المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

باحث في "معهد دراسات الأمن القومي": تعزيز السيطرة الإسرائيلية في الكتل الاستيطانية الواقعة غربي الجدار، وخصوصا حول القدس (الشرقية)، سيكون الإرث الذي يبقيه أولمرت وراءه في مجال بلورة الواقع في المناطق الفلسطينية/ تقرير خاص

هدمت السلطات الإسرائيلية، في يوم الاثنين من الأسبوع الماضي، مبنى لعائلة أبو عيشة، في ضاحية بيت حنينا في شمال القدس الشرقية، والذي يؤوي 70 نفرا. وزعمت السلطات الإسرائيلية أن هدم المبنى تم بسبب بنائه بصورة غير قانونية. لكن تبين أن عائلة أبو عيشة حصلت على كافة التصاريح المطلوبة للبناء، وأن هناك بناء صغيرا على سطح المبنى تم بناؤه من دون تصريح، لكن العائلة كانت تعمل في الفترة الأخيرة على استصدار تصريح بهذا القسم من البناء. وقال مسؤولون في بلدية القدس إن البلدية ألغت تصاريح البناء التي صدرت للمبنى.

من جانبه، قال مركز النشطات الميدانية في "الحركة الإسرائيلية ضد هدم البيوت"، الدكتور مائير مرغليت، إنه "عندما تم إلغاء التصريح، بدأت العائلات التي تسكن في المبنى العمل بصورة حثيثة للغاية من أجل الحصول على تصريح بناء جديد، وقد كان في متناول اليد. وكانت العائلة ستنجح في استصدار التصريح في غضون ثلاثة أو أربعة شهور. ولو كانت لدى البلدية بعض النوايا الحسنة، كان في إمكانها الانتظار حتى تحصل العائلات التي تسكن المبنى على تصريح البناء، إلا أن قسم المراقبة في البلدية وضع علامة على المبنى ليصبح هدفا للهدم، بعد أن شعر مراقبو البلدية بالمهانة من استفزاز تسبب به صاحب البيت. وأعلنوا أنهم لن يسمحوا بأن يبقى المبنى قائما ولذلك هدموه".

وأوضح مرغليت أن مبنى عائلة أبو عيشة هو الستون الذي يتم هدمه في القدس الشرقية منذ مطلع العام 2008 الحالي. وأضاف أن معظم البيوت هدمتها بلدية القدس، وهناك عدد من البيوت تم هدمها بأوامر صادرة عن وزارة الداخلية الإسرائيلية مباشرة. وقال إن "ظاهرة هدم البيوت هي محل استنكار دائما، لكن إذا أخذنا بالحسبان التوتر السائد في القدس الشرقية في هذه الأيام، فإن الأمر يصبح أخطر أضعافا مضاعفة. وهناك علاقة بين العمليات التي وقعت في القدس والغضب الذي يسود في شرقي المدينة، والذي أحد أسبابه هو أعمال هدم البيوت هذه. والأشخاص الذين يهدمون هذه البيوت لا يمكنهم القول إن أيديهم نظيفة من هذه الدماء".

ولفت مرغليت إلى "وجود ظاهرة بناء غير قانوني في القدس لأن البلدية تمنع السكان من البناء وفقا للقانون. وأنا أقترح العمل على وضع تخطيط لائق للقدس الشرقية، وتبييض البناء غير القانوني، باستثناء حالات شاذة، وفي موازاة ذلك تخطيط شرقي المدينة بهدف إزالة العراقيل والسماح للسكان بالبناء وفقا للقانون".

وأكدت يهوديت أوبنهايمر، المديرة العامة لجمعية "عير عاميم"، التي تعنى بحقوق الإنسان في القدس، في تعقيب على هدم مبنى عائلة أبو عيشة، بالقول إنه "من جهة، يتواصل البناء الإسرائيلي في شرقي المدينة بكل قوة، ومن الجهة الأخرى، تضع الحكومة الإسرائيلية وبلدية القدس عراقيل كثيرة ولا حصر لها أمام سكان القدس الشرقية الذين يريدون بناء بيوتهم وفقا للقانون. وهذه السياسة تشكل عاملا مسرعا للبناء غير القانوني".

من جانبه، وصف رئيس جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، يوفال ديسكين، خلال مشاركته في اجتماع للجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، الوضع في القدس الشرقية بأنه ينطوي على "فراغ سلطوي". وجاءت أقوال ديسكين قبل ساعات قليلة من وقوع عملية الدهس الثانية بالجرافة، قبل أسبوعين، والتي نفذها مواطن من قرية أم طوبا شرقي القدس. ودعا ديسكين إلى وجوب معالجة ظاهرة "الفراغ السلطوي" هذه. وقال إنه "إذا لم نعالج ظاهرة الفراغ السلطوي فستتحول القدس إلى مشكلة خطرة". وطالب الحكومة الإسرائيلية بإغلاق وهدم بيوت عائلات مواطنين فلسطينيين من القدس الشرقية نفذا عملية "مركاز هراف" في آذار الماضي، وعملية الدهس بالجرافة التي وقعت في مطلع تموز الماضي. وأضاف ديسكين أنه "توجد مناطق في القدس الشرقية خارج وداخل الجدار العازل تحولت إلى مناطق فراغ سلطوي لا يمكن لإسرائيل أن تعمل فيها من الناحية الأمنية، من دون حشد قوات كبيرة. ومن أجل الدخول إلى (مخيم) شعفاط اليوم ينبغي حشد قوات أكبر مما نحتاج للدخول إلى جنين" . وتابع ديسكين أن "الشاباك يلحظ وجود ظاهرة في القدس الشرقية تتمثل بمقلدين يرغبون في تنفيذ عمليات على غرار العمليتين اللتين وقعتا في القدس".

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية، ايهود أولمرت، قد تطرق إلى موضوع القدس الشرقية خلال مشاركته في اجتماع للجنة الخارجية والأمن، الأسبوع الماضي. وألمح إلى ضرورة الانسحاب من مناطق في القدس الشرقية في إطار اتفاق مع الفلسطينيين، وهو بقصد بذلك الانسحاب من أطراف القدس. وقال أولمرت في هذا السياق إن "من يعتقد أن النمط الأساس للحياة في القدس سيبقى كما هو مع 270 ألف عربي يسكنون في القدس، عليه أن يأخذ بالحسبان أنه سيكون هناك المزيد من الجرافات والشاحنات والسيارات الخاصة" لتنفيذ عمليات. وأضاف أنه "لا توجد طريقة لمنع أعمال إرهابية من هذا النوع وينبغي أن ندرس في المستقبل كيفية مواجهة هذه المسألة".

إرث أولمرت: تعزيز الاستيطان

رأى المحلل السياسي والباحث في "معهد دراسات الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، ألوف بن، في مقال نشره في إحدى دوريات المعهد، الأسبوع الماضي، أن "تعزيز السيطرة الإسرائيلية في الكتل الاستيطانية الواقعة غربي الجدار، وخصوصا حول القدس (الشرقية)، سيكون الإرث الذي سيبقيه وراءه رئيس الحكومة، ايهود أولمرت، في مجال بلورة الواقع في المناطق" الفلسطينية. ويشار في هذا السياق إلى أن إسرائيل قررت بناء الجدار العازل في الضفة الغربية وحول القدس الشرقية والقرى الفلسطينية المحاذية لها، التي تم فرض القانون الإسرائيلي عليها بعد احتلالها في حرب العام 1967، ليشكل هذا الجدار حدودا جديدة لإسرائيل بدلا من الخط الأخضر. وأضاف بن أن "التوجه المبدئي لأولمرت، الذي رأى في الجدار حدودا فعلية لإسرائيل، كان في صلب القرارات التي اتخذها حول أعمال البناء الجديدة في المناطق الفلسطينية، وفي صلب المواقف التي عرضها خلال المفاوضات مع السلطة الفلسطينية".

ولفت بن إلى أنه "في الأشهر الأخيرة، منذ مؤتمر أنابوليس [في تشرين الثاني 2007]، تم نشر مناقصات لبناء آلاف الشقق في مناطق ما وراء الخط الأخضر، وتكاد تكون جميعها في الأحياء اليهودية الواقعة في أطراف القدس والمستوطنات المحاذية للمدينة". وذكّر بن بأن "الغاية المركزية التي وضعها أولمرت لدى انتخابه للمنصب، في ربيع العام 2006، كانت رسم حدود واضحة بين إسرائيل ودولة فلسطينية مستقبلية، من خلال إخلاء المستوطنين الذين سيبقون في الجهة الأخرى للجدار. وتجميع السكان اليهود في منطقة مقلصة أكثر (أي في إسرائيل من دون الضفة الغربية) كان يهدف من وجهة نظره إلى الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة، الذي يواجه خطرا بسبب الضغوط الديمغرافية، وبسبب تراجع الشرعية الدولية لفكرة الدولة اليهودية. وكان أولمرت قد أعلن، لدى عرض حكومته على الكنيست في أيار العام 2006، أن 'تقسيم البلاد بهدف ضمان أغلبية يهودية هو حبل النجاة للصهيونية'".

وأشار الكاتب إلى أن "رسم الحدود كان في صلب خطة الانطواء التي طرحها أولمرت، سواء أكان ذلك من خلال اتفاق مع الفلسطينيين أو من خلال قرار إسرائيلي أحادي الجانب. ورأى أولمرت في خط الجدار العازل أساسا للحدود المستقبلية، حتى لو تطلب الأمر إجراء تعديلات وملاءمة مسار الجدار للواقع الميداني". لكن "خطة الانطواء" لم تخرج إلى حيّز التنفيذ لسببين، برأي بن، هما حرب لبنان الثانية والانقلاب الذي نفذته حماس في قطاع غزة، العام الماضي، واستمرار إطلاق صواريخ القسام من القطاع باتجاه جنوب إسرائيل. وأضاف أن "الكثير من الإسرائيليين رأوا في الانسحاب الأحادي الجانب من غزة خطأ خطرا. وبعد سنة ونصف السنة من التأخير توجه أولمرت إلى إجراء مفاوضات مع رئيس السلطة الفلسطينية، أبو مازن (محمود عباس)، على اتفاق مبادئ يرسم الخطوط العريضة للدولة الفلسطينية".

وشدّد بن على أن الحكومة الإسرائيلية سعت إلى تثبيت الجدار العازل كحدود فعلية لإسرائيل، وخلال ذلك امتنعت من الدخول في صدامات مع المستوطنين ومع المجتمع الدولي. وأضاف أن "الأداة الأساسية لتطبيق هذه السياسة كان تنفيذ أعمال بناء واسعة في المستوطنات، ومن الجهة الأخرى تجميد الوضع في المستوطنات الواقعة شرقي الجدار. ورغم عدم الإعلان عن ذلك، ورغم أنه لم يتم اتخاذ قرارات رسمية في الحكومة، إلا أن أولمرت ووزير الدفاع، إيهود باراك، استخدما مسار الجدار العازل على أنه الخط الموجه لإصدار تصاريح لتنفيذ أعمال بناء جديدة في المستوطنات". لكن بن أشار إلى أن "الجدار نفسه لم يتم استكماله وتم تحويل الميزانيات لغايات أخرى".

ولفت بن إلى نهج سياسي اتبعه أولمرت، وهو عقد عدد قليل للغاية من الاجتماعات للحكومة والمجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية للتداول في السياسة تجاه المستوطنات. وأوضح أن "أولمرت امتنع في غالب الأحيان من التطرق علنا إلى البناء في مناطق تقع وراء الخط الأخضر، وفضل إلقاء الخطابات وإجراء المقابلات الصحافية حول العملية السياسية وجهود السلام. وامتثل وزير الإسكان، زئيف بويم، في الجبهة على أنه المبادر الأكبر لتعزيز الكتل الاستيطانية والأحياء اليهودية في القدس الشرقية. وعمل باراك بموجب صلاحياته بالمصادقة أو رفض مخططات بناء في الضفة الغربية. وكان هذا الوضع مريحا لأولمرت، ومنع انتقادات دولية مباشرة تجاهه".

وفي موازاة ذلك "امتنع أولمرت من إخلاء مستوطنين من الضفة الغربية، بالقوة أو باقتراحات تعويض لمن يرغب في إخلاء نفسه طواعية. ومنذ اللحظة التي اختار فيها مسار المفاوضات، عرض المستوطنات الواقعة شرقي الجدار كبطاقة مساومة في المفاوضات مع أبو مازن. واقترح أولمرت الانسحاب إلى الجدار تقريبا، أو غربه قليلا، وإخلاء المستوطنات في جانبه الشرقي وعلى مرحلتين. في المرحلة الأولى يتم تمرير قانون الإخلاء والتعويض والاقتراح على المستوطنين الانتقال إلى تخوم إسرائيل" التي خلف الجدار وتضم الكتل الاستيطانية والقدس الشرقية، "وفي المرحلة الثانية مع بدء تطبيق الاتفاق وإقامة الدولة الفلسطينية، يتم إخلاء المستوطنين المتبقين" في المستوطنات الواقعة في عمق الضفة. وفي المقابل "سيتعين على الفلسطينيين الموافقة على أن تبني إسرائيل وتطور كما تشاء المستوطنات الواقعة غربي الحدود التي سيتم الاتفاق حولها، أي في المناطق التي سيتم ضمها لإسرائيل".

معارضة دولية باهتة

وأكد بن على أنه "مع انطلاق المفاوضات في مؤتمر أنابوليس سرعت إسرائيل وتيرة إقرار مخططات البناء الكبرى في الكتل الاستيطانية. واتهمت السلطة الفلسطينية إسرائيل بإفشال المحادثات، وحظيت الادعاءات الفلسطينية بتأييد دولي. وقالت وزيرة الخارجية الأميركية، كوندوليزا رايس، في حزيران الماضي، إن المشاريع التي صادقت عليها إسرائيل في منطقة القدس 'لا تساعد على بناء الثقة وتكمن فيها إمكانية المس بالمفاوضات'. وأعلن الاتحاد الأوروبي، في تموز الماضي، عن أن بناء 920 شقة في هار حوماه (جبل أبو غنيم) و884 شقة في بيسغات زئيف (وكلاهما حيان استيطانيان في القدس الشرقية) 'يقوض مصداقية العملية السياسية'، وأشار الاتحاد الأوروبي أيضا إلى أن المستوطنات تتعارض مع القانون الدولي". رغم هذه الاحتجاجات أشار بن إلى أن "هذه الانتقادات كانت صغيرة الحجم، وقدر أولمرت، على ما يبدو، أنه طالما أن المحادثات على إقامة دولة فلسطينية جارية، وطالما أنّ أميركا تخضع لمعركة انتخابية، فإن المجتمع الدولي لن يدخل في صراع مع إسرائيل بسبب أعمال بناء جديدة في الكتل الاستيطانية. وفعلا، فقد كانت الانتقادات قليلة، ولم تتعد كونها ضريبة كلامية مقبولة بصيغة: المستوطنات كعائق أمام السلام".

ويذكر أن الرئيس الأميركي، جورج بوش، كان قد طرح في العام 2003 خطة خريطة الطريق. وتقضي المرحلة الأولى من هذه الخطة بأن يوقف الفلسطينيون العنف من جانبهم، أي الانتفاضة، وفي موازاة ذلك توقف إسرائيل كافة الأنشطة الاستيطانية، بما فيها تلك الجارية في القدس الشرقية. لكن بن أكد في مقاله أن "إدارة بوش وافقت بصمت مع رئيس الحكومة السابق، أريئيل شارون، وسمحت لإسرائيل بالبناء في الكتل الاستيطانية، إذا امتنعت عن توسيع المستوطنات الواقعة وراء الجدار ومن تنفيذ مشاريع مختلفة محل خلاف، وعلى رأسها الحي المخطط إقامته في منطقة إي-1 القريبة من مستوطنة معاليه أدوميم. وهذه الموافقة استمرت خلال فترة أولمرت الذي امتنع من تنفيذ أعمال تطوير في إي-1، باستثناء بناء مقر للشرطة الإسرائيلية".

من جهة أخرى امتنع أولمرت، مثلما فعل شارون، عن تنفيذ تعهداته للإدارة الأميركية بإخلاء البؤر الاستيطانية العشوائية في الضفة الغربية. وكتب بن في هذا السياق أن "حكومة أولمرت، مثل حكومة شارون، أضاعت الوقت في مداولات سريعة حول تطبيق تقرير طاليا ساسون فيما يتعلق بالبؤر الاستيطانية والبناء غير القانوني في المستوطنات. وحظي أولمرت بدعم من باراك وقيادة الجيش والشاباك والشرطة في هذه القضية. كذلك طلبت الحكومة من المحكمة العليا عدة مرات تأخير إخلاء البؤرة الأكبر، ميغرون، التي أقيمت على ما يبدو على أرض فلسطينية خاصة".

المصطلحات المستخدمة:

رئيس الحكومة, الخط الأخضر, الكنيست, باراك

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات