المشهد الإسرائيلي

ملحق أسبوعي يتضمن مقالات صحفية وتحليلات نقدية ومتابعات عن كثب لمستجدات المشهد الإسرائيلي.

اليوم، بعدما اعتزل الحياة السياسية، يطّل عضو الكنيست يوسي سريد (ميرتس- ياحد)، على ماضيه القريب ولا يوفّر انتقادات لاذعة للوضع السياسي القائم في إسرائيل معتبرًا المستقبل غامضًا بفعل غموض السياسيين الإسرائيليين.

حين تسأله عن مستقبل الخارطة السياسية يقول من دون تردد: "لا أعرف".

ماذا يقول عن "كديما" واليسار الإسرائيلي المندثر؟ وكيف ستؤثر الخارطة السياسية على مستقبل العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية؟ وكيف يقيّم "العمل" برئاسة بيرتس؟.

على كل هذه الأسئلة يجيب سريد بسخرية لا متناهية في هذه المقابلة الخاصة:

* ما هو المذاق الذي تركته الحلبة السياسية لديك؟

- أي مذاق تريد عندما أرى "سوق الخيول" وعندما يُعرض السياسيون للبيع والشراء. أنا لست حصانًا ولا يستطيعون بيعي وشرائي أبدًا، لذا مكاني ليس هناك أبدًا.

أنا مسرور من عدم وجودي معهم. كانت أمي تقول لي دائمًا عن أشخاص لا يعجبونها: هؤلاء أصحاب لا يليقون بك. وبالفعل، هؤلاء لا يليقون بي.

* ولماذا لم يفكر سريد بأن يغيّر هذا الواقع من الداخل؟

- أنت محق، ولكنّي رأيت عدم جاهزية الجمهور الإسرائيلي للتغيير. فالجمهور ليس معنيًا أصلاً بالتغيير واستطلاعات الرأي تؤكد هذا. الجمهور يمنح ثقته لسياسيين يؤدون دورًا سلبيًا برأيي. وإذا كان هذا ما يريده الجمهور فليكن. أنا لست شريكًا. ما يريده الجمهور سيناله في النهاية. وأنا أغيّر رأيي ولا أستطيع تغيير جمهور كامل.

توجد نكتة روسية قديمة تتحدث عن رجل انتابه القرف من كل شيء. وبعد ما قرف جدًا جدًا قال: أنتم أبقوا هنا وأنا سأذهب إلى الجحيم. وهذا بالضبط ما أقوله: أنتم أبقوا هنا وأنا سأذهب للجحيم.

* كيف ترى مستقبل الخارطة السياسية في ظل ما يجري من تنقلات؟

- لا أعرف، صدقني. فأحد لا يكشف أوراقه أبدًا، بالعكس، كل الأوراق مغلقة ولا أعرف ماذا من الممكن أن يجري مستقبلاً. ربما سنشهد تطورات جيدّة وربما سيئة. برأيي، الجمهور الإسرائيلي سيشتري قططًا في أكياس عندما ينتخب ولا يعرف ماذا يخبئ له المستقبل. وإذا سألتني عن إجابة نهائية، فأنا لا أعرف ما يخبئه المستقبل.

* أنت لست شريكًا ولا مرشحًا ولكنّ هل ستنتخب؟

- لما لا؟ سأذهب وانتخب. وحتى في هذه الأيام السيئة يوجد بعض الجيدين. فأنا أحب زوجتي كثيرًا، ولكن لن أجلس إلى جانبها أربعًا وعشرين ساعة يوميًا. أعدك بأنّ صوتي سيكون مسموعًا مثل الماضي وربما أكثر. سأسمع الجميع صوتي من على منابر أخرى فأنا من هؤلاء الناس السعداء الذين لا يحتاجون إلى مقعد في الكنيست لإسماع صوتهم.

* كنت دائمًا ضد الليكود، والليكود اليوم يتفكك. لماذا تحتسب التطورات سلبية رغم تفكك الليكود الذي عارضته طوال فترتك السياسية؟

- من قال؟ لكأني بكيت على تفكّك الليكود على يد شارون. بالعكس. أنا لا أبكي على تفكيك الليكود، فهذه خطوة جيّدة وإيجابية للغاية. ولكن عند تفكيك شيء يجب إعادة تركيب ما فكّكت. مثلاُ، عندما نقوم بتفكيك ساعة يد، عليك أن تعيد تركيبها. وشارون فكّك الليكود فعلاً ولكني لا أعرف ماذا سيركّب فيما بعد.

* يركّب "كديما".

- للأسف، يوجد فاسدون أكثر من اللازم في "كديما". ولا أعرف شخصيًا إلى أين يتجه هذا الحزب. في "كديما" يقبلون السياسي ليس من دافع رؤيته السياسية لا بل نتيجة استطلاعات الرأي. وأنا لا أعرف بالضبط ماذا سيجري مستقبلاً. أعود وأكرّر، من ناحية أخرى تم تفكيك رعاع الليكود وهذا أمر جيّد. وماذا سينتج هذا الواقع مستقبلا؟ فأنا لا أعرف.

* كيف تعقّب على انضمام شاؤول موفاز الى "كديما" وانسحابه من ليكود؟

- هذه انتهازية صرف. لم يقم موفاز بهذه الخطوة لأن مبادئه وبرامجه السياسية فرضت عليه هذا الانتقال. لا بل أراد إنقاذ نفسه. أنا لا أكّن التقدير لمثل هذه التنقلات. بالأمس فقط هاجم "كديما" وكل من يقف وراءها واليوم يصافح "كديما" وقادتها. ليس هذا ما أطمح إليه في السياسة. ولا حتى في الحياة العادية. موفاز فكّر بالأفضل لموفاز ولا بأي شيء آخر. وأنا لا يهمني ما هو الأفضل لموفاز ولا حتى موفاز نفسه. لماذا على موفاز أن يهمني؟ موفاز أصلا لا يهمني.

* أنت جزء من اليسار الإسرائيلي، وبات اليسار من دون خطة وطرح خاصة بعد تنفيذ "فك الارتباط".. كيف تفسّر وضع اليسار اليوم وانكساره في الفترة الأخيرة؟

- برأيي فإن اليسار الإسرائيلي في مشكلة، تعرف لماذا؟ لأنهم يقولون عن شارون إنّه يساري، وعن حزب "العمل" إنه اليسار في اليسار. فجأة كلهّم يسار.

كانت في الماضي موضة قال فيها الجميع عن أنفسهم إنهم "يمين". كانوا يقولون: "نحن اليمين ونحن المعسكر القومي للدولة". ولكن اليوم لا نسمع تعبير"المعسكر القومي" رغم أن الجميع كان ذات مرة "معسكرًا قوميًا". اليوم كل واحد يطلي نفسه بالألوان اليسارية التي يريد. وهذه مشكلة.

* ولكّن لم تجبني أين ترى اليسار؟

- أنا لا أعرف ما هذا اليسار الإسرائيلي؟ برأيي أن "ميرتس" هي ما تبقى من اليسار الإسرائيلي. وميرتس ليست في وضع جيّد الآن.

* لماذا برأيك؟

- لأنهم سرقوا منها شعارات كثيرة. انظر إلى ألمانيا، فقد فشلت حركة "الخضر" في الانتخابات. وقال لي وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشر، الذي قدم إلى إسرائيل والذي استقال من منصب رئيس حركة "الخضر"، قال لي أثناء زيارته: "قبل 20 عامًا كان الناس في حركة "الخضر" من ذوي الخصوصية نتيجة برنامجهم اليومي وحياتهم ولكن فيما بعد بدأت الحركات السياسية الاجتماعية تسرق لهم شعاراتهم وطريقة حياتهم حتى فقدوا خصوصيتهم".

ما يجري الآن في إسرائيل هو أن الجمهور الإسرائيلي يقول: إذا كان الجميع "ميرتس" فنحن لسنا بحاجة إلى "ميرتس". أعتقد أن هذا خطأ. إذا كنت تصوت "ميرتس" فأنت تعرف أن صوتك لن يذهب إلى مكان تخجل من أنك صوتت له.

* لماذا لا تذهب "ميرتس"مع حزب "العمل"؟

- أنا اقترحت. ولكن هناك معارضة من الجانبين. فليكن!

* إلى أي مدى برأيك سيؤثر التغيير في رئاسة حزب "العمل" على الخارطة السياسية في إسرائيل؟

- هناك انتعاش. كانت المياه هادئة جدًا واليوم توجد أمواج خفيفة فوق المياه. أعلم جيدًا أن استطلاعات الرأي لا تبشر خيرًا لكن اختيار عمير بيرتس هو اختيار جيد. تخيّل لو أن شمعون بيريس انتخب لرئاسة الحزب، سيكون الوضع مملاً، لأن بيريس قبل أن يكون خادمًا لأريئيل شارون. وإذا كان بيريس قبل وظيفة الخادم، فلماذا علي أن أنتخب الخادم. سأنتخب السيّد مباشرةَ. لبيرتس توجد مصالح أخرى.

* ولكن ينتقدونه بسبب عدم الخبرة؟

- لقد قال لي صديق، "لقد رأينا هؤلاء أصحاب الخبرة".

* كيف ستؤثر هذه التحولات الغريبة في الخارطة السياسية على المسيرة نحو الحل مع الفلسطينيين؟

- لا أعرف صدقني، قلت لك. فالسياسيون لا يفصحون عن شيء. لا أعرف. أنا أسمع ما أسمعه وأرى ما أراه. ولست نبيًا. من الممكن أن تكون تطورات جيّدة أو سيئة. عند شارون لا يمكن فهم أي شيء. ولكني أشكك في طريق شارون أصلاً. وشكوكي ليست نابعة منّي لا بل من تاريخه المضلل. شارون سيفعل كل ما هو جيد له فقط. فإذا رأى أن من مصلحته الذهاب قليلاً إلى اليسار سيذهب وإذا قرر العكس فسيفعل. لا أثق بأريئيل شارون.

* وكيف تفسر الشعبية التي ينالها من العالم؟.

- العالم يمنحه فرصة من أجل التقدم على أمل أن يتقدم.

* وماذا سيفعل يوسي سريد الآن بعد إنهاء عمله السياسي؟

- غمروني بالاقتراحات ولا أستطيع اليوم تلبية ما يطلبونه مني. توجهوا إليّ من وسائل إعلام كثيرة لتقديم تحليلات يومية، ولا يوجد خطر من ألا تسمع ما أفكر به.

المصطلحات المستخدمة:

الكنيست, كديما, الليكود, عمير بيرتس

المشهد الإسرائيلي

أحدث المقالات