المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

الأحزاب العربية التي تحدث عنها متسناع مؤخرا كشريك محتمل في حكومة قد يشكلها، لم ترد بوضوح على عرض متسناع، لانشغالها في وأد محاولات عناصر متنوعة في إسرائيل إخراجها من الانتخابات. لكن، ما من شك بأن طرح متسناع إزاءها جريء، بما يعني ضمها بصورة كاملة للمشاركة بصورة فعالة في الحكومة الإسرائيلية،

بقلم: وديع أبونصار
أعلن عمرام متسناع، زعيم حزب العمل الإسرائيلي، مؤخرا عن رفضه المشاركة في حكومة وحدة وطنية يشكلها أرئيل شارون بعيد الانتخابات العامة المقبلة للكنيست الإسرائيلي، والتي من المتوقع أن تجري في الثامن والعشرين من الشهر المقبل. ويأتي إعلان متسناع هذا بعد فترة من التمهل، امتدت نحو ثلاثة أسابيع، منذ قيام رئيس الحكومة الحالي، أرئيل شارون، بطرح هذا الاحتمال علنا على قيادة "العمل".

غير أن إعلان متسناع رفضه الانضواء تحت قيادة شارون في حكومة وحدة وطنية وطرحه احتمالا معاكسا يقضي بانضواء شارون وحزب "الليكود" تحت قيادة متسناع في حكومة وحدة وطنية، يأتي نتيجة لحسابات انتخابية، شأنه في ذلك شأن الأسباب التي كانت قد دفعت شارون إلى طرح فكرة الحكومة الوطنية على حزب العمل. حيث أن موضوع حكومة الوحدة الوطنية يعد موضوعا جذابا لجزء كبير من اليهود في إسرائيل، بالذات أولئك الذين يتواجدون فكريا في مركز الخريطة السياسية الإسرائيلية، والذين يشكلون هدفا سياسيا لكل من متسناع وشارون، اللذان يحاولان استقطاب أصواتهم في الانتخابات المقبلة. وتعود أهمية هذا الموضوع لقطاعات واسعة من الجمهور اليهودي الإسرائيلي اثر اعتقادهم بأن دولتهم تعيش في حالة تهديد خارجي متواصل من العرب عامة ومن الفلسطينيين خاصة، مما يتطلب شعورا بالوحدة داخل إسرائيل، وفقاً تحليل هؤلاء.

إن دعم هذه القطاعات الواسعة لفكرة حكومة الوحدة الوطنية كان السبب الرئيس وراء تمهل متسناع قبل الإدلاء بتصريحه الأخير المعارض لهذه الفكرة. حيث اعتقد بعض مقربي متسناع بأن معركته الانتخابية يجب أن تشمل توجها لمركز الخريطة السياسية بهدف استقطاب مصوتين على حساب الأحزاب المتواجدة في وسط ووسط - يمين الخريطة السياسية الإسرائيلية. وهذا ما يفسر لنا تصريحات متسناع المعادية للرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، التي كان زعيم العمل قد أطلقها قبل نحو ثلاثة أسابيع، آملا استقطاب بعض اليهود الإضافيين لدعمه في الانتخابات المقبلة.

لكن، وبعد فحص استغرق نحو أسبوعين، تبين لمتسناع بأن احتمالات حصوله على أصوات من مركز الخريطة السياسية الإسرائيلية ضئيلة، إما بسبب كونه محسوبا على حمائم اليسار الإسرائيلي من جهة وإما بسبب التنافس الكبير بين عدة أحزاب، وعلى رأسها الليكود، على أصوات اليهود المتواجدين في مركز الخريطة السياسية، مما يقلل بشكل ملموس حظوظ حزب العمل بالحصول على أصوات من هذه الجهات.

لذلك، عاد متسناع ليصرح بما يريده أنصار اليسار الإسرائيلي، بما يعني بالأساس عدم الانضواء تحت قيادة شارون في حكومة وحدة، خاصة وأنه كان قد قاد حملته الشهيرة ضد زعيم العمل الأسبق بنيامين بن إليعيزر، بسبب مشاركة الأخير في حكومة شارون. كما طرح متسناع فكرة تفضيل حزب شينوي العلماني على الأحزاب الدينية اليهودية، محاولا بذلك استرضاء المصوتين من اليهود العلمانيين، آملا أن يستقطبهم على حساب كلّ من "الليكود" و "شينوي" من جهة، ومحاولا صبغ أرئيل شارون بصبغة التحالف مع الأحزاب الدينية التي تعاني من تراجع كبير في شعبيتها.

إلا أن حزب "شينوي" فاجأ متسناع برفضه إمكانية التحالف، وذلك لأربعة أسباب رئيسية. فـ "شينوي" يدرك أن متسناع معني باستقطاب أصوات من مؤيديه، وبالتالي فإن تحالفا معه يعني احتمال تحول بعض مصوتي هذا الحزب إلى حزب العمل. كما أن "شينوي" يدرك بأن فرص متسناع لتشكيل الحكومة المقبلة في إسرائيل ضئيلة جدا، و بالتالي فهو لا يريد أن يعدّ نفسه على معسكر "الخاسرين". أضف إلى ذلك أن "شينوي" يدرك بأن العلاقات بين أرئيل شارون والأحزاب الدينية اليهودية تدهورت مؤخراً بالأساس بسبب رفض شارون الانصياع للمطالب المادية لهذه الأحزاب، ومن ثم فإن "شينوي" يريد أن يطرح نفسه بديلا لها في الائتلاف الذي سيشكله شارون، على الأرجح، بعد الانتخابات العامة المقبلة. أما السبب الرابع لرفض "شينوي" التحالف مع متسناع فيعود إلى عدم رغبة هذا الحزب صبغ نفسه بالصبغة اليسارية، مفضلا الحفاظ على حالة من الغموض النسبي في توجهاته السياسية، وآملا في تجنيد أكبر قدر من العلمانيين اليهود من شتى التيارات السياسية الفاعلة في الخريطة الحزبية الإسرائيلية.

أما الأحزاب العربية التي تحدث عنها متسناع مؤخرا كشريك محتمل في حكومة قد يشكلها، فإنها لم ترد بوضوح على عرض متسناع، بالأساس لانشغالها في وأد محاولات عناصر متنوعة في إسرائيل إخراجها من المشاركة في الانتخابات. لكن، ما من شك بأن طرح متسناع إزاء الأحزاب العربية هو طرح جريء، بما يعني ضمها بصورة كاملة للمشاركة بصورة فعالة في الحكومة الإسرائيلية، غير أن هناك من يدعي بأن تصريحات متسناع هذه أتت لأنه مدرك بأنه لن يشكل الحكومة المقبلة، وبالتالي فإنه لم يكن جادّاً في نواياه هذه.

من هنا، وبالرغم من تحركاته الأخيرة التي يهدف من خلالها الى تحسين فرصه المتراجعة أصلا في تشكيل حكومة إسرائيل المقبلة، فإن متسناع الآن يريد بالأساس استقطاب كل صوت ممكن من أجل طرح نفسه بديلا لشارون، ليس مباشرة بعيد الانتخابات المقبلة، بل لاعتقاده بأن فرص شارون على البقاء بزعامة حكومة يمينية مصغرة قد تكون ضئيلة، مما يعني أنه قد يكون صاحب إمكانية لترؤّس الحكومة الإسرائيلية في حال سقطت حكومة شارون اليمينية المقبلة.

21 كانون أول 2002

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات