المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

مندوب "المشهد الاسرائيلي" زار عرابة البطوف واستطلع الأجواء في هذه القرية الفلسطينية على خلفية إعتقال الأمين العام لحركة "أبناء البلد" وشقيقه وعاد بالتقرير التالي

كتب: فراس خطيب

مرّ شهران على إعتقال الشقيقين محمد كناعنة، أبو أسعد (الامين العام لحركة "أبناء البلد") وحسام كناعنة (عضو لجنة مركزية في الحركة) من عرابة البطوف. صورهما الآن معلقة في كل زاوية من هذه البلدة الفلسطينية. "رموز وطنية"، قال أهالي القرية عنهما، في حين لا يخفي آخرون "قلقاً من الوضع السائد"، كصيغة امتداد متداولة للنقاش السياسي في الداخل. ولكن كلما نزحنا بالإضواء الى قلب الحدث وإقتربنا الى البيت الذي إعتقلا منه، يغيب النقاش السياسي عنوةً وتخلق الأقدار معايير عاطفية. هناك ينتظرون عودتهما الى البيت سالمين ويأملون الأفضل دائماً، فلا تتحدث العائلة عن شعارات سياسية، ولا حتى عن القضية نفسها عدا بعض الجمل المألوفة هنا وهناك. "المحامون يتحدثون عن القضية لكن أستطيع قول شيء واحد، إن أبو أسعد مستهدف"، قال إبراهيم كناعنة، شقيق الإثنين في لقاء خاص بـ "المشهد الإسرائيلي".

"البرنامج العائلي المعتاد غاب عن الوجود، قضايا ومحامين، عمل حسام وأصدقائه، لم يعد شيئاً كما كان"، أضاف إبراهيم ودمعته سبقت حديثه. لم تنته الامورعند الإعتقال لا بل سارعت لإستراق حيثيات جديدة، منها "القلق من المستقبل وإنتظار الحكم" وفوق هذا كله تتربع خيبة أمل في نفوس من يهمه الأمر..

ليلة الإعتقال

الساعة تقترب من الرابعة صباحاً، اليوم 2004/2/7 ،موعد صلاة الفجر تقريباً، الشوارع خالية والناس غارقون في النوم بطبيعة الحال، قوات "تقدر بـ 80 الى 120 جنديا وشرطيا"، يقول إبراهيم، حاصرت البيت الذي يسكن فيه الأشقاء كلهم. "أيقظني صراخ أطفالي الصغار الذين إستيقظوا من نومهم مفزوعين، نزلت أدراج البيت مسرعاً لمعرفة ماذا يجري فالحالة لا تبدو طبيعية أبدا، وما ان إقتربت من الدرجة الأخيرة حتى إنقض علي رجال الشرطة من كل شقة، كانت حركاتهم قاسية، فهمت مما أمامي أنهم دخلوا الى بيت أبو أسعد، وبيت أهلي(بيت حسام) فنحن جميعا نسكن العمارة نفسها. طلبت منهم دخول بيت حسام فقط كي أقف الى جانب أمي فهي لا تقوى على الصدمات وبصراحة خفت من أن يعتدوا عليها جسدياً، فلم يسمحوا لي، كان كل شيء محاصراً، مداخل الحي، القوات مصطفة حوالي العمارة كلها، وبعد ساعة ونصف الساعة من التفتيش إعتقلوا حسام وأبو أسعد بعدما فتشوا بيتيهما وعاثوا فيهما دماراً وتكسيراً، وأنا لا أبالغ، ففي بيت أبو أسعد كانت الأشياء محطمة، تصوّر لعب الأطفال الصغار كانت محطمة، وقد إعتدوا على افراد عائلته وصادروا سيارتهم، والهواتف، لقد كان كابوساً... مرت الليلة وعقدت جلسة في المحكمة في اليوم التالي من الساعة الرابعة بعد الظهر حتى الساعة العاشرة ليلاً، لم نمنع من دخول قاعة المحكمة فقط لا بل منعنا من دخول المبنى، لم نعرف في حينه شيئاً أبداً.. تردد الكثيرون على البيت بعد الإعتقال، تشكلت لجنة شعبية للدفاع عن المعتقلين وبدأنا عملنا كاللازم في هذا الصدد".

المحامية عبير بكر: ظروف المعتقل غير قانونية

تقول المحامية عبير بكر من "عدالة"، المركز القانوني لحقوق الاقلية العربية في إسرائيل، عن ملف ظروف الإعتقال، لـ "المشهد الإسرائيلي" : "هما موجودان الآن في ظروف معتقل صعبة جداً، لا يسمح لهما بالخروج من الزنزانة علماً بأن القانون يمنع مثل هذه الممارسات فيجب على سلطة السجون ان تتيح الفرصة لساعة ونصف الساعة على الأقل يومياً، الاقارب ممنوعون من الزيارة ورسائل البريد ممنوعة، والأبشع من هذا كله أنه لم يتوفر الحد الأدنى من الحاجيات الاولية مثل فرشاة أسنان، وسرير طبيعي، وقد منع الإثنان من الإستحمام يومياً، وهذا امر غير قانوني. قدمنا إلتماساً الى المحكمة المركزية في حيفا وطلبنا نقلهما من قسم التحقيق في "الشاباك" الى معتقل عادي، ردت سلطة السجون و"الشاباك" ووافقت على نقل الاخوين، واتاحت المحكمة مدة 14 يوماً لترتيب هذه الامور، كان هذا القرار برهاناً على أن الأخوين قابعان تحت ظروف غير قانونية، وفترة ألـــ 14 يوما تعتبر طويلة جداً للبقاء في نفس الظروف، كان عليهم نقلهما بشكل فوري الى هناك".

(*) "المشهد الاسرائيلي": ماذا تدعي النيابة في لائحة الاتهام؟

  • - "القضية الآن في المحكمة المركزية في حيفا"، يقول المحامي سليم واكيم، رئيس طاقم الدفاع عن "أبو أسعد" والذي يتولى الدفاع تبرعاً. ويضيف:"أبو أسعد متهم باللقاء مع عميل سري، وهو شخص من الاردن يدعى إبراهيم عجوة، تدعي النيابة أنه من تنظيم فتح أبو موسى، وباللقاء مع جورج حبش، وأحمد سعدات في سجن اريحا. تهمة أبو أسعد الاولى مرتبطة بشكل مباشر مع تهمة حسام، فالنيابة تدعي أن ابو اسعد هو من عرّف حسام على إبراهيم عجوة الذي طلب منه (حسام) إدخال أجهزة كهربائية من الاردن الى الداخل، هذه الأجهزة عبارة عن أغراض كهربائية لغايات إنسانية، جهاز لقياس الضغط، جهاز طبي يستعمل للتدليك، وجهاز لتسخين حليب الأطفال، وحسب لائحة الإتهام وجدت داخل هذه الأجهزة أقراص حاسوب تحتوي على برامج ممنوعة، كذلك اتهم حسام بنقل مصاريف تقترب الى 4 الاف دولار. وملخص التهم هي تقديم مساعدة "للعدو" أثناء الحرب، وعضويتهما في تنظيم معادٍ"..

وفي سؤال عن خط الدفاع أجاب واكيم : "أولاً بالنسبة لقضية أبو أسعد وإتهامه بتلك التهم نحن نعتبر هذه اللقاءات سياسية تنظيمية كونه يشغل منصب الامين العام لحركة أبناء البلد وهذا طبيعي جداً، تبادل آراء ومواقف، فهذا حق لا يمكن تجاهله، بالنسبة لقضية حسام فقد تم توكيل المحامي افيغدور فيلدمان للدفاع عنه نهائياً، وهو من يقرر كيف سيكون خط الدفاع، ولكن أعتقد ان خط الدفاع سيكون مركباً لا يمكن البت فيه مسبقا، ونحن لا نستبعد ايضا ان تكون السلطة قد دست الاجهزة التي لم نشاهدها حتى الآن". وعن الإعتقال قال: "هذا إعتقال سياسي من الدرجة الاولى، الامين العام لحركة أبناء البلد مستهدف من قبل السلطة، كونه يشغل هذا المنصب".

الضباب يغطي القضية من كل جوانبها، والمحامون يأملون خيراً. في هذه الأثناء يدرس المحامي أفيغدور فيلدمان ملف حسام الذي يحتوي على 1400 صفحة، وحتى الآن فإن القضيتين متعلقتان ببعضهما البعض..

خيبة أمل من القيادات

يقول ابراهيم: "أنت لا تعرف من هما أبو أسعد، هذا المناضل العنيد الذي يعرفه الجميع، وحسام، كل من تحدث معه احبه، إنسان حساس، يطالع الكتب في غالبية وقته، هو أب أولادي التربوي، لو تعرف فقط كم يحبه اولادي". وعن التأقلم مع القضية والمعنويات قال ابراهيم: "في الثلاثين من آذار سمح لبعض افراد العائلة بزيارة حسام في المعتقل، لم يتحدث حسام عن شيء، لم يتطرق إلى الظروف الصعبة، كان كل الوقت مبتسماً".

ولا يخفي إبراهيم كناعنة قلقه من الوضع الراهن، فهو يعيش حالة وجودية صعبة في ظل هذه الأزمة، يتعامل مع القضايا من منظور مختلف للغاية: "هناك تصعيد واضح ضد الجماهير العربية، وهذا أمر ليس من المفروض القبول به، برأيي أن القيادات تتعامل بشكل غير مقبول مع الموضوع. يجب إتخاذ إجراءات أكثر نجاعة في هذا الصدد. يجب التوجه الى مؤسسات عالمية، ان هناك تصعيدا إرهابيا، السلطة الاسرائيلية اليوم تأخذ إناساً من حياتهم الطبيعية وتسجنهم داخل أماكن بعيدة عن هذه الطبيعية، هذا مخطط خطير، ومن المفروص أن تتوجه الأحزاب العربية الى مؤسسات قضائية دولية أحسن من جامعة الدول العربية التي يودون التوجه لها. ما لنا وللجامعة العربية،التي لا يقوم ممثلوها بدورهم. إن لم تخدم جماهيرها كيف لها أن تخدمنا، هذا ما اتحدث عنه. كلهم مقصرون، اللجنةالشعبية إختفت، تمنينا حضوراً أكبر في النضال". سألنا إبراهيم عما إذا زارهم أعضاء كنيست فقال: "لم يطرق بابنا أحد"!

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات