المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.
  • وثائق وتقارير
  • 1604

 *ماركوس: شامير لم يضلل وزراءه أو حكومته بينما رسم نتنياهو لنفسه صورة الزعيم الكذاب المزمن في إسرائيل والخارج*

 قال يوئيل ماركوس، كبير المحللين السياسيين في صحيفة "هآرتس"، إنه لم يكن من قبيل المصادفة أن اليوم الذي تم فيه تشييع رئيس الحكومة الإسرائيلية السابع إسحاق شامير الذي اعتبره إسرائيليون كثيرون "زعيمًا مستقيمًا"، تزامن مع إعلان القائم بأعمال رئيس الحكومة ورئيس حزب كاديما شاؤول موفاز أن رئيس الحكومة الحالي بنيامين نتنياهو لا يقول الحقيقة، أي أنه محتال، في كل ما يتعلق بمسألة تجنيد الشبان اليهود الحريديم (المتشددين دينيًا) في صفوف الجيش.

 

وأضاف ماركوس أنه لا ينوي تأبين شامير، الذي توفي يوم 30 حزيران الفائت عن عمر يناهز الـ 96 عامًا، لكنه ينوي أن يقارن بينه وبين نتنياهو، فبينما لم يضلل الأول وزراءه أو حكومته بحيل من النوع الذي نراه في هذه الأيام، فإن الثاني لم يفلح في شيء أكثر من نجاحه في رسم صورة الزعيم الكذاب المزمن لا في إسرائيل فحسب وإنما أيضًا لدى الكثير من الزعماء في الخارج.

وأكد أنه إذا كان لدى نتنياهو تفكير إستراتيجي فإنه ينجح في إخفائه حتى عن وزرائه وشركائه في الائتلاف الحكومي، وأنه "لولا الوعود التي وعد موفاز بها ومنها تنفيذ قرارات لجنة بليسنر (بشأن تجنيد الحريديم) وشؤون سرية أخرى، لما كان حزب كاديما أهان نفسه بالانضمام إلى شاحنة حكومية فيها 94 نائبا". وتساءل: "هل فعل نتنياهو ذلك كي لا يكون متعلقا بالمتدينين؟ إن هذا حلم لن يتحقق إلى أن ينبت الشعر في راحات أيدينا. لقد كان شامير زعيما مصبوبا من البازلت، وكنا نعلم أين نقف معه. ولدي انطباع بأن نتنياهو لا يعلم حتى لماذا خدع كاديما، ولماذا كذب في خطاب بار إيلان، فهل هذا زعيم؟".

في المقابل قال السفير الإسرائيلي السابق في الأمم المتحدة دوري غولد، الذي يعتبر مقربًا من نتنياهو، إن أكبر مساهمة قدمها شامير تتمثل في إقناع الولايات المتحدة بأن "إسرائيل لن تفاوض أبدا ولن تنسحب إلى حدود التقسيم أو إلى حدود 1967"، كما أكد وزير الخارجية الأميركية الأسبق جورج شولتس في العام 1988.

وأضاف غولد أن شامير نجح بعمله السياسي "في تثبيت أفضل ظروف للتفاوض في إطار مؤتمر مدريد الذي عقد في العام 1991. واستطاع قبل هذا المؤتمر أن يفشل الجهود الرامية إلى عقد مؤتمر دولي يملك صلاحيات تخوله فرض تسوية سياسية تسلب إسرائيل الأملاك التي تحتاجها من أجل الحفاظ على أمنها، وبقيت هذه التفاهمات على حالها أيضا بعد أن حل محل العلاقات الحميمة مع إدارة ريغان توجه أبرد في فترة ولاية إدارة بوش الأب. وطور شامير أيضا لغة مشتركة مع واشنطن تتعلق برؤية تسوية سلمية في المستقبل بمشاركة أردنية عبر عنها الوفد الأردني- الفلسطيني المشترك في مؤتمر مدريد، والذي لم تجر بعد ذلك أي مفاوضات في إطاره جراء قبول إسرائيل اتفاقات أوسلو. ويضاف إلى ذلك أن شامير طلب قبل عقد مؤتمر مدريد أن تقدم الولايات المتحدة رسالة ضمانات تتعلق أهميتها تعلقا كبيرا بالتزام من يأتون بعده في القيادة الإسرائيلية بأن يستعملوا مضمونها في إطار اتصالاتهم مع الإدارة الأميركية".

وختم غولد: "يخطئ أولئك الذين يفسرون حذر شامير وميله إلى التخطيط الصارم على أنه سلبي. فقد عبرت سياسته وأعماله أكثر من أي شيء عن فهمه العميق لنقاط ضعف إسرائيل وعن المسؤولية التي كان يتحملها لحماية أمنها".

وكان رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو قد قال، في مستهل الاجتماع الذي عقدته الحكومة غداة وفاة شامير، إن هذا الأخير "كان من جيل العمالقة الذين أقاموا دولة إسرائيل، وأفنى عمره وكرس طاقاته لتحقيق إقامة الدولة وتأمين حرية الشعب اليهودي وضمان أمن المواطنين الإسرائيليين، فضلاً عن تحقيق حلم جمع الشتات اليهودي".

وأشار إلى أن شامير أدى دوراً حاسماً في تحويل مئات الألوف من اليهود المهاجرين من الاتحاد السوفياتي السابق إلى البلد، كونه تعامل بمنتهى الهمة مع الإدارة الأميركية لجعل دولة إسرائيل محطة الخروج الأولى بالنسبة إلى هؤلاء المهاجرين. كما أنه كان مسؤولاً عن هجرة 15 ألف يهودي من أثيوبيا في نطاق عملية واحدة، الأمر الذي عبّر أيضاً عن التزامه العميق بالعقيدة الصهيونية والمستقبل اليهودي.

وأضاف نتنياهو أن شامير "كان من أشد الزعماء رسوخاً وثباتاً الذين حظي بهم شعب إسرائيل، واتّسم أكثر من أي شيء آخر بصرامة موقفه ورؤيته السياسية، وهذا ما برز لدى ذهابه إلى مؤتمر مدريد للسلام العام 1991".

وتطرّق رئيس الحكومة إلى بعض المقولات التي أدلى بها شامير إزاء العرب، ولا سيما مقولته التي كان فحواها أن رغبة العرب في القضاء على إسرائيل لم تتغير مثلما أن البحر نفسه لا يتغير والتي جعلته في حينه عرضة لموجات حادة من الانتقاد والاستهزاء، فأكد أن عدداً أكبر من الناس بات يدرك الآن كنه هذه المقولة، وأن قائلها كان مطلعاً على أمور أساسية وحقيقية من دون أن يخضع للتغيرات الآنية، أو أن يلوي عنق الحقيقة من أجل هذه التغيرات.

 

شامير هدّد بشن عملية عسكرية ضد

العراق خلال حرب الخليج الأولى

 

وفي الكلمة التي ألقاها في مراسم الجنازة، قال نتنياهو إن شامير كان "ينظر بصرامة وريبة إلى أي فكرة تعني انحسار حدود الوطن، ذلك الوطن الذي لم يعرف مدى ولائه له الحدود. وفي الوقت ذاته كان يبدي المواقف المبدعة والمنفتحة إزاء أي فكرة تعني فتح نافذة أخرى أمام مواصلة إجراءات جمع شتات الشعب اليهودي".

وأشار إلى أن شامير كان جندياً مجهولاً في تنظيم "ليحي" السري ("المقاتلون من أجل حرية إسرائيل") قبل إقامة الدولة، وظل جندياً مجهولاً في "الموساد" بعد قيام الدولة، إلا أنه أصبح شخصية معروفة في فترات لاحقة لدى تولّيه مناصبه العلنية والرسمية العليا رئيساً للكنيست ثم وزيراً للخارجية ثم رئيساً للحكومة.

وأضاف نتنياهو أن أكثر ما عرف عن شامير خلال توليه رئاسة الحكومة الإسرائيلية هو تحلّيه بضبط النفس في أثناء حرب الخليج الأولى (1990-1991)، وسبق أن تكرر القول كثيراً إن شامير قرر حينها عدم الرد على الصواريخ العراقية التي سقطت في إسرائيل رغبة منه في عدم إضعاف أواصر الائتلاف الدولي الذي نشأ لمواجهة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، لكن هناك نقطة هامة في القصة غير معروفة إلى حد ما وهي كالتالي: عندما كانت الصواريخ تسقط على إسرائيل لم يجلس شامير مكتوف اليدين بل نقل إلى الولايات المتحدة رسالة بواسطة وزير الدفاع آنذاك موشيه آرنس مفادها أن إسرائيل مقبلة على عمل عسكري في العراق، وعندها أدركت الولايات المتحدة أن شامير كان جادا في نواياه واستعداداته، علماً بأنه كان حقيقة جاداً في الأمر. وبالتالي أدرك الأميركيون أن الكلمات والوعود لن تكفي بحد ذاتها، لكن قبل انطلاق العمل العسكري الإسرائيلي تم الإعلان عن وقف إطلاق النار مما جعله يستغني عن العملية الإسرائيلية.

وشدّد نتنياهو: "لو استمرت عمليات إطلاق الصواريخ العراقية لكانت إسرائيل تحت قيادة إسحاق شامير ستقوم بعمل عسكري. فقد كان شامير رجلا صارما وعمليا وعقائديا وعقلانيا وملتزما التزاماً مطلقاً بحماية أمن إسرائيل".

ووفقا للموسوعة الالكترونية "ويكيبيديا"، فإن تنظيم "ليحي"، الذي انشق عن تنظيم "إيتسل"، بسبب قرار الأخير وقف العمليات الإرهابية ضد الانتداب البريطاني، سعى إلى التحالف مع ألمانيا النازية خلال الحرب العالمية الثانية من أجل الحصول على دعم ضد الانتداب البريطاني.

وبعد فرار شامير من السجن ومقتل قائد "ليحي"، يائير شتيرن، أصبح الأول قائدا لهذا التنظيم، وأمر خلال فترة قيادته بتنفيذ عدد كبير من العمليات الإرهابية ضد مسؤولين بريطانيين، وقد نجح بعضها وفشل بعضها الآخر.

وبعد إقامة إسرائيل رفض رئيس حكومتها الأول، دافيد بن غوريون، تعيين عناصر "ليحي" في أي وظائف حكومية وكان يقول عندما يتحدث عن شامير "ذلك الإرهابي". لكن بعد فشل عملية للموساد، أقنع رئيس الموساد والشاباك في حينه، إيسار هارئيل، بن غوريون بدمج عناصر "ليحي السابقين"، وفي مقدمتهم شامير، الذي تم تعيينه في منصب رفيع في الموساد.

وقاد شامير وحدة الاغتيالات التابعة للموساد في أوروبا، ومقرها في باريس، وكانت في حينه تركز على اغتيال علماء ألمان كانوا يعملون على تطوير صواريخ لصالح مصر في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر.

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات