المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

ترعرعت في قطاع غزة تحت الاحتلال الاسرائيلي، ولم اكن اتخيل وجودي في واشنطن متحدثاً مع الاميركيين مباشرة حول تجارب شعبي وأماله واحلامه. كنت قد سمعت عن الولايات المتحدة، وعن حبها ل

لحرية، ونضال شعبها كأمة حديثة ضد نير القهر الكولونيالي، ولهذا شعرت بأن الشعب الاميركي سيكون افضل من ينصت ويتفهم نضال الشعب الفلسطيني للحرية. لقد انتظرنا اكثر من خمسة وثلاثين عاماً لنيل حقوقنا والعدالة وحق تقرير المصير. نحن الشعب الوحيد على وجه الارض الذي لا زال يعيش تحت احتلال اجنبي كولونيالي. حاولنا كل السبل الممكنة لتحقيق تطلعاتنا الانسانية والوطنية. من الانتفاضة الاولى الى مؤتمر مدريد للسلام، ثم الى عملية سلام اوسلو، وبعدها مذكرة واي ريفر، وتلاها مؤتمر شرم الشيخ، وجاءت بعده محادثات كمب ديفيد. شارك الفلسطينيون في كل لقاء ممكن سعياً للحياة بسلام وأملاً في منح اطفال المنطقة مستقبلاً واعداً. «خريطة الطريق» علامة واضحة لجهود المجتمع الدولي في هذه الآونة لانهاء دائرة العنف المستمر منذ واحد وثلاثين شهراً، وللدفع باتجاه الحل النهائي للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.

تحدد «خريطة الطريق» خطوات عدة يفترض اتباعها من جانب الطرفين، والتوصل بالنتيجة الى اقامة دولة فلسطينية على 22% من ارضنا التاريخية، وهو الجزء الذي احتلته اسرائيل عام 1967. تلك الخطوات سيتم تنفيذها على ثلاث مراحل. فيما يخصنا نحن الفلسطينيين، فقد باشرنا تنفيذ واجباتنا المطلوبة في المرحلة الاولى من «خريطة الطريق».

اولاً: فرض وزير الاقتصاد الفلسطيني، سلام فياض، نهجاً شفافاً في اجراءات الميزانية التي اصبحت علنية وفي متناول الجمهور وخدمته. كل حسابات وودائع الحكومة دمجت في حساب مالي تابع للوزارة. عندما طرح الوزير اول ميزانية كاملة على البرلمان الفلسطيني في ديسمبر (كانون الاول) الماضي، وصف مسؤول من صندوق النقد الدولي الامر بانه «اكثر ميزانية شفافة في العالم».

ثانياً: تعاونَّا مع مستشارين دوليين وخبراء في القانون لاعداد الدستور الذي اقر اساتذة اميركيون انه الدستور الاكثر ديمقراطية في المنطقة، بما فيها اسرائيل التي لا تملك دستوراً حتى الآن. نحن الآن بصدد دراسة كيف نطرح الدستور للحوار العام والاعتماد، ليكون جاهزاً للتطبيق عندما نحقق دولتنا.

ثالثاً: في العاشر من شهر مارس الماضي وافق البرلمان الفلسطيني على تعديل للقانون الاساسي الفلسطيني لايجاد منصب رئيس وزراء لاول مرة في تاريخنا. في التاسع عشر من مارس، وافق محمود عباس (ابو مازن) على ترشيحه من قبل الرئيس ياسر عرفات لتولي منصب رئيس الوزراء. المجتمع الدولي، بما فيه الولايات المتحدة، رحب بتلك الخطوة.

اخيراً: في يوم الخميس حصلت الحكومة الجديدة على ثقة البرلمان بأغلبية واحد وخمسين من اصل خمسة وثمانين نائباً. في خطابه الاول كرئيس للوزراء، اكد محمود عباس على الموقف الفلسطيني تجاه اسرائيل: «نريد سلاماً دائماً معكم، يتم التوصل اليه عبر المفاوضات. نحن نشجب الارهاب من أي جهة وبكل اشكاله، وذلك لاسباب تتعلق بديننا، وتقاليدنا الاخلاقية، ولاننا على ثقة بان تلك الاساليب لا تخدم قضية عادلة مثل قضيتنا، بل تدمرها. في المقابل نأمل ألا يدير الاسرائيليون ظهورهم لمعاناة الشعب الفلسطيني».

وقال رئيس الوزراء ايضاً ان حكومته ستتخذ خطوات لسحب الاسلحة غير الشرعية. لقد انجز الفلسطينيون هذه الاصلاحات وحافظوا على التزامهم بالسلام، بينما هم يعيشون تحت الاحتلال العسكري الكامل، واثناء وجود دبابات اسرائيل في شوارعنا، ومع تواصل الاغلاقات والحصار ومنع حركة الناس، وكان هناك 163 حاجزا اسرائيليا تقطع الضفة الغربية الى 300 جزء منفصل. وكان في قطاع غزة 31 حاجزا عسكريا تقطع القطاع الى ثلاثة اجزاء معزولة عن بعضها. اقتصادنا تم تدميره عبر العنف. حسب البنك الدولي فان 67% من الفلسطينيين يعيشون تحت خط الفقر، و60% من الفلسطينيين عاطلون عن العمل، و22 % من اطفال فلسطين يعانون من سوء تغذية دائمة، وذلك كله لاسباب من صنع البشر. النهج الاصلاحي السياسي القائم في هذه الظروف هو نجاح غير عادي ويوضح للعالم القدرات المؤسساتية الممكن اقامتها عندما يتحرر الشعب الفلسطيني. فلسطين لديها الامكانية لتصبح النموذج السائد للديمقراطية في الشرق الاوسط.

اننا سنواصل التجاوب مع رؤى وتطلعات الرئيس بوش. السؤال الآن هو ما اذا كانت اسرائيل ستقوم بالمثل. هذه لحظات تاريخية ليس فقط لاسرائيل وفلسطين، ولكن للولايات المتحدة ايضاً. يجب على ادارة بوش ان تحسم الامر وتتولى القيادة حسب التقليد الاميركي الملتزم بالحرية والديمقراطية، وتوصل اسرائيل وفلسطين الى دولتين متجاورتين تعيشان في أمن وسلام.

* مستشار للشؤون السياسية والكونجرس في بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»

المصطلحات المستخدمة:

مؤتمر مدريد, اوسلو

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات