛ حتى يتم الحسم في القضية العراقية.. "يجب ألا نشوش على الخطوة الأمريكية بقيامنا بعمليات عسكرية يمكنها أن تدهور الوضع؛ يجب أخذ الحذر من تدهور عسكري على الحدود الشمالية؛ على الحدود الأخرى يتوجب الاستمرار بإقامة جدار، لكن اعتبارها فقط حاجز آخر وليس حلا لكافة العمليات الإرهابية؛ إذا نشبت حرب في العراق ويتم ضرب إسرائيل، فسيتم تحديد سوابق ما يمكن فعله من أجل إسرائيل دون المخاطرة بردّ؛ يجب التجهيز للخطوة السياسية التي ستعقب حرب العراق. فلو لم تبادر إسرائيل بالتسويات، فسيتم فرضها عليها. فلذلك يجب العمل على إعادة الفلسطينيين إلى المفاوضات؛ لو توقفت المفاوضات مع الفلسطينيين مرة أخرى..". (هآرتس 29/1)

أخيرا لا شك أن مشكلة شارون الأساسية هي أنه لا يريد أن يقر بالترابط بين العملية السياسية والاستقرار الأمني والاقتصادي، فالاستثمارات لن تأتي بدون استقرار أمني وسياسي، والاستقرار الأمني، كما بينت التجربة مستحيل في ظل انسداد أفق التسوية وانعدام الأمل لدى الفلسطينيين، الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه وفق الطريق الشارونية، وإذا ما استمر شارون بطريقه هذه من دون تدخل دولي وإقليمي مناسب فإن الوضع سيبقى على حالة وقد يشهد مزيدا من التوتر والتدهور.

(دمشق – خاص)

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات