هل هناك من لم ينتظر "ديغولا اسرائيليا"؟ ولماذا فشل رابين، ونتنياهو، وباراك، وشارون في أن يكونوا "ديغولا اسرائيليا"؟ ولماذا لا يبدو ان الاسرائيليين سينتخبون الجنرال متسناع ليكون "ديغولا اسرائيليا"؟
مع دخول اسرائيل أيام العد العكسي العشرة، قبل "يوم الاقتراع"، هناك من يغالب القلق، وهناك من يغالب القرف، او الزهق من الاستطلاعات اليومية لاتجاهات السيد الاسرائيلي الناخب.
واحد من كل ستة ناخبين لم يحسم رأيه بعد. وتقول بعض "حمى" معطيات الاستطلاعات، ان حجم المترددين كان يقل، عادة، مع اقتراب يوم الاقتراع.. إلا هذه المرة.
كل جولة انتخابية تشكل مناسبة للمقارنة مع ما سبقتها من جولات. نسبة "الباطنيين" من الناخبين قرينة جديدة، غير ان حصيلة الجولات الانتخابية خلال ربع القرن الاخير تقدم قرينة اكثر اهمية. مرة واحدة، خلال ربع قرن، جرت انتخابات الكنيست في موعدها الدستوري المقرر، وكان ذلك في انتخابات العام 1988. في تلك الفترة، جربت اسرائيل شتى انواع الحكومات: يمينية – دينية، يسارية – دينية، وحكومات ائتلاف الحزبين الاكبرين، المسماة اسرائيليا "حكومة وحدة وطنية".
نجاحات هذا التنوع الحكومي تقل تدريجيا، بما فيها حكومة "علاج" الائتلاف الوطني. لكن، الناحية الاكثر اهمية من فشل الاستقرار السياسي تتعلق بالفشل الكبير لاصلاح الخلل في الاستقرار، عندما انتكس قانون جديد لانتخاب رئيس الوزراء مباشرة من الشعب.
بعد ثلاث جولات انتخابية جرت وفق هذا الاصلاح الحكومي، وبموجبه يصوت الناخب بورقتين: للقائمة الحزبية، ولرئيس الوزراء، تعود انتخابات الكنيست الـ 16 الى النظام القديم (الورقة الواحدة).
كان من المأمول ان يؤدي الانتخاب بورقتين الى ما يشبه "نظام نصف – رئاسي"، يحرر رئيس الوزراء من التشرذم الحزبي، عن طريق اضافة ثقل رئيس الوزراء، المنتخب مباشرة، الى ثقل الحزب الفائز. هذا الامر لم يتحقق. فقد صدف ان انتخب الاسرائيليون حزبا لاكبر اغلبية برلمانية (حزب العمل)، ومعه رئيس وزراء ينتمي للحزب الثاني في الكنيست.
لحل هذا التناقض، لجأوا الى حكومة ائتلاف الحزبين، التي كانت قصيرة العمر، بينما لم تنجح خطوة اصلاحية سابقة للحد من تشرذم الأحزاب، عندما توافقوا على رفع نسبة الحسم (اللازمة لدخول حزب هامشي الى الكنيست) من 1% الى 1،5%.
من بين الاصلاحات المقترحة، بعد فشل قانون انتخاب رئيس الوزراء من الشعب، أن يتم رفع نسبة الحسم الحزبية الى 5% من اصوات المقترعين الفعليين، ما يحرم الاحزاب الصغيرة فرصة الفوز بمقعد برلماني، او يدفعها الى تكتلات ائتلافية.
لكن، كشفت هذه المعركة الانتخابية الجارية عن فساد مريع في قانون الانتخابات الحزبية التمهيدية. حسنا، سوف تتم العودة الى القانون الحزبي السابق في انتخابات الكنيست الـ 17.
ليس مؤكدا ان تشكل العودة الى "القديم" من القوانين علاجا لحالة عدم الاستقرار الحكومي، لأن القوانين القديمة ذاتها لم تكن علاجا ناجعاً، ربما لأن التشخيص شيء والعلاج شيء آخر. بمعنى انه خلال ربع قرن من التقلبات الوزارية المتلاحقة، والتشكيلات الحكومية المتنوعة، ازداد الادراك لدور "العلة الفلسطينية" او لحالة الاحتلال في داء عدم الاستقرار السياسي.
هناك من يقترح عودة راديكالية الى نظام انتخاب رئيس الوزراء من الشعب، لكن مع تغيير جوهري في النظام ذاته، ليغدو نظاما رئاسيا، مثلما هي الحال عندما اختار الفرنسيون نظاما رئاسياً.
هل هناك من لم ينتظر "ديغولا اسرائيليا"؟ ولماذا فشل رابين، ونتنياهو، وباراك، وشارون في أن يكونوا "ديغولا اسرائيليا"؟ ولماذا لا يبدو ان الاسرائيليين سينتخبون الجنرال متسناع ليكون "ديغولا اسرائيليا"؟
انها مفارقة ان تضغط اسرائيل وامريكا باتجاه اصلاحات فلسطينية تدفع الى نظام برلماني، بينما يحن الاسرائيليون لبقاء "الجد الطيب" او الى "نظام ابوي" بطريركي.. ولا يملك جوابا قاطعا حتى على خطة "اللجنة الرباعية" لتخليص اسرائيل وفلسطين معا من الاحتلال.
زعيم "شينوي" الصاعد، السيد يوسف (طومي) لبيد.. يقول: نحن لم نحتل طولكرم، لكن طولكرم احتلتنا؟!
حسن البطل
("الأيام"، رام الله، 18 كانون الثاني)