المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أكدت دراسة جديدة أن إسرائيل، دولة وشعبا، تواصل تغييب المواطنين الفلسطينيين عن الوعي والإدراك بعد أن فرضت حالها عليهم منذ النكبة وهي لا تمثلهم وتواصل السعي للسيطرة عليهم بواسطة أجهزة رقابة وتحكم عديدة بل تنظر إليهم كخطر أمني. وقد استعاد صاحب الدراسة، ضمن التقرير السنوي الثاني لجمعية "ابن خلدون"- بعنوان "التطور المدني للفلسطينيين داخل إسرائيل"- المسيرة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل منذ نهوضهم من رماد النكبة مرورا بمشاريعهم من أجل البحث عن هويتهم الثقافية والسياسية وإعادة صياغة أنفسهم كأقلية قومية حتى اليوم ليتوصل إلى نتيجة تقول بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

أكدت دراسة جديدة أن إسرائيل، دولة وشعبا، تواصل تغييب المواطنين الفلسطينيين عن الوعي والإدراك بعد أن فرضت حالها عليهم منذ النكبة وهي لا تمثلهم وتواصل السعي للسيطرة عليهم بواسطة أجهزة رقابة وتحكم عديدة بل تنظر إليهم كخطر أمني. وقد استعاد صاحب الدراسة، الدكتور أسعد غانم، رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة حيفا، ضمن التقرير السنوي الثاني لجمعية "ابن خلدون"- بعنوان "التطور المدني للفلسطينيين داخل إسرائيل"- المسيرة السياسية للفلسطينيين في إسرائيل منذ نهوضهم من رماد النكبة مرورا بمشاريعهم من أجل البحث عن هويتهم الثقافية والسياسية وإعادة صياغة أنفسهم كأقلية قومية حتى اليوم ليتوصل إلى نتيجة تقول بعدم جدوى المشاركة في الانتخابات البرلمانية.

وأكد غانم استحالة تحول الفلسطينيين إلى مواطنين داخل إسرائيل استنادا إلى حقيقة كون إسرائيل دولة يهودية وبموجب تعريف المواطنة بأنها رباط المساواة بين جميع الرعايا وبين الدولة. ولفت غانم إلى قيام حكومات إسرائيل المتعاقبة بإقصاء ممثلي المواطنين العرب عن المشاركة في التأثير السياسي حتى في عهد حكومة إسحاق رابين السلامية بعد عام 1992. وأضاف "تأبى إسرائيل إعطاءهم المواطنة من الناحية الجوهرية وتكتفي بالنواحي الشكلية الرسمية. وحافظت إسرائيل فعليا على دونية العرب مقابل اليهود من خلال التمييز ضدهم في العديد من مجالات الحياة وعلى أصعدة عدة تلافيا لحصولهم على المساواة. إضافة إلى ذلك تدعم الأغلبية اليهودية الدولة الإثنية وسياساتها تجاه المواطنين العرب".

وللتدليل على نظرة المجموعة اليهودية المهيمنة تجاه الفلسطينيين في إسرائيل استذكر غانم تصريحات عنصرية متشابهة لقادة صهاينة كان آخرها لوزيرة العدل تسيبي لفني التي قالت: "أرغب في أن تكون إسرائيل بمثابة البيت لعرب إسرائيل، لكن لا يمكنها أن تشكل بالنسبة لهم بيتا قوميا". وذكر غانم بتصريح سابق لأريئيل شارون فاضل فيه بين "حقوق على البلاد" (وهي يهودية) وبين "حقوق في البلاد" (وهي للقاطنين فيها). وشدّد غانم على أن مثل هذه الأقوال تعكس الفكر الصهيوني المهيمن داخل إسرائيل والذي يرى أن المواطن اليهودي هو الغاية من وجود الدولة وأن العربي ينظر إليه كمن يهددها ويضع العراقيل أمامها. وأضاف أن المشهد الإسرائيلي بكافة أطيافه مشتق من هذا الفكر "الهادف للسيطرة على المكان ومن فيه".

من ناحية أخرى أكدت الدراسة أن نظام الحكم في إسرائيل هو نظام إثنوقراطي يرتكز إلى بعض المركبات الأساسية التي تفصل بينه وبين النظام الديمقراطي. وأضاف "في إسرائيل هناك أولا مجموعة إثنية متحكمة سيطرت وما زالت تسيطر على الدولة ما يؤدي بهذا المفهوم إلى حالة من عدم الاستقرار وتواصل إسرائيل سيطرتها على الأراضي العربية بهدف تهويدها ولا تبغي تحويلها إلى إسرائيلية بل إلى يهودية".

وأشار الباحث إلى التأثيرات الحاصلة على المواطنين العرب منذ هبة القدس والأقصى لافتا إلى أن المؤسسات الإسرائيلية الحاكمة دأبت على فرض قواعد جديدة للعبة السياسة وقلصت إلى حد بعيد هامش المناورة المتاحة للأقلية العربية في الديمقراطية اليهودية. واعتبر أن الفلسطينيين في إسرائيل يعيشون اليوم وضعية خانقة في مختلف مرافق الحياة نتيجة سياسات رسمية بالأساس لافتا إلى أن ذلك يزيد من ارتباط المجتمع العربي المالي المعيشي بمنن الدولة ويرسخ الدونية واليأس الآخذين في التفاقم.

ويلقي الباحث الضوء على الرابط بين الطابع اليهودي لإسرائيل وبين تعاملها العنصري مع العرب وينوه بالتشريعات والقرارات الحكومية الكثيرة الرامية إلى ضبط المواطنين العرب والسيطرة عليهم ما يعكس تدهور مكانتهم القانونية والمدنية.

وشككت الدراسة بجدوى مشاركة المواطنين الفلسطينيين في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية بالنسبة لقضاياهم الجوهرية ولفتت إلى مخاطرها ومثالبها عليهم مقابل فوائد تحققها إسرائيل من مشاركتهم في لعبتها.. وأشارت إلى تعميق الانقسامات المريرة الناجمة عن المنافسة على المقاعد البرلمانية وإلى أن مشاركة الفلسطينيين في الانتخابات للكنيست الإسرائيلي أدت إلى إحياء وهمين: أولهما يبدي وكأن نظام الحكم في إسرائيل هو نظام ديمقراطي فيما هو إثنوقراطي في الواقع، مثله مثل تركيا ولاتفيا وسيريلانكا واستونيا. والوهم الثاني يظهر وكأن هناك قيادة عربية قطرية مؤثرة. وشددت على أنه من أجل نجاح نضال الفلسطينيين في الداخل نحو الواقع الطبيعي لمجموعة أصلية في وطنها لا بد من تنظيم أنفسهم سياسيا كمجموعة قومية ذات أهداف موحدة واستعمال الوسائل المدروسة. "وبداية التغيير تتعلق بقدرتهم على انتخاب جسم تمثيلي مباشرة كخطوة أولى ". لكن النجاح يستدعي تلبية شرط ثان "يتمثل بالقدرة على مواجهة معيقات النهضة الذاتية وإحداث تغييرات في البنية الداخلية للفلسطينيين بشجاعة بواسطة "ثورة هادئة" في مجالات المجتمع ومكانة المرأة والتربية والاقتصاد والثقافة"، كما تؤكد الدراسة مشيرة إلى عدم إمكانية اتهام المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة وحدها .

واعتبر الباحث أن فلسطينيي 48 ما زالوا يعانون من "أزمة ثقافية" كانت بدأت منذ خراب المراكز الثقافية في البلاد جراء النكبة ورحيل الطبقات الوسطى لافتا إلى أن الأزمة المتفاقمة في موضوع الهوية ترتبط بالأزمة الآخذة بالنضوج في القيم الثقافية والاجتماعية التي تتنامى برأيه في صفوف النخبة الفلسطينية في إسرائيل. وأشار غانم أن الانفتاح على العالم العربي والثقافة الأم بعد العام1967 لم يسعف الأزمة كون هذا العالم بنفسه يكابد أزمة حضارية وجودية سيما بعد توقيع اتفاقات الصلح مع مصر والأردن. ونوه إلى الأثر السلبي للنشاطات الثقافية التي اقترحتها إسرائيل والتي لم تبق للعرب سوى إمكانية تبني القشور الخارجية البراقة للثقافة الإسرائيلية. وانتقد بهذا المضمار تجاهل الحركة الوطنية الفلسطينية للفلسطينيين في إسرائيل ولمشاكلهم والذي فاقم محنتهم. واعتبر أن أزمة الهوية لا تتمثل بتناقض الهويتين المدنية والقومية- الفلسطينية والإسرائيلية- فحسب بل بكون كل منهما هوية منقوصة.

وتطرق الباحث إلى ظاهرة تنامي مؤسسات المجتمع المدني لدى فلسطينيي الداخل لافتا إلى أنها لم ترق بعد لبناء مجتمع مدني يتحدى النظام المهيمن في الدولة رغم نموها ومسيرة تطورها. ويقترح غانم الدولة الثنائية القومية للخروج من الأزمات برمتها.

كما يدعو إلى مواجهة وحسم سؤال المشاركة في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية ببعديه الإستراتيجي والسياسي. وفي البعد الاستراتيجي تساءل غانم عما إذا سيستمر فلسطينيو الداخل في المشاركة بالتصويت للكنيست الإسرائيلي رغم أن الطريقة البرلمانية لا تمكنهم من التأثير على دوائر القرارات الخاصة بقضاياهم. وفي المقابل تساءل في المستوى السياسي هل سيقاطع أولئك هذه الانتخابات رغم إمكانية تحولهم إلى جزء من "الكتلة المانعة" التي تقف في مواجهة اليمين وتحول دون استقرار ائتلافاته وتخلق سياسة أقل قسوة تجاه المواطنين العرب في إسرائيل وتجاه السلطة الوطنية والفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67؟

ووجهت الدراسة انتقادات لقيادات الأحزاب والجمعيات الأهلية لدى فلسطينيي الداخل معتبرة أنها تواجه أزمة نتيجة لعدة أسباب منها غياب العلاقة المباشرة والقوية مع الجمهور وشخصنة مؤسساتهم والانزلاق في خلافات ومماحكات مضرة لا طائل فيها وفشل تكوين قيادة جماعية حقيقية. واعتبر غانم أن نشوء حالة التعددية السياسية التي شهدها الوسط العربي في الثمانينيات-ظهور الحركة الإسلامية والحركة التقدمية والحزب العربي- أدى إلى تفتيت قوة القيادة الجماعية المتمثلة بلجنة المتابعة بدلا من العكس، فتحولت "المتابعة" إلى "حلبة مقارعة متواصلة بين ممثلي القيادات السياسية المختلفة". ونوه بأن الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة تصرفت كقيادة جماعية للعرب في إسرائيل خلال السبعينيات وبلورت الرؤية الجماعية لهم حسب تصوراتها لافتا إلى انه منذ ذاك الحين لا يمكن فعليا التحدث عن قيادة جماعية لديهم. وأضاف أن "ادعاء وجود القيادة لا يرتكز إلى أية حقيقة".

وشمل التقرير السنوي دراسة للدكتور محمد حاج يحيى حول مواجهة النساء العربيات لعنف أزواجهن إضافة إلى دراسة حول سياسة هدم البيوت العربية أنجزها مهند مصطفى.

المصطلحات المستخدمة:

الكتلة

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات