رغم ما تعلنه الحكومة الحالية من رفع للمخصصات وانخفاض للبطالة إلا أن الفقر في ارتفاع مستمر، رغم أن الزيادة طفيفة بالمجمل * نسبة الفقر بين اليهود تراوح مكانها، وبين الفلسطينيين ترتفع بنسب واضحة- نحو 55% من العائلات الفلسطينية في إسرائيل تحت خط الفقر * 66% من الأطفال الفلسطينيين مقابل 20% من الأطفال اليهود تحت خط الفقر
من ب. جرايسي:
أظهر التقرير الدوري نصف السنوي لمؤسسة الضمان الاجتماعي الرسمية في إسرائيل (مؤسسة التأمين الوطني) أن عدد الفقراء في إسرائيل سجل حتى منتصف العام الماضي 2007 ارتفاعا طفيفا، بشكل عام، رغم أن الحكومة الحالية وضعت لنفسها خطة عمل لتخفيض تدريجي للفقر، بحيث يهبط إلى المعدلات المتبعة في الدول المتطورة في العالم.
وبحسب التقرير فإنه حتى منتصف العام الماضي بلغ عدد الفقراء في إسرائيل نحو 675ر1 مليون نسمة، وهم يشكلون ما نسبته 7ر24% من مجمل السكان، مقابل 5ر24% حتى نهاية العام الذي سبقه، 2006.
وتتطرق هذه المعطيات إلى نفس الفترة التي تحدثت فيها التقارير الرسمية الإسرائيلية عن ارتفاع مستوى المعيشة في إسرائيل بنسبة تصل إلى 5%، وأن هذا تحقق من خلال زيادة القوة الشرائية وتدفق الجمهور على شراء المعدات والآليات الحياتية اليومية، وأبرزها السيارات والمعدات المنزلية.
ويبلغ خط الفقر للفرد الواحد الذي يعيش بمفرده حوالي 500 دولار، باعتبار أن سعر صرف الدولار للفترة التي يتحدث عنها التقرير كان يساوي 4 شيكلات، ولعائلة مكونة من شخصين 805 دولارات، ولعائلة من ثلاثة أفراد 1075 دولارا، ولخمسة أفراد 1520 دولارا، ولسبعة أفراد 1925 دولارا.
ويقول التقرير نصف السنوي إنه خلال الأشهر الستة الأولى من العام الماضي انضم إلى دائرة الفقر 25 ألف مواطن، غالبيتهم الساحقة من الأطفال، كذلك فقد ارتفعت نسبة العائلات الفقيرة التي فيها معيل واحد، وحتى معيلان اثنان، وهذا ناجم بشكل مباشر عن الانخفاض المصطنع للبطالة وبوتيرة عالية جدا.
وقد كانت البطالة في مطلع سنة 2007 في حدود 8ر7% وأصبحت في الشهر الأخير من نفس السنة في حدود 6ر6%، ولكن هذا لا يعني إطلاقا أن الأمر صحي، لأنه حسب معطيات سلسلة من التقارير فإن 90% من الذين انضموا حديثا إلى سوق العمل يعملون في وظائف جزئية وبرواتب متدنية، رغم أن 66% منهم كانوا يبحثون عن وظائف عمل كاملة.
ولهذا فإننا نقرأ في التقرير أن 24% من العائلات التي فيها معيل واحد تعيش تحت خط الفقر، في حين ان هذه النسبة كانت في منتصف سنة 2006 في حدود 6ر22%، كذلك تبين أن 5ر3% من العائلات التي فيها معيلان اثنان تعيش تحت خط الفقر، بعد أن كانت هذه النسبة 1ر3%، ويبلغ عدد العائلات الفقيرة في المجمل حوالي 420 ألف عائلة.
ويظهر أن الغالبية الساحقة من الفقراء هم من الأطفال الذين يشكلون 48% من مجمل الفقراء، ثم من المسنين، الذين يشكلون نسبة 25% تقريبا من مجمل الفقراء.
ونقرأ أن حوالي 36% من الأطفال في إسرائيل يعيشون تحت خط الفقر، غالبيتهم الساحقة جدا يعيشون في عائلات كثيرة الأولاد، إذ يقول التقرير إن 60% من العائلات الكثيرة الأولاد (لديها أربعة أولاد وأكثر) تعيش تحت خط الفقر، وأن الغالبية الساحقة من هؤلاء الأطفال يعيشون في منطقتي الجنوب والشمال.
أما في ما يتعلق بالمسنين، الذين يشكلون نسبة 20% من مجمل العائلات في إسرائيل، فإن حوالي نصفهم يعيش تحت خط الفقر، وتتوقع الحكومة إخراج نسبة جدية منهم من دائرة الفقر في التقرير القادم الذي سيتعلق بالنصف الثاني من سنة 2007، وهذا على أثر زيادة مخصصات الشيخوخة التي يتقاضونها، رغم أن هذه الزيادة تلخصت ببضعة دولارات، في حين أن كلفة المعيشة سجلت ارتفاعا ملحوظا في الأشهر الأخيرة، إثر ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
فقر على أساس عنصري
لم يكن غريبا أن ردة الفعل العامة على تقرير الفقر لم تعد بنفس الحجم الذي كانت عليه قبل عامين وأكثر، وهذا على ضوء المعطيات الواضحة، التي تشير إلى أن نسبة الفقر بين اليهود تراوح مكانها، وعلى الأكثر تشهد ارتفاعا طفيفا، في حين أن الفقر مستمر في الاستفحال بين الفلسطينيين في داخل إسرائيل.
وبحسب التقرير، فإنه في حين أن نسبة الفقر بين مجمل العائلات في إسرائيل هي 7ر24%، فإنها بين العائلات اليهودية في منتصف سنة 2007، تصل إلى 4ر15% فقط، بارتفاع بسيط عن نهاية 2006، حين كانت 2ر15%.
أما بين العائلات العربية الفلسطينية، فإنها ارتفعت من 2ر51% إلى 8ر54% من مجمل العائلات العربية، بمعنى أنه في حين أن العائلات العربية تشكل حوالي 13% من مجمل العائلات في إسرائيل، فإنها تشكل في نفس الوقت أكثر من 35% من مجمل العائلات الفقيرة في إسرائيل.
لكن المعطيات تزداد خطورة بين الأطفال العرب، فحتى سنة 2005 كان 60% من هؤلاء الأطفال تحت خط الفقر، وقد ارتفعت هذه النسبة حتى منتصف العام الماضي بنسبة 10%، لتصل إلى 66% من مجمل الأطفال العرب.
وفي حين أن الأطفال العرب يشكلون 24% من مجمل الأطفال في إسرائيل فإنهم يشكلون أكثر من 50% من الأطفال الفقراء في البلاد.
ولا يوجد أي مؤشر إلى إصلاح الوضع القائم بالنسبة للعرب في المرحلة المنظورة، وهذا إذا ما استندنا إلى معطيات أخرى من شأنها أن تساعد على تقليص دائرة الفقر، وأهمها معطيات البطالة. فقد أشار تقرير لمركز أدفا، عمليا، إلى أن معدل البطالة بين اليهود هو أقل من 5%، بينما بين العرب يدور حول 14%.
كذلك فإن نفس تقرير "أدفا"، الذي استعرضناه بتوسع في عدد سابق من "المشهد الإسرائيلي"، أشار إلى أن المواطنين العرب يتقاضون رواتب متدنية عن تلك التي يتقاضاها اليهود، فمعدل الرواتب لدى العرب يساوي 70% من معدل الرواتب العام، في حين أن معدل الرواتب لدى اليهود الاشكناز يساوي 137% من معدل الرواتب العام.
أضف إلى هذا أن الحكومة لا تزال تصر على عدم رفع مخصصات الأولاد، التي تدفع للعائلات عن كل ولد دون سن الثامنة عشرة، وهو مطلب ترفعه باستمرار الكتل الدينية المتشددة.
ردود الفعل
في إطار ردود الفعل على هذا التقرير قال وزير الصناعة والتجارة والتشغيل، إيلي يشاي، الزعيم السياسي لحزب "شاس" الديني الأصولي، إن التقرير هو إثبات آخر على ضرورة إعادة مخصصات الأولاد إلى المستوى الذي كانت عليه قبل خمس سنوات. وأضاف أن "شاس" لن تبقى في الحكومة، التي تحجب الأموال عن أطفال إسرائيل، فحتى خبراء مؤسسة التأمين الوطني يؤكدون أن الحل هو إعادة مخصصات الأولاد إلى مستواها السابق.
وقالت النائبة شيلي يحيموفيتش، من حزب "العمل"، إن الجانب الأصعب في هذا التقرير هو ارتفاع عدد العائلات الفقيرة التي فيها معيل، أو أكثر، وإن الحديث يجري عن ظاهرة خطرة جدا، في مركزها تشغيل عاملين من خلال شركات قوى عاملة تدفع رواتب استغلالية.
وقال النائب حاييم أورون، من حزب "ميرتس"، إن الحكومة تتباهى بلجم نسبة الفقر، لكن سياستها الاقتصادية تتسبب في زيادة أعداد الفقراء بين الأولاد وبين العائلات التي فيها معيل وأكثر، وإن على الحكومة أن تقر سياسة تعالج جذور تعمق الفقر واستفحاله.
وقال النائب محمد بركة، رئيس كتلة الجبهة الديمقراطية البرلمانية، إن تقرير الفقر ومعطياته تؤكد تعمق الفقر واستفحاله، رغم ما نسمعه من ديباجات وكأن الحكومة الحالية ترصد ميزانيات أكثر للرفاه، إن هذا التقرير يعكس الوجه الوحشي للسياستين الاقتصادية والعنصرية.
وأضاف بركة أن التقرير الصادر لم يكن مفاجئا، لأننا طيلة الوقت أكدنا زيف المعطيات الاقتصادية الواردة تباعا، وكما أكدنا دائما فإن للفقر في إسرائيل أيضا طابعا عنصريا على أساس قومي، عدا عن طابعه الطبقي، وكل المؤشرات تؤكد أن نسبة الفقر عند العرب تصل إلى ثلاثة أضعاف النسبة بين اليهود.