المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

أمنون ليبكين شاحاك لـ"المشهد الاسرائيلي": كل من يعقب شارون لن يتبنى ما هو أقل من الانسحاب من القطاع

حزب "العمل" لا يبدو كمن يستطيع العودة الى الإمساك بمقاليد القيادة واحتمالاته لذلك ضئيلة

أجرى المقابلة: وديع عواودة

أمنون ليبكين شاحاك هو رجل عادي اليوم، يعيش بعيدا عن الأضواء ويعمل مديرا لشركة "تاهل" لتطوير شبكات المياه، بيد انه مطلع على خبايا السياسة والاستراتيجيات الامنية الاسرائيلية وعلى ما دار في كواليس المفاوضات مع الفلسطينيين منذ توقيع اوسلو، وذلك بحكم مهامه الرسمية الكثيرة. عمل شاحاك في صفوف الجيش الاسرائيلي منذ العام 1962 حتى العام 1998 ، وخلال هذه المدة اشغل عدة مناصب رفيعة منها رئاسة الاستخبارات العسكرية ("أمان") وقيادة هيئة الاركان العامة للجيش الاسرائيلي. فور مغادرته للخدمة العسكرية دخل معترك السياسة الاسرائيلية وزيرا للمواصلات وللسياحة في حكومة إيهود باراك مندوبا عن حزب "المركز" الذي سرعان ما تفكك شذر مذر نتيجة خلافات مؤسسيه.

في اللقاء معه أعرب شاحاك عن أسفه لرحيل الرئيس ابو عمار قبل ان تتمكن زوجته الصحفية طالي ليبكين شاحاك (معاريف) من اجراء مقابلة صحفية معه، كما وعدها من خلال زوجها . وكشف شاحاك لـ"المشهد الاسرائيلي" استعداده لاصدار كتاب عن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات سيؤكد فيه ان ابو عمار كان بالنسبة له ولا يزال لغزا كبيرا رغم اللقاءات الكثيرة معه ومتابعته ورصد تحركاته طيلة عقود.

عن شخصية الرئيس الفلسطيني وشخصية اريئيل شارون، رئيس الوزراء الاسرائيلي، وقراءته للعلاقات الفلسطينية الاسرائيلية من الحرب الى السلام الضائع الى المواجهة ثانية، وعن معاينته للوضع السياسي الناشىء اضافة الى محاولاته استشراف ماهو آت وغير ذلك من النقاط تاليا هذا اللقاء:

استهل شاحاك حديثه عن استقالته من حزب "المركز" في العام 2000 فقال انه لا يكفي ان تتوفر مجموعة من الشخصيات الممتازة لاقامة حزب متماسك ومتجانس لافتا الى ان "الماء الزلال وزيت الزيتون لا يختلطان". واضاف "فكرة حزب المركز فكرة جيدة غير ان عجز قيادته عن العمل ضمن طاقم واحد أدى الى احباطها". وعن مدى حنينه للسياسة قال "انا اليوم لا انتمي لاي حزب والمسألة لا تتعلق بالحنين، فالسياسة بنظري ليست مهنة انما هي رسالة لتغيير الواقع المعاش نحو الافضل. هناك من يرى في السياسة وسيلة لترتيب الوظائف وجني الارباح له ولاقاربه ومقربيه وانا اقول انه بالامكان جني ارباح مضاعفة خارج حدود السياسة. وهنا اريد التشديد على ان السياسة هي الساحة الاهم للتأثير على ما يجري في اسرائيل، لكن هذا لا يعني ان كل من يتواجد في النظام السياسي بوسعه التأثير فمن يؤثر على مجريات الامور هي ثلة صغيرة تنحصر برئيس الوزراء وحاشيته اما معظم الوزراء وكل اعضاء الكنيست فلا يبدلون ولا يغيرون وفي حقيقة الأمر لا يؤثرون على مستقبل اسرائيل وعلى السياسة الاسرائيلية".

(*) سؤال: لكن الجيش والاستخبارات والاجهزة الامنية هي الحاكمة والمتحكمة في اروقة الحكم في اسرائيل؟

- لا، هذا هراء. فالجيش يتمتع بمكانة وأهمية كبيرتين ولكن صلاحياته تنحصر في اخراج قرارات المستوى السياسي الى حيز التنفيذ وهو لا يصنع قرارات ولا شك لي بذلك.

(*) هل تعتقد ان نشوب انتفاضة الاقصى واستعار نار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي للسنة الخامسة على التوالي كان امرا محتوما لا مفر منه؟

- لا يوجد شيء غير قابل لتلافيه، عدا الامور التي تتحكم فيها السماء او الله. وبالطبع يمكن التأثير على الانتفاضة وهذا ما لم يحصل. اعتقد انه كان بالامكان وقف الانتفاضة في بدايتها وتوفير آلاف الضحايا من الجانبين. ويخطىء من يظن ان زيارة اريئيل شارون لمنطقة الحرم هي السبب، فهذه كانت خطوة سياسية استهدفت المس بايهود باراك ولسان حال شارون يقول للاسرائيليين لا للفلسطينيين: باراك تنازل عن "جبل الهيكل" في كامب ديفيد وها انا اؤكد لكم على أهمية هذا المكان. وغداة الزيارة كما تعلم نشبت المواجهات في منطقة الحرم وفي الخلفية كنا لا نزال نعيش اجواء فشل قمة كامب ديفيد التي اتهم عرفات بافشالها من قبل اميركا والعالم اما في الشارع الفلسطيني فاستقبل كبطل وسرعان ما بدأ يتصاعد الاحباط لعدم تطور اي شيء، ولذا فان الانفجار في الحرم كان متوقعا بدون زيارة شارون وقد بات امرا حتميا ربما بعد شهر او شهرين او سنة في القدس او خارجها. واعتقد انه كان بالإمكان تجنب الانفجار لو قامت الاطراف المشاركة في كامب ديفيد مثلا باصدار بيان مشترك قالوا فيه ان مفاوضات مطولة جرت في منتجع كامب ديفيد ولم تفض لاسف كل الاطراف الى نتائج ايجابية بشكل اتفاقية بين اسرائيل وبين السلطة الفلسطينية، ولكن كانت هناك عملية تقدم في عدة نقاط وان المتفاوضين سيواصلون محاولة جسر الهوة القائمة.. ربما عندئذ كانت الامور ستكون مختلفة النتائج.

(*) وما رأيك بالانتقادات الفلسطينية والاسرائيلية ايضا التي وجهت لايهود باراك من ناحية توجهه الاستعلائي وبرودة تعامله مع الآخر ودورهما في افشال القمة؟

- لا هذا غير مهم. في الجانب السياسي ياسر عرفات ارتكب اخطاء كثيرة في ادارة الوفد الفلسطيني في كامب ديفيد. هذا لا يعني عدم وجود نقاشات مشروعة بين اعضاء الوفد الاسرائيلي والفلسطيني ايضا، ولكنني اعتقد ان باراك ابدى مرونة اكبر بكثير من تلك التي أبداها عرفات. اعتقد ان الاخير اخطأ في تعامله معنا ومع الاميركيين فهناك هو خسر كلينتون والنظام الاميركي، ومع تطور نشوب الانتفاضة ازدادت الخسارة اكثر. وبالتأكيد بعد احداث الحادي عشر من ايلول، التي كانت فرصة من السماء للنزول من شجرة الارهاب، كان بوسع السلطة الوطنية تغيير الاتجاه ولكنها ارتكبت خطأ سياسيا جسيما.

(*) أين أنت من خطة فك الارتباط من جانب واحد، وهل من شأنها خفض ألسنة اللهب أم ماذا؟

- الشيء الاسوأ الذي اصابنا جميعا في السنوات الاخيرة يكمن في هدمنا بقايا الثقة بين الطرفين والتي كرسنا جهودا كبيرة جدا لبنائها. اليوم تفصل بين الشعبين كراهية كبيرة غير مسبوقة. واستعادة الثقة المتبادلة هي مهمة ليست مستحيلة ولكن صعبة جدا جدا وبنفس الآن هي الفرصة الوحيدة لنا وللفلسطينيين لاقامة حياة معقولة لانه بوسعنا العيش هكذا مدة مئة عام اضافية ومن يعش فليعش ومن يمت فقد مات، ولذا فان فك الارتباط ليست اتفاقية انما قرار اسرائيلي يقوم على اساس انه لا يوجد شريك للتحدث معه، وشارون قال انه لا شريك، وهنا انا اقتبس ما قالوه في الحكومة.

(*) وأنت تتبنى هذا الموقف؟

- شارون هو رئيس الحكومة وهذه هي الجهة التي تقرر وجهة الامور في اسرائيل ولذا فقد قررت فك الارتباط لعدم كون عرفات شريكا للتفاوض.

(*) وهل برأيك هذا موقف موفق؟

- أعتقد ان اغلبية الاسرائيليين يعتقدون ان عرفات ادى بنفسه الى عدم ثقتهم به كشريك. اصغ لما يقوله شخص مثل يوسي سريد. والسبب لا يكمن في غياب الاتفاق السياسي انما في امتناع عرفات عن محاولة فرملة الارهاب وصده عندما كان يقدر على ذلك. معظم الاسرائيليين يفهمون ان عرفات لم يبادر لهذه الانتفاضة، لكنهم يعتقدون انه كان بوسعه وقفها في مستهلها. وبدلا من ردع الانتفاضة فقد استغلت من قبل السلطة لخدمة مصالحها.

(*) بغض النظر عن صحة ودقة ما تقوله عن الشريك الفلسطيني، الى اي مدى تعتبر خطة فك الارتباط ناجعة؟

- من الواضح للجميع ان هذه الخطة لن تنهي الصراع ولن تفضي الى اتفاق، لكنها تغير الواقع السيء، فهي تخرج الاسرائيليين من قطاع غزة وبالطبع هذا سيغير الاوضاع لنا ولغزة ايضا وكثيرا. وهي ستغير ايضا سيكولوجية الصراع، فأجزاء كبيرة منه تكمن في رؤوسنا لان شارون ابن حزب الليكود وصاحب فكرة ارض اسرائيل الكاملة وبطل حروبات اسرائيل نفسه جاء وقال: الحل هو دولتان لشعبين وبالاتفاق والتفاوض غير انني لا استطيع التفاوض مع ياسر عرفات لانني لا اثق بقوله انه لا يستطيع ان يتحكم بكل ما يجري في الميدان وهذا هو موقف الادارة الاميركية ولا تنس ان اوروبا ايضا تعتبر الرئيس الفلسطيني لا يخلو من الاشكاليات. شارون يقول ان السلطة الفلسطينية لم تنفذ التزاماتها في خريطة الطريق. وهو اليوم لا يقول فقط ان الحل باقامة الدولتين بالاتفاق، وانما يقوم كذلك باخلاء مستوطنات غزة من طرف واحد.

(*) وهل سيطبق خطته هذه فعلا؟

- اعتقد انه يريد ذلك. واذا كان الامر منوطا به فسيتم الاخلاء، بل انه يبدي استعدادا للانسحاب من محور فلادلفيا في اطار اتفاق امني مع المصريين وغيرهم. وانا اقول ان الاسرائيليين يعرفون شارون جيدا ويعون ان كل من يعقبه لن يتبنى ما هو اقل من الانسحاب من القطاع. ومساهمة اريئيل شارون المستقبلية تكمن في أنه اخذ معسكر الرافضين الى الموافقة على الحل الداعي لاقامة دولتين واللتين سيخضع موضوع حدود كل منهما للتفاوض.

(*) ولماذا بحسب رأيك وصل شارون وأغلبية الاسرائيليين الى الاستنتاج اليوم بأن هذا هو الحل للصراع؟

- ربما السؤال الأصح هو لماذا قرر اخلاء مستوطنات غزة؟ لان اغلبية الاسرائيليين يفهمون انه ليس لنا ما نبحث عنه في القطاع وشارون يعي ذلك.

(*) بعد قيامك بتوصيف الحالة الراهنة، ماهي الصيغة التي تقترحها لانهاء النزاع؟

- الصيغة الوحيدة هي ان نلتقي مجددا ونتحدث على حل الصراع، فالطرفان يفهمان تقريبا ما هي مواصفات ومعايير الاتفاق.

(*) وهل هذا يعني استئناف التفاوض من النقطة التي توقفت عندها المفاوضات في كامب ديفيد مثلا؟

- لا دعك من هذا، فهناك لم ينهوا شيئا وسوف يستغرقون نصف عام للاتفاق حول النقطة التي انهوا عندها. اقترح البدء من النقاط التي يريدونها ويأتي كل طرف باقتراحه حول نقطة البداية.

(*) وكيف يمكن برأيك تجاوز عقبات تشكل "ألغاما" سياسية مثل عودة اللاجئين والقدس؟

- اعتقد ان الالغام تكمن في من يحملها. اسرائيل لن ترضى بعودة مئات الاف الفلسطينيين الى مناطق نفوذها وبوسع هؤلاء العودة الى الدولة الفلسطينية فقط.

(*) لكن في كامب ديفيد كانت هناك موافقة اسرائيلية على عودة بضع عشرات الآلاف من اللاجئين؟

- لا لم تكن موافقة كهذه. يقولون في طابا كانت موافقة كهذه، وهناك لم تكن مفاوضات انما تصريحات استهدف باراك عبرها اقناع المواطنين العرب (في إسرائيل) التصويت لصالحه في الانتخابات العامة. في طابا لم تجر احاديث جدية وعودة عشرات الاف من اللاجئين ليست المشكلة وهذا ما نفهمه جميعنا. والآن لا اتحدث عن كيفية تجاوز هذه المسألة فاذا ارادوا احصاء عدد العائدين بزمن سيجدون الكثيرين قد عادوا واستوطنوا بشكل غير قانوني في فترات الحكومات المتعاقبة.

(*) وكيف سينجز اتفاق اذا لم تتفهم اسرائيل احتياجات وحقوق الطرف الآخر؟

- اذا تحدثوا عن الامور الاخرى ويبحثون عن حل آخر للاجئين فسيكون هناك مجال للتفاوض.

(*) يتساءل البعض عن سبب جنوح رجالات الامن الاسرائيليين امثالك للسلام فقط بعد خلعهم البزة العسكرية بعد ان كانوا معدودين على الصقور؟

- انت تخطىء بالسؤال بأنني غير مستعد للتحدث عن حل سياسي وانا في الخدمة العسكرية، فعندما كنت قائدا للاستخبارات العسكرية في عهد حكومة اسحق شامير سئلت من قبل صحافيين اسرائيليين من ذا الذي يوجه الانتفاضة الاولى في المناطق ويقدر على التأثير عليها فقلت منظمة التحرير الفلسطينية ففوجئوا من الاجابة فقلت "هذه هي الحقيقة"، وهكذا عامي ايلون لاحقا. الجيش ينفذ ما يطلب منه ولكننا كنا نقول ان الصراع لا يحل بالقوة وبمحاربة الارهاب فقط ولكن إذا كانوا يتوقعون من ضباط الجيش ان يرسموا السياسة فهذا لن يحصل ولا مرة واحدة. وها هو ذا رئيس الاستخبارات العسكرية الحالي زئيفي فركش يقول انه بعد رحيل عرفات ستفتح فرصة جديدة للسلام مع القيادة الفلسطينية الجديدة واعتقد ان هذه وجهة نظره المهنية لا السياسية.

(*) اين انت من النقاش بين قطبي الاستخبارات العسكرية، عاموس جلعاد وعاموس ملكا، حول تعريف ونوايا الرئيس عرفات؟

- انا استعد لاصدار كتاب أعتقد أنه سيكون مثيرًا حول الرئيس عرفات وشخصيته. ورغم انني التقيته مرات كثيرة وتابعته بصفتي رئيس الاستخبارات العسكرية سابقا لا يزال ياسر عرفات بالنسبة لي لغزا. اسرائيل لم تهمه كثيرا لانه اهتم بالشعب الفلسطيني، لكنني لم اعرف ما الذي اراده . واذا كان عرفات يعمل حسب خطة المرحلية فلماذا جاء الى البلاد . لا املك جوابا . تحدثت اليه حول الصراع والحل ولكنني لم افهم الى اين اراد الوصول. لقد كان رمزا للشعب الفلسطيني وسيبقى كذلك الى سنوات طويلة ولن يستطيع احد ان ينتزع هذا منه ولكن احدا لا يستطيع ان يأخذ منه ايضا مسؤوليته الكبيرة عما حصل للفلسطينيين ولنا في السنوات الاربع الاخيرة.

(*) ولكنه هو الشخص الذي اعترف بحق اسرائيل بالوجود؟

- طبعا ولذلك قلت انه لغز. واذا كان هدفه اقامة دولة فلسطينية متطورة تستقطب الفلسطينيين من العالم فانني لا افهم عدة امور حصلت في السنوات الاخيرة منها مثلا انني لم افهم لماذا لم يمنع عام 1994 حركة حماس من ممارسة الارهاب وانا لا اقصد ان يقوم بقتل كافة عناصرها.


(*) صحيح انكم كنتم تتعقبون الرئيس ياسر عرفات على مدار الساعة؟

- لا هذا مبالغ به وتعقبه على مدار الساعة امر ممل ولكن لا تنسى انه قبل اوسلو كان بالنسبة لنا عدوا استهدفناه وكان بامكاننا قتل عرفات ولكن السياسة الاسرائيلية قامت على تحاشي المس به.

(*) لكن ليس سرا انكم قتلتم ابو جهاد الذي كان قائدا سياسيا؟

- ابو جهاد كان مسؤولا عن تنفيذ العمليات العسكرية داخل اسرائيل خلال الانتفاضة الاولى وقبلها ولو كان حيا ربما كان يحتل مكانة بارزة جدا في القيادة الفلسطينية لكننا لا نتحدث عن فرضيات راهنة انما نتحدث عن العمليات الارهابية بمبادرته.

(*) كيف بدت لك شخصية الرئيس عرفات من خلال متابعتك له ولقاءاتك معه فيما بعد؟

- لا استطيع ان ارسم شخصيته، لكنني التقيته عدة مرات منها في اذار 1994 بعد ان ارسلني اسحق اربين مع اخرين من بينهم عوزي ديان واوري سفير وجاكي نرياه الى تونس اثر توقف المداولات مع م. ت. ف نتيجة مجزرة الحرم الابراهيمي في الخليل. هناك شاهدت الصعوبات التي واجهها عرفات يوم استقبل سيلا من البرقيات التي ناشدته بوقف المفاوضات معنا ولم يكن سهلا اتخاذ القرار باستئنافها لكنه وجد الطريق لذلك وشاهدت عرفات مختلفًا. كما التقيته عندما حضر الى بيت رابين لتقديم العزاء الى زوجته وهناك كان شخصا مختلفا وقد اعرب عن مشاعر الاسى الحقيقية على اغتيال رابين ثم شهدناه لاحقا بشكل مختلف عندما بدأت العمليات التفجيرية داخل اسرائيل عام 1995. عندها لم يتخذ قرارات. ورأيته مرات عديدة مع بدء الانتفاضة الثانية عندما كان قادرا على انقاذ الوضع ومنع قتل الكثيرين من الفلسطينيين والاسرائيليين ولا اعرف ما هي الاسباب. وعلى المستوى الانساني وبعيدا عن الخلافات فهو رجل لطيف ولكن وقت الشدائد عرفات يتغير حتى على الصعيد الشخصي واحسن مثال على ذلك ما فعله في القاهرة سوية مع حسني مبارك واسحق رابين عندما وقف على المنصة رافضا التوقيع على الاتفاق امام الكاميرات بعد ان التقى مبارك حتى الثانية قبيل الفجر وذلك خلافا لعادته فهو يعرف ان يكون ضيفا محترما ويحترم الاخرين. هناك لعب عرفات دور الممثل في المسرح واحرج الرئيس المصري. وهذا هو عرفات ايضا.

(*) تتهم جهات فلسطينية كثيرة السلطات الاسرائيلية بتسميم الرئيس ياسر عرفات، فماذا تقول؟

- في كل الاحوال السلطة في اسرائيل توضع في قفص الاتهام.

(*) لكن القادة الاسرائيليين سبق أن اعلنوا انه سيطرد وسيقتل وانه غير ذي صلة؟

- ولكن الفرنسيين نفوا احتمال التسميم. في اسرائيل لم يصل الكثيرون من اجل سلامته ومعافاته من المرض فهو مسؤول عما حصل هنا. كما كان بالإمكان تفجير المقاطعة فالمخازن الاسرائيلية مليئة بالمتفجرات، او بسيارة ملغومة، ولم تكن حاجة للانتظار كي يموت ببطء. المهم انه لم يكن قرار بذلك.


(*) ولكن عندها ستضطر اسرائيل الى تسديد الثمن الباهظ على اغتيال الرئيس الفلسطيني؟

- حتى في ذلك لا توجد أسرار وسينكشف كل شيء في نهاية المطاف.

(*) كيف تقيم احتمالات استئناف مسيرة السلام بعد مرحلة الرئيس عرفات؟

- ارجو ان تكون فرصة جديدة لان البديل هو استمرار القتل المتبادل الذي لن يفضي الى نتيجة. اعتقد ان الكثيرين من الفلسطينيين يفهمون اليوم ان السنوات الاربع الاخيرة الحقت اضرارا بالغة بالقضية الفلسطينية.

(*) لكن ابو مازن ايضا لم يحصل على شيء رغم إيمانكم بمواقفه "السلامية المعتدلة"؟

- اولا ابو مازن لم يكن رئيس السلطة الفلسطينية وعمل تحت قيادة عرفات وهذا لم يساعده، مثلما ان اسرائيل ايضا لم تقدم الدعم المطلوب له.

(*) وبعد رحيل عرفات وبقاء شارون هل تعتقد ان اسرائيل ستعامل القيادة الفلسطينية بشكل مختلف؟

- اعتقد انه ستكون قيادة جماعية في البداية على الاقل وعلى اسرائيل منحها فرصة للسيطرة على الميدان واذا اثبتت قدرتها على السيطرة ستكون الحكومة الاسرائيلية مجبرة على التحدث اليها.

(*) وما رأيك بالقول ان بقاء عرفات كان مريحا بالنسبة لشارون من اجل تزويد الاسرائيليين بالذرائع لتبرير حالة الجمود؟

- اعتقد ان بقاء عرفات في المقاطعة كان مريحا بالنسبة لشارون في ظل انعدام الضغوط الاميركية والاسرائيلية. والان انتهى الزعم الذي حرم التحدث مع عرفات لان عرفات توفي ولا تنس اننا لسنا وحدنا فهناك الولايات المتحدة التي ارجح ان تعاود ضغوطها لحل الصراع مثلما ان اغلبية الاسرائيليين يريدون ذلك ايضا عبر اتفاق. ولذلك اذا ظهرت قيادة فلسطينية تستطيع فرض سيادتها بمسؤولية وتحسن ادارة شؤون حياة الفلسطينيين اولا وتحول دون سيطرة العصابات، عندها لن يجد شارون خيارات اخرى الا التفاوض ولا شك لدي بذلك. عندها ستولد أيضًا معارضة قوية في اسرائيل ويستطيع حزب العمل النهوض مجددا.

(*) استاء الفلسطينيون من تصريحات الشماتة والتشفي بموت عرفات سيما وان معظم الفلسطينيين استنكفوا عن مثل ذلك يوم مات رابين. فكيف ترى ذلك؟

- بالنسبة للصحافة والصحافيين فانهم يبحثون عن الاسترزاق من خلال ذلك وهذا لا يعنيني. ما يعنيني هو تغيير الاوضاع والاجواء الراهنة وهذه مهمة صعبة.

(*) ما هو الخطأ الأشد لاسرائيل وللسلطة الفلسطينية منذ اتفاقات اوسلو برأيك؟

- الخطأ الاهم للسلطة الفلسطينية يكمن بامتناعها عن فرض سيادتها على الساحة الفلسطينية وتورطها بحالة من الفساد المفرط اما بالنسبة لنا فقد اخطأنا عندما علمنا بقيام عرفات بتهريب فلسطينيين ممنوعين من الدخول الى البلاد في مركبته ولم نوقف التفاوض معه حالا لان ذلك شق الطريق للمزيد من التجاوزات. كما اخطأنا في تعاملنا مع العملية التخريبية الاولى في العمق الاسرائيلي بعد مدة وجيزة من توقيع اوسلو.

(*) بالنسبة للحلبة السياسية الاسرائيلية الداخلية كيف ترى احتمالات عودة حزب العمل وباراك الى سدة الحكم؟

- الاجابة على السؤال حول حزب العمل اكثر سهولة لي، وانا اقول ان حزب العمل لا يبدو كمن يستطيع العودة الى الامساك بمقاليد القيادة واحتمالاته ضئيلة.

(*) لماذا؟ هل هو انعدام الطريق ام القيادة؟

- الاثنان معا. ولكن الاهم عدم وجود طريق سياسي، فهذا الحزب ارتكب اخطاء كثيرة في السنوات الاخيرة وهو يدفع ثمنها الان واهم هذه الاخطاء انضمامه الى حكومة شارون الاولى بدلا من لعب دور المعارضة وطرح البديل.

(*) من هو الاجدر بقيادة حزب العمل الى الطريق الصحيح برأيك: باراك ام بيريس أم غيرهما؟

- لا أعرف. هذا ما ينبغي ان يقرره الحزب في انتخابات داخلية.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات