المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

حينما طلبنا إلى الحاج عادل تركي (أبو عزات)، والد الشهيدتين هزار ودينا، ضحيتا الجريمة الإرهابية في شفاعمرو، استذكار سيرة كريمتيه هز رأسه وأجهش بالبكاء. وما لبث أن كفكف دموعه وقال "هذا المجرم قطف أجمل زهرتين في بستاني". واثر تكرار السؤال عليه استنكف أبو عزات عن الكلام وأصر على أن نلقى الجواب داخل غرفتهما وهذا ما كان

حينما طلبنا إلى الحاج عادل تركي (أبو عزات)، والد الشهيدتين هزار ودينا، ضحيتا الجريمة الإرهابية في شفاعمرو، استذكار سيرة كريمتيه هز رأسه وأجهش بالبكاء. وما لبث أن كفكف دموعه وقال "هذا المجرم قطف أجمل زهرتين في بستاني". واثر تكرار السؤال عليه استنكف أبو عزات عن الكلام وأصر على أن نلقى الجواب داخل غرفتهما وهذا ما كان .

أوفد الأب الثاكل مرافقا من العائلة معنا فمكثنا برهة داخل الغرفة التي بدت متحفا امتلأ بالكثير. كتب وصور ودفاتر ما خربشت الشهيدتان فيها أي حرف أو آيات وحكم دللت على شغفهما بالأدب والثقافة. على الطاولة جلست باعتزاز هدية تذكارية من أيام الدراسة الابتدائية مهداة لأوائل الطلبة من حزيران 1977 ومن فوقها كوفية فلسطينية حملت لون العلم الوطني.

وقد ازدانت جدران الغرفة الصغيرة بالخواطر التي خطتهما دينا وهزار بيراعيهما وبحبر أسود. في تلك الخواطر يجد القارىء كل شيء لكن واحدة سرعان ما استرعت الناظرين وهي تحمل ما يشبه نبوءة استشهادهما بشكل مثير للعجب.

ففوق سريرها كتبت هزار ما يلي: "يا نائم كيف المنام يطيب الموت حق.. والفراق صعيب.. والله ما كان الفراق بخاطري لكن تقادير الزمن عجيب.."، وبجانبها ذلك كتب: "إنا لله وإنا إليه راجعون".

وعلى الحائط المقابل خلف السرير اليتيم الآخر برزت خاطرة ذيلت بتوقيع "دينا" وفيها تقول: "جميل أن يشتاق المرء لمن يحب لكن من الصعب أن يجده كلما اشتاق".

ولم تنس هزار والدتها فإليها كتبت فوق سريرها: "يا ريت قلبي شفاف واللي داخلو ينشاف.. عشان أعزك وعليك اخاف" (إهداء إلى الأم 26.05.04). كما لم تنس هزار رفيق الحريري الذي وثقت تاريخ استشهاده وقد توجته بعنوان "رجل الحق ابو الفقير وابو اليتيم". وفي صدر الغرفة برزت جدارية بعنوان "دواء لداء" تشرح مواصفات الدواء لأوجاع ألم الذنوب.

في حديث خاص قالت شقيقتهما سونيا التي تكبرهما سنا إن محتويات الغرفة تعكس خفة دم وظرف الشهيدتين اللتين أحبتا الحياة وملأتا الدار بالحيوية وبروح الفكاهة والتندر. وقد اعتادت كل منهما الرد على الأخرى حينما تناديها او تطلب منها شيئا باللهجة السورية- "تقبري عظامي". وأضافت: أذكر انه قبل أسبوع من استشهادهما طلبت والدتي من دينا قراءة رسالة تحمل دعوة للمشاركة في حفل زفاف من أصدقاء لنا وعندها قرأت دينا على مسامعنا: "بسم الله الرحمن الرحيم .. أنا الموقعة أدناه الشهيدة دينا عادل تركي ادعوكم إلى عدم البكاء علي.."

أما الأب الثاكل، وهو والد لثلاث بنات وولدين الآن، فروى لنا بقلب مكلوم انه أحب هزار ودينا المدللتين بشكل خاص كونهما "آخر العنقود". وأضاف: كانتا كالتوأمين لا يفارقان بعضهما بالحياة وها هما غادرا إلى جنات الخلد سوية. في كل مرة كنت أعود من العمل عند المساء كانتا تهجمان علي بالعناق والكلمات الطيبة فكنت اطلب منهما الانتظار ريثما اخلع ملابس العمل واغتسل فكانتا تسارعان للقول: هذه ملابس الشرف. وأضاف أبو عزت انه كان يتمنى أن تظلا صغيرتين حتى يموت كي يحتفظ بحبه الكبير لهما.

في اليوم الثامن للجريمة تمنى والد الشهيدتين استمرار فتح بيت العزاء القائم في بيت شقيقته في شفاعمرو وأبدى خوفه من العودة لمنزله. وقال بصوت مختنق "كل الناس سيعودون إلى أعمالهم والى ما سيشغلهم أما أنا فسأعود وحدي إلى المنزل وأرى غرفتهما وامثل أمام صورهما كل صباح".

وأوضح أبو عزت انه ورغم الألم الكبير اهتم على وجه الخصوص بتعزية الأهالي الذين قدموا من الضفة الغربية لتعزيته منذ "الخميس الأسود". وتابع " كنت اقول لهم ان مصيبتهم اكبر واشد فالموت يطرق أبواب منازلهم كل يوم نتيجة فظائع الاحتلال. وقد ابلغت المسؤولين الإسرائيليين من وزير الدفاع وغيره وجهة نظري حول مسؤولية الاحتلال في إراقة دم ابنتي الحبيبتين".

وقال شقيق الشهيدتين، عزت، انه لم يفهم حتى الآن لماذا بادرت هزار ودينا قبل نحو الشهر إلى طلاء غرفتهما بالدهان وإزالة أغاني كاظم الساهر واستبدالها بكتابات فيها مواعظ وحكم من تأليفهما ومن نتاج الآخرين.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات