* الحساب القومي
(طبعة ثانية مزيدة ومنقحة)
تأليف: بوعز عفرون
دار النشر: دفير
416 صفحة، تل ابيب 2002
كان صدور الطبعة الثانية المنقحة والموسعة من كتاب المفكر والكاتب الاسرائيلي بوعز عفرون "الحساب القومي" فرصة ممتازة للعودة الى بعض المفاهيم والاستنتاجات التي طرحها في إصداره الأول، وكانت بمثابة سجل نقدي جريء وحافل للثقافة والسياسة والمجتمع في اسرائيل في عقودها الاولى. وفي ذلك ينوه المؤلف في تقديمه للطبعة الجديدة، ويقول: "هناك نقاط لم اتوقف عندها ما يكفي، وقد تبلورت في السنوات الاخيرة وهي تخلق رؤى جديدة تجاه المستقبل. اولا: لم ادرك وقت كتابة الكتاب ما هي الابعاد الديموغرافية – السياسية للثورة الاقتصادية التي تمر بها الدولة وتحولها الى احدى الطليعيات في مجالات التكنولوجيات الحديثة. وقد تسبب الإزدهار (المتوقف بسبب الإنتفاضة الثانية) بتحويل إسرائيل إلى دولة جاذبة للهجرة – إولاً من دول روسيا الإتحادية"، بهجرة اليهود أو مُدَّعي اليهودية أو أقارب ليهود. كانت أغلبيتهم الساحقة تفضّل الهجرة إلى الولايات المتحدة لو وجدت أبوابها مفتوحة أمامها (كما بدا في نسبة "التساقط" الهائلة قبل إقفال الإبواب)، وعليه فإن ذلك ليس تعبيراً عن "صهيونية" بل محاولة لتحسين حياتهم بالهجرة. بما أن غير اليهود أيضا وصلوا في نطاق "قانون العودة"، يتم استيعابهم بواسطة الجهاز "اليهودي" للدولة بحيث يكون إطارهم الثقافي بعدها عبريّاً وحقوقهم وواجباتهم المدنية مثل حقوق اليهود العلمانيين، مع إن القلّة فقط من غير اليهود من بينهم مستعدة لاعتناق اليهودية. إي أن الإطار الديني اليهودي لم يعد قادراً على مجاراتهم".
بين الطبعة الإولى الصادرة سنة 1988 والطبعة المعدّلة والموسّعة الجديدة في العام 2002، تغيرت مفاهيم كثيرة في قضايا السياسة والمجتمع في إسرائيل. فالكتاب يرى النور في فترة متكدّرة بشكل خاص في تاريخ دولة إسرائيل، وكما ينوّه المؤلف، هذه "فترة تقتيل متبادل أتى على الآمال الجامحة بالسلام التي صاحبت اتفاق اوسلو وبداية عهد حكومة باراك. افتراس الدولة العلمانية الإسرائيلية على يد الارثوذكسية المسيحانية الطفيلية والضد – سياسية، هذه اللعنة القديمة الملاحقة لجميع محاولات الماضي لإرساء اسس جهاز يهودي سياسي، باتت واضحة للعيان الآن...".
عندما وضع عفرون كتابه، لم يكن تعرّف الى الأدبيات البحثية الجديدة حول القومية المعاصرة، وبخاصة حيال مصطلح "الامة" في توصيف اليهود القدماء، او تجاه أي مجموعة قديمة اخرى، ذلك ان "الأمّة" المعاصرة بأشكال حضورها المختلفة والمتنوعة، تعد قيمة مختلفة عما اتفق على انه "أمّة" في العصور القديمة. وكما يكتب هوبسباوم واندرسون، فإن الامة الحديثة مميزة بحضارة الخط والطباعة وغيرها من المزايا المشتركة بين جميع ابناء المجتمع الذي صنعه "رأسمال الطباعة"، كما يقول اندرسون، أي، نتاج المرحلة الرأسمالية في التاريخ، التي اوجدت تكنولوجيا اتصالات لم تكن معروفة من قبل. وقد اشار عفرون في تقديمه الى هذه التعريفات الاصطلاحية الجديدة في مقدمته.
منذ صدور طبعته الاولى، ما زال "الحساب القومي" يحتل مكانة مرموقة في المكتبة العبرية، باعتباره "أحد إكثر المؤلفات العبرية إدهاشاً وجرأة المكتوبة عن اليهود في إسرائيل"، كما يشير البروفيسور شلومو زند في تقديمه للطبعة الجديدة من الكتاب. بل أن البعض يذهب إلى القول إن الكتاب يقف في طليعة الكتب والأبحاث العبرية الجديدة والجريئة، التي تندرج ضمن ما اصطلح على تسميته بـ "التأريخ الجديد" في إسرائيل، والتي كانت بمثابة "صدمة كهربائية" للإسرائيليين، على حد تعبير البروفيسور بنيامين بيت هلحمي، في معرض تقييمه للكتاب.
يطرح عفرون في الكتاب أسئلة كثيرة حول ماهية الصهيونية وطابعها العدواني، ويتوصل الى انها ظاهرة "شرق اوروبية" مستوردة، تحمل في طياتها طاقة هائلة على الهدم جراء الخلط بين المسيحانية الدينية الضد تاريخية والسياسة الرسمية، وهو ما اوصل اسرائيل الى هذه الورطة الدموية مع شعوب الشرق الاوسط وبرأسها شعب فلسطين، جراء احتقان "الدولة اليهودية" بهذه القدرة التدميرية الهائلة الكامنة والفاعلة، في علاقاتها مع نفسها وبالاساس في علاقاتها بالاخر الفلسطيني.
يقدم الكتاب عرضا انتقاديا مفصلا للتاريخ اليهودي الحديث ويقول ان تطور الاستيطان اليهودي واقامة اسرائيل كانا احيانا "منفصلين عن التاريخ اليهودي، واحيانا متعارضين معه". ويقدم عفرون الادلة على كيفية تحويل قيادة "الييشوف" والدولة يهود العالم الى ادوات بيد المؤسسة الاسرائيلية، بل انه يشير الى ان هذه العلاقات "تشوه وتفسد هوية ووعي يهود المهجر ومواطني اسرائيل على السواء"، ويتوصل الى ان حل المشاكل التي تخلخل اليوم اسس اسرائيل "ممكن فقط باقامة اطار سياسي محايد من الناحية الاثنية والدينية." تكمن اهمية الكتاب في كونه يرفض التفسير التاريخي الصهيوني للتاريخ اليهودي ويشكك في العلاقة بين الفكر الصهيوني مع التاريخ اليهودي من جهة والديانة اليهودية من جهة اخرى. ويؤسس المؤلف نظريته في نقد المجتمع الاسرائيلي المعاصر على الاعتقاد بأن اليهود لم يكونوا شعبا لقرون عديدة وانه لا يوجد ما يسمى بشعب اسرائيل في ماضي التاريخ اليهودي.
وتتطرق الطبعة الحالية من "الحساب القومي" الى التحولات التاريخية التي شهدتها السنوات الاربعة عشر المنقضية منذ صدور الطبعة الاولى منه.
بوعز عفرون مولود في القدس عام 1927، تعلم في "غمناسيا هرتسليا" في تل ابيب وفي جامعتي القدس وتل ابيب. بين السنوات 1956-1964 كان عضوا في هيئة تحرير "هارتس" ومنذ 1964 حتى 1992 عمل في تحرير "يديعوت احرونوت". مؤسس ومدير مشروع ترجمة امهات الادب العالمي منذ 1972 والى اليوم. يشار الى ان "الحساب القومي" ترجم الى العربية وصدر في القاهرة عام 1995 عن كلية الاداب في مركز الدراسات الشرقية بترجمة قام بها الدكتور محمد محمود ابو غدير.
* لمزيد من المراجعات، يمكن الرجوع الى العدد الجديد من "قضايا اسرائيلية" الصادر عن "مدار" - ديسمبر 2002