مقاولو أصوات و "بِزنس" وراء الظاهرة: ثلث مجموع المسجلين لعضوية الليكود (أي حوالي 100 ألف شخص) هم من مرتدي قبعات المتدينين اليهود، بينهم حوالي 15 الف حريدي.
معروف عن الحاخام يوسيف شالوم إليشيف، الذي يعتبر اليوم أهم شخصية دينية في صفوف الحرديم الإشكناز، والذي ورث عمليا مكان الحاخام إليعزار شاخ كزعيم كزعيم روحي لقائمة "ديغل هتوراة"، انه مُقِلٌّ في التحدث مع الساسة العلمانيين، ناهيكم عن السياسيات العلمانيات. ولكنه قبل شهر أو أكثر بقليل تجاوز هذه القاعدة عندما استضاف في بيته وزيرة التعليم ليمور ليفنات. ولعل المفاجأة الأهم كمَنَت في عدم دعوة عضو الكنيست أبرهام رافيتس، موفد ووكيل الحاخام "إليشيف" لدى الطبقة السياسية، ونائب الوزيرة ليفنات في وزارة التعليم، لحضور هذا اللقاء بين إليشيف والوزيرة .
شغلت زيارة ليفنات لمنزل الحاخام اهتمام الجمهور الحريدي لأيام عديدة. المتحدثون باسم الوزيرة، الذين حرصوا على عدم إبراز اللقاء في وسائل الإعلام العلمانية، تعمدوا إبرازه في وسائل الإعلام الحريدية.
احد الأسئلة التي وجهها الكثير من الحرديم لأنفسهم مرارا في أعقاب اللقاء بين الحاخام إليشيف والوزيرة ليفنات دار حول التوقيت الغريب لهذا اللقاء. في الفترة السابقة لعقد اللقاء، وهي الفترة التي سبقت الإنتخابات الداخلية في الليكود لإنتخاب أعضاء مؤتمر ولجان فروع الحزب، تناولت الصحافة الحريدية بتوسع قيام آلاف الحرديم بتسجيل أنفسهم كأعضاء في الليكود، وهي ظاهرة جديدة تثير قلقا بالغا لدى الحاخامات الحرديم، كذلك تطرقت معظم الصحف إلى هذه الظاهرة بلهجة انتقادية. وعلى الرغم من أن الجميع يدركون أن معظم المتسجلين لحزب الليكود جندوا من جانب مقاولي أصوات، وأن انخراطهم في الحزب لا يعود لأسباب ودوافع ايديولوجية صرفة، إلا أن الجميع لاحظ أيضا الحماس والإندفاع لدى قسم من الحرديم المنخرطين في الليكود. من هنا فإن الحرديم الذين ينوون المشاركة "غدا" في التصويت المقرر له أن يحسم المنافسة بين أرئيبل شارون وبنيامين نتنياهو، قد يفضلون، "بعد غد" في الإنتخابات للكنيست، التصويت لحزب الليكود بدلا من التصويت لصالح "ديغل هتوراة". إن تحقق هذه الإمكانية سيشكل تجديدا مثيرا. فالجمهور الحريدي، وعلى الرغم من ميله الواضح نحو اليمين، إمتنع حتى الآن عن إعطاء أصواته لحزب الليكود. ففي مستوطنة عمانوئيل الحريدية، على سبيل المثال، والتي حصل فيها نتنياهو في انتخابات رئاسة لوزراء عام 1999 على 99% من أصوات الناخبين، لم تحصل قائمة الليكود سوى على 21 صوتا فقط.
لقد فسر اجتماع الحاخام إليشيف مع الوزيرة لفنات، التي تعتبر من زعماء الليكود، فسر من جانب الكثيرين بأنه بمثابة إعطاء إذن من قبل الحاخام إليشيف لمؤيديه الحرديم بتسجيل أنفسهم كأعضاء في الليكود، حتى وإن لم يكن الحاخام نفسه يقصد ذلك.
قنوات حوار مباشرة
الإتصالات التي مهدت للإجتماع بين لفنات والحاخام إليشيف، أجراها باسم لفنات حيزي شنزون، وهو شاب حريدي من "بني براك" تسجل قبل فترة وجيزة لحزب الليكود، وثم ضمه إلى طاقم المساعدين السياسيين للوزيرة لفنات. مهمة شنزون الأساسية في الطاقم هي تجنيد التأييد لـ "لفنات" في صفوف الحرديم الذين تسجلوا في حزب (الليكود). وقد سعت لفنات، من خلال استبعادها لإشراك نائبها "رافيتس" في لقائها مع الحاخام إليشيف، إلى إيصال رسالة انتخابية جديدة للجمهور الحريدي، مؤداها أن هناك قنوات حوار مباشرة، تتجاوز الساسة الحرديم، قد نشأت بين الحاخامات الحرديم وبين رؤساء الليكود. هذه الرسالة تنطوي على مغزى سياسي بعيد الأثر في ظل العودة للتصويت ببطاقة واحدة. فالليكود سيسعى في الإنتخابات العامة القريبة لكسب أصوات ناخبي "يهدوت هتوراة" أيضا، وليس فقط أصوات مؤيدي حركة "شاس" الشرقية. لقد أرادت لفنات ومساعدها شيننزون القول من خلال تجاوزهما لـ "رافيتس"، أن الناخبين الحرديم الذين يهمهم الحفاظ على المصالح الحريدية، لا يجب عليهم بالضرورة التصويت للأحزاب الحريدية.
حيزي شيننزون ليس بالحريدي الوحيد الذي يفكر بهذه الطريقة، وينضم إلى الليكود لهذا السبب. فقد صرح "الحاخام من بعلز" قبل سنوات عديدة أنه مقتنع بأنه سيحل اليوم الذي لا تعود فيه ثمة حاجة لأحزاب دينية في إسرائيل، وأن المتدينين سيحصلون على تمثيل في الأحزاب العلمانية، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية. ويقول الحاخام مردخاي هلفرين، الذي روى ذلك، وهو من أنصار حركة "حباد" وعضو في الليكود، إنه مقتنع بذلك أيضا ويضيف "لعلنا بدأنا بالإقتراب من هذا الوضع". ووفقا لتقديرات هلفرين، التي تؤيدها محافل أخرى في قيادة الليكود، فإن هناك عددا يتراوح بين عشرة آلاف إلى 15 ألف حريدي بين الأعضاء المسجلين لحزب الليكود والبالغ مجموعهم 330 ألف عضو.
وكان هلفرين، وهو مؤيد قديم لنتنياهو، ناشطا جدا في تجنيد هؤلاء الحرديم وجلبهم للتصويت في انتخابات مؤتمر الليكود، الذي سينتخب بدوره قائمة مرشحي الحزب للكنيست. وقدر هلفرين، أن هناك بضع العشرات، وربما مئة من أعضاء مركز الليكود هم من الحرديم، فيما كان المركز السابق لا يضم سوى عدد قليل جدا من الحرديم. وقد عمل هلفرين، الذي انضم لحزب الليكود قبل حوالي15 عاما، مستشارا لشؤون الحرديم لدى أرئيل شارون (في فترة تولي الأخير لمنصب وزير البناء والإسكان أوائل العقد الماضي) ولدى بنيامين نتنياهو (في الفترة السابقة لانتخابه لرئاسة الحكومة عام 1996). ويقول هلفرين أن التصويت ببطاقتين أعطى شرعية لتصويت يهود حرديم لصالح مرشح علماني. ويضيف: "تخوفنا عام 1996 من إمكانية أن يحظر الحاخامات على الحرديم التصويت لمرشح علماني لرئاسة الوزراء، لكنه تبين في نهاية المطاف أن الحاخامات أعطوا الشرعية للتصويت. هذا المنفذ الذي فتح في ذلك الوقت لن يغلق على الرغم من العودة للتصويت ببطاقة واحدة. فإذا كان يجوز لحريدي أن يصوت لصالح رئيس وزراء علماني، إذن يجوز له أيضا التصويت لصالح حزب علماني. خذ على سبيل المثال موضوع عضو الكنيست الحريدي، دافيد طال، الذي انشق مؤخرا عن حركة "شاس" وانضم إلى الليكود.. فأنت لم تسمع أي حاخام حريدي يشجب سلوكه. هذا الأمر يشير إلى رياح جديدة تهب على الشارع الحريدي".
رافي بارحين، وهو من ناشطي معسكر شارون المركزيين في الليكود، ويتبع نمط حياة حريدي لكنه لا ينتمي إلى أي جناح حريدي، يعتقد هو الآخر أن التغيير الذي طرأ على الليكود هو نتاج تغييرات يشهدها المجتمع الحريدي. وكان بارحين، الذي تولى لغاية الفترة الأخيرة منصب سكرتير عام الليكود في القدس وحاليا نائب مدير عام الحزب على المستوى القطري، من بين الأوائل الذين حاولوا عشية انتخابات العام 1988، تجنيد أعضاء حريديم في إطار حزب الليكود. ويقول إنه نجح في ذلك الوقت في إقامة "نواة لا يزيد عددها عن عشرين أو ثلاثين ناشطا. وقد كان الخوف يعتري هؤلاء طوال الوقت من ردة فعل المجتمع الحريدي.
اليوم لم يعد أحد يخشى أو يتخوف من مثل ردة الفعل هذه، ذلك لأن المجتمع الحريدي تغير. فالحرديم يقرأون اليوم الصحف العلمانية، كما أن المجتمع اليهودي أكثر انفتاحا بكثير". ويعتقد بارحين أن ثلث مجموع المسجلين لعضوية الليكود (أي حوالي100 ألف شخص) هم من مرتدي قبعات المتدينين اليهود، وأن بين هؤلاء حوالي 15 الف حريدي. ويقول بحذر: "لم يأت جميع هؤلاء إلى الليكود لأسباب إيديولوجية بحتة أو لأسباب ودواعي سياسية مشروعة"، ويضيف موضحا إن قسما من هؤلاء يأتون إلى الليكود – "لأنهم يجدون صعوبة في إيجاد تربة خصبة للنشاط السياسي في "أغودات يسرائيل" و "يهدوت هتوراة"، وهما حزبان منغلقان جدا، ولا يمارسان نشاطا سياسيا حقيقيا، أروقتهما مزدحمة للغاية، وإذا لم تكن (إبن فلان) أو (مقرب من علان) فلن تجد عندئذ شيئا تبحث عنه في هذين الحزبين". وينجذب (حرديم) آخرون إلى الليكود، حسب اعتقاده، وخصوصا الشبان، "نظرا لأن الذي لا يخدم في الجيش يجد كما يبدو تعويضا في النشاط السياسي، معتقدا أن حملات الليكود الإنتخابية هي المكان الملائم لتفريغ الطاقة".
لكن ما يقلق بار حين بشكل خاص هم الصنف الثالث بالذات من المتسجلين الحرديم، ويقول: "اكتشف الحرديم، كأي جمهور آخر في البلاد، الطاقة السياسية والإقتصادية الكامنة في مركز الليكود. ونتيجة لذلك فانك تسمع رجال أعمال حرديم أو ممثلي ساحات حريدية يقولون أن التمثيل في مركز الليكود، أو التقرب من أعضاء في هذا المركز أمر مفيد لـ "البزنيس" أو "لمصالح الساحة" الحريدية. وقد قلت لعدد من الشخصيات الحريدية أن هذا السلوك يعزز السمعة السلبية للحرديم في المجتمع العلماني".
ويؤكد يعقوب فلاي، وهو رجل أعمال حريدي، قائلا بنفس الروح أن "تسجل الحرديم لعضوية الليكود ينبع فقط من صراعات قوة تقبع خلفها أموال ومناصب". ويعتقد فلاي، الذي يتولى أيضا منصب نائب مدير عام أسبوعية "مشبحاه" (عائلة) الحريدية، أن الغالبية الساحقة من آلاف الحرديم المتسجلين في لليكود سجلوا من جانب "مقاولي أصوات يعملون لحساب مراكز قوة في الحزب".
وفي الواقع فإن الظاهرة التي يتحدث عنها "فلاي" تشير إلى التراجع الكبير الذي طرأ على التقدير الذي تكنه الطائفة الحريدية للأحزاب الحريدية، غير أن "فلاي" مقتنع مع ذلك أن قلائل فقط من بين المتسجلين الحرديم لعضوية الليكود سوف يصوتون لصالح هذا الحزب في انتخابات 28 كانون الثاني القادم، وأن الغالبية الساحقة من هؤلاء الحرديم سيصوتون لصالح قائمة "يهدوت هتوراة"، استجابة لدعوة متوقعة سيطلقها الحاخامات عشية الإنتخابات.
أما دودي زيلبرشلغ، ناشر الصحيفة الحريدية "بَكهيلاه" (في الجالية) ورجل علاقات عامة عمل في الماضي مع كل من شارون ونتنياهو وأسهم كثيرا في ترويج الليكود في الشارع الحريدي، فهو يعارض الآن انضمام الحرديم إلى الليكود ويعتقد أن ذلك يشكل "ظاهرة خطيرة"، ويقول إن مقاولي الأصوات لصالح الليكود ليسوا أقل خطورة من مجموعة موشيه بايغلين التي تقوم بتسجيل مستوطنين لعضوية الليكود بغية تحويله إلى حزب يميني متطرف. وما يقلق "زيلبرشلغ" بالذات، هو الحرديم الذين ينضمون إلى الليكود لأسباب إيديولوجية، ويقول إن هناك بين الحرديم المتسجلين لليكود آلاف الشبان الذين يقدسون بنيامين نتنياهو ويقدسون أيضا اللجوء للقوة العسكرية. ويستطرد: إن هذا الدمج بين الدين والتطرف القومي شيء خطير ليس بالنسبة للدولة وحسب، بل وللحريدية أيضا.. إنه وسيلة مؤكدة لإستقطاب الشبان إلى خارج العالم الحريدي، وقد حصل ذلك في الماضي، ففي الأربعينيات انجذب الكثير من الشبان الحرديم إلى منظمتي "إتسل" و"ليحي" (إتحدتا لاحقا في إطار "حيروت" المكون الأساسي لحزب الليكود فيما بعد).
ويقول زيلبرشلغ، الذي تشن صحيفته حملة ضد انضمام الحرديم لحزب الليكود، إن ما يثير دهشته واستغرابه بشكل خاص هو حقيقة عدم اصطفاف الحاخامات بصورة حاسمة وجلية في النضال ضد هذه الظاهرة.
(أرييه ديان – "هآرتس")